الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أشباح الساحل الشمالى الأفغاني!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل عام وأنتم بخير، أيام قليلة وينتهى فصل الصيف، ومع نهاية شهر سبتمبر وبدء الموسم الدراسى، سيعود المصريون المصطافون إلى بيوتهم وأماكن إقامتهم المستدامة سالمين، تاركين مساكنهم الصيفية فى الساحل الشمالى غير مأهولة ثلاثة فصول كاملة، فتغلق عشرات القرى فى ذلك المكان الذى يعد من أجمل وأهم شواطئ العالم، سواء من حيث زرقة المياه ونقائها، أو جودة الرمال المميزة التى يندر تكرارها فى الدنيا، فالسائحون يتمونون أن يكون لديهم مثل هذه الشواطئ فى بلادهم ليستمتعوا بها طوال العام، وليس كما نفعل نحن نغلقها بالضبة والمفتاح ثلاثة أرباع السنة!
إن ما يحدث فى الساحل الشمالى هو جريمة بحق، ترتكب فى هذا الوطن، حيث تمارس سنويا فى هذه البقعة الهامة من الساحل المصرى عملية هدر ممنهج لمورد حيوى فى الدولة، دون أن ينتبه أحد لذلك، فالساحل الشمالى بشواطئه الساحرة ورماله الحانية، يتحول بقدرة قادر مع انتهاء موسم المصيف، إلى مدن تسكنها الأشباح طوال ثمانية أشهر كاملة، كما لو ان المليارات التى صرفت على هذه المنطقة وجدناها فى الشارع ولم نتعب ونَكَدّ من أجل جلبها، فالاقتصاديون ثمنوا أسعار المباني الموجودة فى تلك المنطقة فوجدوا انها تكلفت 300 مليار جنيه! بها فيللات وشاليهات يزيد ثمن الواحدة على 10 ملايين جنيه، ويوجد قصور كثيرة يزيد ثمن القصر على 30 مليون جنيه.
أرقام فلكية، ومليارات مهدرة، صرفت على أجمل بقاع الدنيا الموجودة على ارض مصر، فقط لتستقبل زوارها ثلاثة اشهر فى السنة، ثم، تتحول إلى مدينة تسكنها الأشباح، أو يمكن استعارة تعبير للفنان أحمد حلمى أورده فى فيلم «جعلتنى مجرما» إذ قال: «الساحل الشمالى الأفغانى» فى دلالة واضحة على أن هذه المدينة تتحول إلى ما يشبه جبال أفغانستان المخيفة والمرعبة، التى يوجد بها كل أنواع الرعب والخوف.
صحيح أن هذه المناطق بها كثير من الوحدات تمليك، وتخص مواطنين عاديين، ولا سلطة للدولة عليها، وبالتالى هم أحرار فى أن يتركوا مساكنهم ويرحلون كما يشاءون، لكن هذا لا يعنى أن تقف الدولة تتفرج على غلق أهم شواطئها ومناطقها السياحية ثمانية أشهر فى العام دون أن تحرك ساكنًا أو تتخذ إجراءاتها لتنشيط استغلال هذه البقعة العامرة بكنوز الطبيعة.
ثم انا لا افهم كيف تنفق الدولة مليارات الجنيهات على طرق جديدة تختصر المسافة للساحل الشمالى إلى النصف، فى حين أنها لا تستخدم إلا ثلاثة أو أربعة أشهر فقط فى السنة؟ ورغم وجود طرق قائمة بالفعل تقضى هذا الغرض، لكنها تحتاج فقط إلى صيانة بحوالى 10٪ من تكاليف شق طريق جديد.
أعتقد أن السياسة الاقتصادية الجديدة للدولة التى أرساها الرئيس عبدالفتاح السيسى سوف تنظر لهذا المكان المهم بعين الاعتبار، فالساحل الشمالى يمكن أن يدر عائدًا ماديًا ضخمًا للدولة إذا ما تم استغلاله سياحيا فى فصل الشتاء وغيرها من فصول السنة المهملة، عن طريق الترويج له فى الخارج، وشرح مميزات شواطئنا من خلال شركات سياحية متخصصة.
ليس هذا فحسب، بل يمكن التوسع فى استغلال ذلك المورد المهم، بتحويل المناطق القريبة من الساحل الشمالى إلى مناطق صناعية أو زراعية لجذب المواطنين للإقامة هناك ولتوافر كل مقومات الحياة المستدامة لتخفيف العبء السكانى عن العاصمة، وهذا بلا شك سوف يحقق قفزة اقتصادية هائلة، فقط الامر يحتاج إلى شىء من التخطيط البسيط.
ليت حكومة المهندس إبراهيم محلب تفطن لذلك، وليتنا نعيد النظر فى استثمار الساحل الشمالى حتى نجعل هذه الجنة الرابضة على ارض مصر، تدر دخلا للاقتصاد المصرى طوال السنة، ولا نكتفى بالاستمتاع بهذه المنطقة فى شهور الصيف فقط.