الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يحيا الجهل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد انتهائى من تركيب مكتبتى الجديدة وانتهاء فرش الشقة فى ثوبها الجديد، جاء الأهل للمباركة وبالطبع كان الجيل الجديد متواجدًا، نظرت فوجدتهم جميعا قد أمسكوا بتلفوناتهم المحمولة، منهمكين فى أشياء ربما تغيب عن بعض من هم فى مثل سنى، أغاظنى الموقف فحدثتنى نفسى أن أسألهم سؤالا، بعد أن آخذهم فى جولة بين أرفف المكتبة التى ربما تكون متواضعة فى نظر الكثيرين لكنها فى نظرى ثروة لا تقدر بثمن.. المهم قاموا فى تململ وهم ينظرون للمكتبة وأنا أنتظر رأيهم، فسمعت كلمات على نسق: «حلوة يا عمو وحلوة يا خالو».. عصبتنى الإجابة فقلت لهم أنا لا أسألكم عن الشكل، بل عن المضمون.. صمت الجميع إلا واحدا فاجأنى بالسؤال عن كتاب يريده، لكن المفاجأة تحولت إلى صاعقة فالأستاذ أراد كتابا عن تربية سمك الزينة وكانت من اهتماماتى لبضع سنين، دون أن يلتفت هو أو أحد ممن حضروا لأى كتاب، ولو كان قصة قصيرة أو رواية من روايات الجيب، أصابنى ذلك بحالة من اليأس من أن يولد جيل جديد يحمل الراية من بعدى، جيل أورثه ثروتى التى لا أملك من حطام الدنيا غيرها. 
فى الزمن الماضى كان المدرس يحثنا على القراءة، وكانت الحصة التى سميت باسمها لا تقتصر على ما هو موجود بالكتب الدراسية، بل يتعداها بكثير إلى آخر ما قرأناه من كتب، وكان كل منا يأتى بالكتاب الذى قرأه ليقرأ لنا منه فقرات ويحكى فقرات أخرى، فيما المدرس يفسر لنا ما غم علينا فهمه، وكنا نتبادل الكتب مع بعضنا البعض ونتبارى فى القراءة، حتى إن الواحد منا كان يدخر مصروف الجيب ليس لشراء الكتب لكن لاستعارتها، فكانت المكتبة الإفريقية بشارع خلوصى بشبرا قبلتى للاستعارة مقابل قرشين للكتاب الواحد، فيما كان سعر شرائه لا يزيد على عشرة قروش، فى البداية كنت أستعير لكن ذلك لم يشبع النهم، فقررت أن أمتنع لفترة عن الاستعارة فأشترى الكتاب بهدف القراءة والاقتناء، وكان أبى رحمه الله هو السند فى ذلك، بعد أن علمنى القراءة والكتابة عن طريق القرآن الكريم، صوتًا وحرفًا فربى الأذن والعين على حب القراءة لإمتاع العين والعقل، لكن جيلا هو الآن مرشح لقيادة مستقبل مصر لا يحب القراءة ولا يدرى عن الكتب شيئا، لهو فى نظرى جيل معد لركوب ظهرة فى كافة الأغراض! 
كلما وجدت حديثا يدور حول السياسات العامة فى مصر، أو باختصار عن الحكومة ابتعد عنه ليس ترفعا، ولكن لأننى أرى فى غالب الأمر أولاد الأخ والأخت يتحدثون فيما لا يفهمون.. ثقافتهم إما تلقينيه عبر القنوات إياها، أو إنترنتية عبر مواقع التواصل الاجتماعى، التى أضافت جهلا فوق جهل، اللهم من رحم ربى، أو كان من أبناء الجيل الذى هرم، رقصا على سلالم كل شيء، فلا هو رأى من فوقه، ولا من فوقه رآه.. عند رؤية الحديث سالف الذكر، أجد نفسى راغبًا فى القول بإن كافة الأنظمة التى حكمتنا، لم تكن تحمينا إلا من علم ربما نفهمها به، وبالتالى يمكن أن يعلو الصوت ضدها إن هى أخطأت، تحمينا من الفهم وتحمى عدم الفهم فينا، ليكون جدارا تحتمى خلفه ضدنا، ومن ثم تكون النتيجة هتاف الرعية لصالح كل ما هو ضدها، اعتقادا بأن ذلك يصب فى خانة الوطنية، ويجعل هناك مزيدًا من الأمن والأمان، ومن ثم يسعد الزمان بها، ويفرح الحكام ليأكلوا البط والحمام، بينما يأكل الصاخبون بهتافهم على موائد الرحمن فى رمضان وفى غير رمضان.