الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

ناجي العلي.. ريشة النضال

ناجي العلي
ناجي العلي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: أحمد صوان
إشراف: سامح قاسم


"ولدت حيث ولد المسيح، بين طبرية والناصرة".. هكذا كان رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي يُعّرف نفسه، حيث جاء من تلك البقعة التي تُقدسها الأديان الثلاثة.
وتزامنت نشأة ناجي العلي مع قيام العصابات الصهيونية بسلب وطنه أمام عينيه، فكانت القضية الفلسطينية منذ البداية هي محور حياته، فعاش يرسم من أجلها، ويُذّكر العالم بها، وكانت نهايته أيضًا من أجل القضية بعدما أيقن عدوه أنه لا بديل لوقف رسومه سوى الموت.



طفولة في رحم الوطن المسروق:
ولد ناجي العلي، في قرية الشجرة الواقعة بين طبرية والناصرة عام 1937، وعاش أعوامه العشرة الأولى بينما تُحيط العصابات الصهيونية بأرضه، وعند إعلان قيام إسرائيل كان في الحادية عشرة من عمره، فهاجر مع أهله إلى جنوب لبنان، وعاش في مخيم عين الحلوة، وروى هذا بقوله: "كنت صبيًا حين وصلنا زائغي الأعين، حفاة الأقدام، إلى عين الحلوة.. كنت صبيًا وسمعت الكبار يتحدثون.. الدول العربية.. الإنجليز.. المؤامرة، كما سمعت في ليالي المخيم المظلمة شهقات بكاء مكتوم.. ورأيت من دنت لحظته يموت، وهو ينطلق إلى الأفق في اتجاه الوطن المسروق، التقط الحزن بعيون أهلي، وشعرت برغبة جارفة في أن أرسمه خطوطًا عميقة على جدران المخيم، حيثما وجدته مساحة شاغرة.. حفرًا أو بالطباشير".
ولم يلبث ناجي وأهله في عين الحلوة كثيرًا، حيث تم تهجيرهم من المخيم، واعتقلته قوات الجيش الصهيوني وهو صبي لنشاطاته المُعادية للاحتلال، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها، كذلك قام الجيش اللبناني، باعتقاله أكثر من مرة، وكان هناك أيضًا يرسم على جدران السجن.



البداية.. جهاد بالقلم
كان الصحفي والأديب الفلسطيني غسان كنفاني قد شاهد ثلاثة أعمال من رسوم ناجي في إحدى زياراته إلى مخيم عين الحلوة، فنشر له أولى لوحاته، وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوّح، ونشرت في مجلة "الحرية" العدد 88 في سبتمبر 1961؛ وفي عام 1963 سافر ناجي إلى الكويت ليعمل محررًا، ورسامًا، ومخرجًا صحفيًا، فعمل في صحف "الطليعة الكويتية، السياسة الكويتية، السفير اللبنانية، القبس الكويتية، والقبس الدولية"، وسّجل العلي هذه الذكرى قائلا: "ظللت أرسم على جدران المخيم ما بقي عالقًا بذاكرتي عن الوطن، وما كنت أراه محبوسًا في العيون، ثم انتقلت رسوماتي إلى جدران سجون ثكنات الجيش اللبناني، حيث كنت أقضي في ضيافتها فترات دورية إجبارية.. ثم إلى الأوراق.. إلى أن جاء غسان كنفاني ذات يوم إلى المخيم وشاهد رسومًا لي، فأخذها ونشرها في مجلة الحرية، وجاء أصدقائي بعد ذلك حاملين نسخًا من الحرية وفيها رسوماتي، شجعني هذا كثيرًا، وكنت أعمل في الكويت حين صدرت جريدة "السفير" في بيروت، ولقد اتصل بي طلال سلمان، وطلب مني أن أعود إلى لبنان لكي أعمل فيها، وشعرت أن في الأمر خلاصًا، فعدت ولكني تألمت، وتوجعت نفسي مما رأيت، فقد شعرت أن مخيم عين الحلوة كان أكثر ثورية قبل الثورة، كانت تتوفر له رؤية أوضح سياسيًا، يعرف بالتحديد من عدوه وصديقه، كان هدفه محددًا فلسطين، كامل التراب الفلسطيني، لما عدت كان المخيم غابة سلاح، صحيح، لكنه يفتقد إلى الوضوح السياسي، وجدته أصبح قبائل، وجدت الأنظمة غزته ودولارات النفط لوثت بعض شبابه، كان هذا المخيم رحمًا يتشكل داخله مناضلون حقيقيون، لكن كانت المحاولات لوقف هذه العملية.. وأنا أشير بإصبع الاتهام لأكثر من طرف، صحيح أن هناك تفاوتا بين الخيانة والتقصير، ولكني لا أعفي أحدًا من المسئولية، الأنظمة العربية جنت علينا، وكذلك الثورة الفلسطينية نفسها".



