الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

نجيب محفوظ.. "فتوة الحارة"

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عاش ببساطة في قلب الحارة المصرية، جلس على المقهى بين البسطاء والأعيان، وبلغة سهلة تواصل مع كل الأطياف، وعلى الورقة كان صديقًا للوصف الدقيق،إنه نجيب محفوظ.
وُلد الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ في حي الحسين بالقاهرة عام 1911، وهو ابن الموظف (عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا) الذي لم يكن يقرأ في حياته غير القرآن الكريم، وكان نجيب أصغر أشقائه، وكان الفرق بينه وبين أقرب أشقائه عشرة سنوات، وهو الأمر الذي الذي جعله وحيداً يتأثر بحكايات الماضي.
عاش في حي الجمالية أول تسع سنوات من عمره، ثم انتقل إلى حي العباسية، وحصل على ليسانس الفلسفة من جامعة القاهرة، وشرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية، لكنه عدل عن قراره وركّز على الأدب، عمل سكرتيراً برلمانياً في وزارة الأوقاف (1938 – 1945)، ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى 1954، ثم مديراً لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة وعمل مديراً للرقابة على المصنفات الفنية، وآخر منصب حكومي شغله كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما (1966 – 1971)، وتقاعد ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام.
بدأ نجيب محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينيات وكانت تنشر قصصه في مجلة الرسالة عام 1939، حيث كانت روايته الأولى تحمل اسم (عبث الأقدار).
ويعتبر العنوان عند نجيب محفوظ هو أهم هذه العتبات في دائرة البدايات الأولى لمحور النص وخطوطه الأساسية، وهو أيضًا رأس النص ومفتاحه الأساسي، ومن ثم فهو يرتبط بباقي جسم النص، وداخل النص تجد أن الروح والوجدان لصاحب نوبل تشرّبت بروح القاهرة القديمة وحي الحسين بالحواري والأزقة والمساجد والأضرحة، بأناسه رجالًا ونساء، ومجاذيب وشحاذين، ويظهر تعلق نجيب محفوظ بالمكان في أعماله الأدبية بداية من عنوان العمل، مثل زقاق المدق، رادوبيس، كفاح طيبة، القاهرة الجديدة، خان الخليلي، ثلاثية القاهرة: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية، قشتمر.
ترك حي الجمالية داخل نجيب محفوظ أثرًا كبيرًا، لاختلاط قدسية المكان بالواقع المعاصر المحافظ على ملامحه وتاريخه القديم، وكأنك تعيش أكثر من عصر في زمن واحد.
ويقول نجيب محفوظ عن هذا الحي: «منذ مولدي في حي سيدنا الحسين وتحديداً في يوم الإثنين 11 ديسمبر عام 1911 ميلادية، وهذا المكان يسكن في وجداني، عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جداً أشبه بنشوة العشاق، كنت أشعر دائماً بالحنين إليه لدرجة الألم، والحقيقة أن الحنين لم يهدأ إلا بالكتابة عن هذا الحي، حتى عندما اضطرتنا الظروف لتركه والانتقال إلى العباسية، كانت متعتي الروحية الكبرى هي أن أذهب لزيارة الحسين، وفي فترة الإجازة الصيفية أيام المدرسة والتلمذة كنت أقضي السهرة مع أصحابي في الحسين، ونقلت عدوى الحب لهذا الحي إلى أصدقائي، فتحت أي ظرف لابد أن تكون السهرة في الحسين، وحتى لو ذهبنا لسماع أم كلثوم وتأخرنا إلى منتصف الليل لا نعود إلى منازلنا إلا بعد جلسة طويلة في (الفيشاوي) نشرب الشاي والشيشة ونقضي وقتا في السمر والحديث».
أفضل كتابات محفوظ كانت عن الحارة المصرية، حتى حين اختار مكاناً بديلاً للدنيا في رواية «أولاد حارتنا»، كانت الحارة أيضاً، والفتوة من أبرز رموز الحارة، الذي استعمله نجيب محفوظ كغطاء لمعان أخرى مثل الحاكم أو الغازي، أما الحرافيش في أعمال نجيب محفوظ كانت البذرة التي يخرج منها الفتوة، أي حين يفسد الحرافيش يفسد معها الفتوة والعكس صحيح.

نجيب محفوظ: «رأيت من شرفة المنزل ثورة 1919 ومعركة بين فتوات الجمالية».

جاءت كتاباته الأولى كالقاهرة الجديدة وزقاق المدق وخان الخليلي وبداية ونهاية والثلاثية، معبرة عن الفترة الزمنية التى عاشت فيها مصر بعد الحرب العظمى الأولى وما قبل ثورة 1952، وتنبأ بالسقوط والانهيار في رواية ثرثرة فوق النيل، وجاءت ملحمة الحرافيش وهي أحد أهم أعمال الأديب المصري «نجيب محفوظ» غير محدّدة الزمان ولا المكان بدقة، فأصبحت مادة رائعة للسينما والدراما التليفزيونية على حد سواء، حيث تمثلت في أكثر من فيلم سينمائي منها «الحرافيش»، و«المطارد» و«شهد الملكة» و«الجوع» و«التوت والنبوت»، إلى جانب مسلسل الحرافيش في أجزائه الثلاثة، كما لم تبتعد رواية الحرافيش كثيراً عن منحى الوجودية الذي انتحاه نجيب محفوظ في الكثير من رواياته رغم اكتسائها الطابع الاجتماعي.
رمزية "أولاد حارتنا" كادت تقتله:
اتجه نجيب محفوظ إلى الرمزية في روايته «أولاد حارتنا» التي سببت ردود فعلٍ قوية، وكانت بداية نشرها مسلسلة في جريدة الأهرام عام 1950، ثم توقف النشر في 25 ديسمبر من العام نفسه، بسبب اعتراضات هيئات دينية، ولم تُنشر الرواية كاملة في مصر في تلك الفترة، واقتضى الأمر ثماني سنوات أخرى حتى تظهر كاملة في طبعة دار الآداب اللبنانية التي طبعت في بيروت عام 1967، التي لم يكن ينوي طبعها في مصر إلا بعد الحصول على تصريح من الأزهر بنشرها، إلا أنها طبعت في لبنان وهُرّبت منها بعض النسخ إلى مصر، وفي أكتوبر 1995، طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابٍ كان يريد اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب هذه الرواية، ولم يُتوفّ نجيب محفوظ إثر تلك المحاولة، وأعيد نشر «أولاد حارتنا» في مصر عام 2006 عن طريق دار الشروق.
نتيجة إسهاماته البارزة تحصّل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب، وهي أعلى جائزة عالمية في ذلك المجال، ويعدّ نجيب العربي الوحيد الحائز عليها عام 1988.
وفي أغسطس 2006 تُوفي نجيب إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله مستشفى الشرطة في حي العجوزة، بعد أن أثرى الحياة الأدبية بـ39 رواية، و19 مجموعة قصصية.