الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محب الرافعي.. هل هو وزير حقًا؟

وزير التربية والتعليم
وزير التربية والتعليم محب الرافعي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الجالس على «مقعد طه حسين» يعتبر مستقبل «مريم» لعبة.. ومنح أوراق إجاباتها لطالب آخر «جناية» أكد «براءة» مسئوليه وعدم وجود تلاعب قبل التحقيق.. وما حدث مفاده: « اجتهدوا لنسرق تفوقكم» كيف ينام وهو يعرف أن لصًا سوف يصبح طبيبًا أو مهندسًا بمجهود غيره؟
إن صح ما تداولته الصحف بشأن تبديل أوراق مريم وسرقة مجهودها ومنحها صفرًا كبيرًا، فإنه في الحقيقة بمثابة تلخيص حكومى للأوضاع في مصر، ورسالة للناس مفادها: اجتهدوا وجاهدوا وافعلوا ما تقدرون عليه وراكموا مجهوداتكم وحافظوا عليها لأننا نريد سرقتها وسوف نسرقها.
هذه الجريمة إن صحت، كاشفة لما ترى الحكومة أنه العلاقة الصحيحة بينها وبين الناس.
هي إعلان كبير واضح كشمس أغسطس على حجم الفساد والاستهتار بمستقبل أجيال كاملة لصالح من وصفهم الشاعر أحمد فؤاد نجم بالتنابلة (قفاهم عجينة دماغهم تخينة سنانهم بتضوى كروشهم سمينة - سنانهم مبارد تفوت في الحديد مفيش سخن، بارد بياكلوا الجليد).
إن إهدار حقوق المصريين وعلى الأخص الفقراء والمهمشين ومن تظن السلطة التنفيذية من كبيرها لصغيرها أنهم ضعاف، في العدالة والعمل اللائق والصحة والسكن الآدمى، وقبل كل ذلك في التعليم الجيد والمجانى هو المفتاح الحقيقى لفهم قضية مريم.
فلنتخيل الموظف الفاسد وقياداته بينما هم يتلاعبون بأوراق الطلاب في الثانوية العامة التي هي البوابة الوحيدة للفقراء لكى يلتحقوا بالجامعة ولنتساءل كيف كان يفكر؟ ما دوافعه؟ كيف اختار ورقة إجابة بعينها ليسرق مجهود صاحبتها ويمنحه لأحد التنابلة أبناء الأغنياء أو المتنفذين ؟ كيف اتفق جنائيًا مع ولى أمر الطالب أو الطالبة الخيبان أو الخيبانة الذي يريد له أبوه أن يصبح سفيرًا أو إعلاميًا أو طبيبًا أو مهندسًا بتكلفة أقل من تكاليف الجامعات الخاصة وبلا شوائب ناتجة عن نظرة النقابات المهنية للجامعات الخاصة قد تهدد اعتلاء المحروس لوظيفة عليا؟
ولنتخيل السيد الذي يطلق عليه وزير التربية والتعليم وهو قابع في مكتبه بالقرب من جهاز التكييف أو المدفاة مطمئنًا لأن أبناءه هو ومساعدوه وكبار موظفيه يتعلمون في مدارس ليست كمدارسنا، وإنما هي مخصوصة لهم ولمن يدفع أكثر، ويتم امتحانهم ليس على طريقتنا، ولكن على طريقة الدول التي تنتسب إليها تلك المدارس فيما فكر عندما عرف أن هناك طالبة تتهم ما يطلق عليه وزارة التربية والتعليم بسرقة إجاباتها ووضع إجابات طالب أو طالبة خائب وابن لص (على الأقل لص مجهود)، ثم خرج علينا مستبقًا التحقيقات ومؤكدًا أنه وشئونه القانونية تأكدوا أنه ليس هناك تلاعب وأن (وزارته) بريئة من التهمة وأنه سيقاضى الطالبة ؟
هل فكر السيد الذي يجلس على مقعد طه حسين (الفقير ابن الفقراء) في شىء آخر غير أن تلك الطالبة لا تستحق حتى الانتظار حتى نهاية التحقيقات؟ هل فكر في شىء آخر غير حماية عصابة مزورة وسارقة ومرتشية؟ هل فكر ولو قليلًا في الأثر الذي سوف تتركه هذه الواقعة على مريم وأسرتها والمحيطين بها؟
والآن، يعرف المستوزر الجالس على كرسى طه حسين أن هناك لصوصًا ومرتشين وسارقين مزورين في مواقع مهمة وحساسة في القطاع الذي يحاول أن يديره.