حنظلة المعذب
كانت شخصية "حنظلة" التي ابتدعها ناجي العلي في رسومه انطلقت لتُصبح أشهر الشخصيات الساخرة في الكاريكاتير العربي، وكان "حنظلة" صبيًا في العاشرة من عمره، ظهر لأول مرة في الكويت عام 1969 في جريدة "السياسة الكويتية"، وكان "حنظلة" مرآة للعديد من الأحداث والأزمات التي عاصرها مؤلفه، فأدار ظهره في سنوات ما بعد حرب وعقد يديه خلف ظهره، وأصبح "حنظلة" بمثابة توقيع ناجي العلي على رسومه، واعتبر البعض "حنظلة" رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه، وكذلك رأوه شاهد صادق على الأحداث، ووصفه الرسام الفلسطيني بقوله: "ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما أن فقدان الوطن استثناء.. كتفته بعد حرب أكتوبر لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة.. عن موعد رؤية وجه حنظلة.. عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".



فاطمة
لم يكتف ناجي بـ" حنظلة"، بل كانت لديه شخصيات أخرى تتكرر في رسومه، مثل المرأة الفلسطينية "فاطمة"، وهي شخصية لا تُهادِن، رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وطريقة حلها، بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحيانا، في العديد من الكاريكاتيرات جاء رد فاطمة قاطعًا وغاضبا، مثل كاريكاتير تحمل فيه فاطمة مقصا وتقوم بتخييط ملابس لأولادها، في حين تقول لزوجها: "شفت يافطة مكتوب عليها عاشت الطبقة العاملة بأول الشارع، روح جيبها بدي أخيط أواعي للولاد"، وفي مُقابل هاتين الشخصيتين هناك شخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له، ممُثلًا به القيادات المرفهة والخونة والانتهازيين، وشخصية الجندي الإسرائيلي طويل الأنف، الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكًا أمام حجارة الأطفال، وخبيثًا وشريرًا أمام القيادات الانتهازية.



النهاية
في 22 يوليو من العام 1987، أطلق شاب مجهول النار على ناجي العلي، فأصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 أغسطس، وتم دفنه في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن، رغم طلبه أن يُدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده.
وأسفرت التحقيقات البريطانية عن أن الشاب يُدعى "بشار سمارة" والذي كان مُنتسبًا إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنه في الوقت نفسه كان موظفًا لدى جهاز الموساد الإسرائيلي، كما قامت الشرطة البريطانية، باعتقال طالب فلسطيني يُدعى إسماعيل حسن صوان، ووجدت أسلحة في شقته وتم اتهامه به بحيازتها، وفي التحقيق قال إسماعيل: إن رؤساءه في تل أبيب كانوا على علم مسبق بعملية الاغتيال، بينما رفض الموساد نقل المعلومات التي بحوزتهم إلى السلطات البريطانية، فقامت مارجريت تاتشر، رئيسة الوزراء حينذاك، بإغلاق مكتب الموساد في لندن، أيضًا قام البعض باتهام منظمة التحرير الفلسطينية بالضلوع في اغتياله، وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية فإن أحد زملاء ناجي العلي قال أن قبل إطلاق النار بأسابيع التقى ناجي بمسئول رفيع في منظمة التحرير الفلسطينية حاول إقناعه بتغيير أسلوبه، فقام ناجي بالرد عليه بنشر كاريكاتير ينتقد ياسر عرفات ومساعديه.
وقد رثى الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودي ناجي العلي في قصيدة تحمل اسمه، كما جسّد الفنان الراحل نورالشريف شخصيته في فيلم يحمل الاسم نفسه، وثارت حول الفيلم العديد من المشكلات، وتم منع الفيلم من العرض لمدة عشرين عامًا تقريبًا.

يا قبر ناجي العلي.. يادى الضريح
كان ميتك.. للأسف.. وطنى صريح
تحتك فتى ناضر القلب..غض
كان قلبه.. أرض مخيمات الصفيح.