الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أيها البحر العظيم.. اغضب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
البحر الأبيض المتوسط، أو البحر المتوسط، أو البحر العظيم فى الزمن القديم، بحرنا نحن البلاد التى تقع عليه ولها منه نصيب من الحركة الدائمة، والوضوح والصراحة والسرعة والاندفاع، وغير ذلك كثير من صفات هذا البحر العظيم، هذا البحر عبر التاريخ القديم كان مكان الأساطير اليونانية العظيمة بل والفرعونية أيضا، فلقد عبرته إيزيس تبحث عن أحد أعضاء أوزوريس التى وزعها أخوه وقاتله ست بين البلاد ووجدته إيزيس فى ببلوس فى لبنان، وعادت به تكمل ما جمعته من أوزوريس زوجها لتنفخ فيه من روحها بعد ذلك تعيد إليه الحياة، وتنجب منه ابنه حورس الذى انتقم له من قاتله، الأساطير اليونانية عرفها من يشاهد السينما زمان وربما حتى الآن، وعرفها من يحب القراءة، منها أسطورة حرب طروادة التى اندلعت بعد أن خطف باريس ابن حاكم طروادة الجميلة هيلين زوجة مينلاوس حاكم إسبرطة، وكان ملوك اليونان من قبل قد أحبوا جميعًا هيلين، وبالطبع لم يكن ممكنا أن يتزوجوها كلهم، فاتفقوا أن من يتزوجها منهم وتميل إليه يعملون جميعا فى خدمته إذا ألم بهيلين مكروه، وليس هناك مكروه أكبر من خطفها لذلك اتحدوا جميعا وملأوا سفنهم بالجنود، وعبروا البحر إلى طروادة التى قيل بعد مئات السنين إنها كانت تقع فى تركيا، قامت الحرب التى طالت ولم ينجح اليونانيون فى استعادة هيلين، فاقترح عليهم أوليس أو أوديسيوس الذى يعنى اسمه الرجل كثير الحيل، أن ينسحبوا فى سفنهم ويتركوا حصانا خشبيا ضخما به جنود فيعرف الطرواديون برحيلهم ولا يجدون أمامهم إلا سحب الحصان داخل أسوار المدينة التى لم يستطع اليونانيون اختراقها أبدا، وهذا ما حدث سحب اليونانيون الحصان داخل أسوار طروادة، واحتفلوا وسكروا فخرج الجنود اليونانيون من قلب الحصان وقتلوا حراس الأسوار، وفتحوا أبوابها للسفن التى كانت قد عادت ودخلت جيوش اليونان لتهزم طروادة، ثم يظهر البحر من جديد حين يعود اليونانيون إلى بلادهم عبره ويتوه أوديسيوس عشر سنين فوق الماء حتى يعود إلى دياره، عودة أوديسيوس ومتاهته هى ملحمة الأوديسا وكلها فوق الماء وما قابلهم فى الطريق من عجائب وغرائب، رحلات عذاب لكنها فى النهاية جميلة، وغير ذلك ما فعله زيوس حين ضاقت به الدنيا بسبب زوجته هيرا التى تراقبه هو الباحث الأبدى عن النساء، فيسخط نفسه فى شكل ثور، وينزل من جبل الأوليمب ويعبر البحر إلى مدينة صور اللبنانية ليخطف أوروبا الجميلة ابنة الحاكم التى حين رأت ثورا جميلا غريبا صعدت على ظهره، ولم تعرف أنه سيهرب بها فى البحر إلى جزيرة كريت ومنها إلى أوروبا التى سميت باسمها، تمثال عروس البحر هذا موجود فى الإسكندرية عند ممر السلسلة، أما هجوم الرومان على الإسكندرية فأسطورة أرشميدس عالم الرياضيات الذى اخترع المرايا العاكسة بقوة مضاعفة لقوة الشمس ركبت كلها فى أعلى فنار الإسكندرية القديم وسلطت على سفن الرومان أحرقتها، آخر الأساطير طبعًا قصة حب كليوباترا وأنطونيو، وحروبهما فى البحر ضد الرومان قبل أن ينهزما وينتحرا.
هذا البحر الذى يتحول العذاب فوقه إلى حكايات من الجمال الإلهى الذى لا يضاهيه جمال، أصبح منذ سنوات معبرا للموت من مصر وإفريقيا كلها هربًا إلى أوروبا، بتنا نسمع عن حكايات الموت فى مياهه وغرق السفن التى يتم تهريب الناس عليها، كانت المسافات الزمنية بين كل حادثة وأخرى طويلة نسبيًا، وكدنا نتعود على موت الفارين من بلاد الفقر والظلم، لكن الأمر اختلف الآن بعد أن عرف السوريون طريق البحر، إنهم يركبونه كل يوم بالآلاف ويموتون أطفالا ورجالا ونساء ومن يسعده الحظ وينجو يموت فى حافلة كانت تقوم بتهريبه داخل البلاد الأوروبية، أصبح المتوسط الجميل بحرا من دم، وأنا الذى جعلته فى ثلاثيتى عن الإسكندرية بحرا للدنيا وبحرا للعشاق بت أشعر بالخجل، كتبت يوما عنه أنه بحر مياهه من دموع المحبين فى روايتى «الإسكندرية فى غيمة» راثيا قصة حب بطلى الرواية نادر ويارا، التى انتهت تحت قهر السلطة والمجتمع إلى فراق ولم يعد أمامهما إلا شاطئ البحر بالليل وفى المساء، أنا الذى فعلت ذلك أشعر بالخجل، فهذا بحر من دماء العرب ومن دماء السوريين أكثر، والعالم كله يتفرج على المأساة السورية، العالم كله يتفرج على حاكم ديكتاتور وجماعات إسلامية العنف وأضل سبيلا وكلاهما لا عمل له إلا قتل الشعب، ولم يعد أمام الشعب إلا الفرار إلى البحر الذى لم تعد الرحلة عليه تنتهى بسلام، أى عالم هذا الذى نعيشه، وكيف يرضى البشر بشعب يموت فى المياه من تصعد جثته إلى الشاطئ هم القليل، ومن تأكل الأسماك جثثهم هم الأكثر؟ هل يمكن لهذا البحر العظيم أن يغضب، هل له أن يخرج من مكانه يغرق البلاد التى تطل عليه كلها محتجًا فلم يتعود على طعام البشر، ولم يتعود على التخلى عن البشر، هذا ما صرت أدعو البحر أن يفعل، أيها البحر لا تلمنى إذا اعتبرت مياهك يومًا من دموع المحبين، لم أكن أعرف أنها ستكون من دماء البشر، أيها البحر العظيم اغضب وأغرقنا جميعا.