يعرف أن هناك طالبة ظلمها هو بنفسه وأساء لها ولأسرتها.
يعرف أن هناك ثقة أو بقايا ثقة انتهت بين الطلاب والمتحكمين في نتائج الامتحانات.
يعرف أن هناك طالبًا على وجه اليقين سرق درجات مريم وسوف يلتحق بالجامعة ليصبح طبيبًا أو مهندسًا أو سفيرًا أو إعلاميًا.
يعرف أنه يجلس فوق تل لخرابة كبيرة يسمونها وزارة.
ويعرف أنه ليس جديدًا عليها فقد كان تاريخه المهنى في جزء غير هين منه مرتبط بوزارة التعليم من قريب أو بعيد.
فهل هو وزير حقًا ومسئول حقًا ؟ هل يملك تقديم استقالته؟ أم عليه أن ينتظر حتى تتم إقالته عندما يشاء من اختاره وعينه واسماه وزيرًا؟
إن جريمة كالتي حدثت مع مريم تستوجب أن يتم التحقيق الجنائى مع كل المسئولين عن الكنترول وصولًا للسيد المسمى وزير التربية والتعليم.
ثم تستوجب إعادة النظر في عملية التقويم والامتحانات كلها بما يحولها إلى وسيلة لاستكشاف قدرات ومواهب ومواطن القوة والضعف لدى الطلاب، وسيلة لبناء مستقبل الطلاب لا لهدمه، وسيلة لتعزيز الثقة بين المجتمع والوزارة لا لهدمها، وسيلة يستشعر بها الطالب قيمة العدالة وتكافؤ الفرص لا الظلم وانعدام الضمير.
ثم تستوجب إعادة النظر في التعليم كله، وعلى الأخص فيما يحدث في مصر ويسمى تعليمًا.
نريد تعليمًا حقيقيًا ينهض بكل جوانب شخصية المتعلم، ويؤكد على احترام كرامته الإنسانية وحقوقه كإنسان في كل معاييرها كاملة غير منقوصة، ويراعى المصالح الفضلى له كطفل.
نريد تعليمًا موحدًا لأبناء الوطن بغض النظر عن مستواهم الاجتماعى، تعليمًا جيدًا ومتاحًا للجميع بالمجان.
ولن يحدث هذا في ظل هذه العقول التي تتعامل مع مستقبل أبنائنا على أنها لعبة يتسلون بها قليلًا في الفترة التي يجلسون خلالها على مقعد طه حسين.
فالجالس الآن على هذا المقعد، ومن سبقوه يرون أن تعليم الفقراء هو عبء على كاهل من عينهم، ولا لزوم لإتاحته بشكل حقيقى، لأن الفقراء يجب ألا تكون لهم مستقبلات طموحة.
كل خططهم تقوم على تنمية كل أشكال التربح من بيع الحق في التعليم بحجة واهية تقول إن هذا هو الاتجاه العالمى وأنهم ملتزمون باتفاقية الجاتس.
وهم في ذات اللحظة يدركون أن تحويل التعليم من حق إلى سلعة سوف يدر أرباحًا كبيرة (قدرها البنك الدولى بثلاثين ضعف الإتجار في السيارات)
ويدركون أيضا أن الإتجار في التعليم عندما يخضع لقوانين السوق الخاصة بمصر سوف يشهد فسادًا وغشًا وسرقة وتزويرًا، ويسمون ذلك حوادث فردية. والمدرك منهم لحقيقة كونه أداة لتنفيذ خطة تسليع الحق في التعليم لا يملك الحق في الاعتراض ولا في الاستقالة، ولكنه ينتظر فقط أن يقيله من عينه أو ربما يدرك لكن معاش الدرجة الوظيفية التي تسمى درجة وزير مغر ويكفل تقاعدًا آمنًا، ويمنحه الفرصة ليكون خبيرًا يمشى في حراسة الدولة.
* مدير المركز المصرى للحق في التعليم