رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"المرابطون".. بوابة الجحيم القادم

أول تحقيق صحفى عن تنظيم هشام عشماوي

عبود الزمر
عبود الزمر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأ تشكيله بعد انفصال «المقنع» عن «بيت المقدس» عقب «مذبحة الفرافرة»
نفذ الهجوم على «القنصلية الإيطالية» ويتلقى تمويلاً من شمال إفريقيا
يرتبط بـ«ميليشيات» ليبية على رأسها «أنصار الشريعة» و«غرفة الثوار» و«راف الله السحاتي»

نبتة التكفير الشيطانية التى دسها عبود الزمر، وعصام القمرى، بين عدد من أفراد الجيش، اقتلعت تمامًا بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وظل الوضع كذلك حتى اجتاحت القوات الأمريكية الأراضى العراقية، فهيأ الغزو عقول وأفئدة شباب لنمو الفكرة الشيطانية مرة أخرى.
كان الضابط طارق أبوالعزم، يقضى بعثة للتدريب فى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ثمة طارئًا كان قد طرأ على قلب الشاب ووجدانه وبدأ فى التساؤل لماذا هم متقدمون ونحن متخلفون؟ بعدها عاد «أبوالعزم» ليشترى كتب سيد قطب ويبحث فى الإنترنت عن كلمات بن لادن وأبومحمد المقدسى وأبومصعب السورى حتى وصل لقناعة أن ما نعيش فيه هو جاهلية العصر، وأن النظام السياسى فى مصر كافر وطاغوتى. بدأ أبوالعزم نشر أفكاره، وتواصل مع ضباط آخرين كان من بينهم هشام عشماوى، إلا أن المخابرات الحربية كانت قد رصدته فعاقبته وآخرين بالفصل من الجيش.
البذرة الأولى
بعد اندلاع ثورة الــ٢٥ من يناير وتهاوى الأجهزة الأمنية المصرية، توجهت أعين المراقبين للحدود الشرقية المصرية حيث الخطر الداهم الذى يهدد الأمن القومى للبلاد، لكن هناك خطرًا أدهى وأمر كان قادمًا من البوابة الغربية حيث الحدود المصرية الليبية وما وراءها من بلاد الساحل الإفريقى، وكان غريبًا أن يقف أمير كتيبة المرابطون، الموالية للقاعدة «مختار بلمختار» ليوجه خطابًا إلى المسلمين من المحيط إلى النيل فى إشارة واضحة، إلا أن القاهرة تقع ضمن ولاية تنظيمه الذى يتمركز نشاطه فى الساحل الإفريقى والذى ضم مصريين نفذوا عمليات انتحارية ضد القوات النيجرية والفرنسية على أراضى النيجر.
كان الارتباط الفعلى لتنظيمات القاعدة المحلية فى مصر بنظيرتها فى شمال إفريقيا وليس فى الشام كما ظن الكثيرون، فالقاعدة اعتبرت مصر أحد قطاعات شمال إفريقيا الذى قسمه التنظيم إلى ما يربو على ٧ قطاعات.
حضر العنصر التكفيرى المصرى فى التنظيمات الموالية للقاعدة فى شمال إفريقيا بقوة، وخاضت تلك العناصر حروبًا ليست فى الثورة الليبية فقط بل امتدت بعد ذلك للمشاركة فى الحرب ضد القوات المالية والفرنسية فى إقليم «أزواد» مع الفصائل المسلحة الأخرى مثل أنصار الدين بزعامة إياد أغ غالى، والقاعدة فى بلاد المغرب المنبثق عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال بقيادة عبدالمالك دروكدال، والسرايا التابعة لها والمنتشرة فى غرب وشمال إفريقيا، وبعد سقوط نظام العقيد معمر القذافى ذهبت القاعدة لحجز مكان لها على خريطة الميليشيات المسلحة التى تنامت بقوة بعد سقوطه.
وظهرت أنصار الشريعة الليبية بارتباطها بنظيرتها التونسية واتخاذها من ليبيا معقلًا لقياداتها وتقديمها للدعم اللوجستى للتنظيمات الإرهابية المصرية، وبعد ظهور «داعش» دبت الصراعات بين ما تبقى من قادة القاعدة وأفرعها حول إمكانية مبايعة التنظيم الآخذ فى الصعود والأكثر دموية وتكفيرًا مما جعل المنطقة كلها تواجه خطرين أقلهما يوصف بالدموية وأكثرهما يوصف بالوحشية.
فى الصحراء الغربية الشاسعة، حيث الحدود «الليبية المصرية» مترامية الأطراف وبقايا ألغام زرعها الإنجليز تحسبًا لاقتحام قوات «روميل» البوابة الغربية للمحروسة.. كانت الجمال تروح عابرة للحدود الليبية وتغدو محملة بأسلحة وصواريخ، قاصدة شبه جزيرة سيناء حيث تنيخ بأحمالها فى الصحراء الشرقية لتتلقفها أيادى التنظيمات التكفيرية المسلحة.
بدأت بذرة التنظيمات التكفيرية فى النمو بعدما أرسلوا لخبير فى تصنيع المفرقعات، هو التونسى على سعيد ميرغنى، لجلبه إلى مصر وتخزين الأسلحة القادمة من ليبيا بشقة فى برج العرب بالإسكندرية.
عندما بدأ الهجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى، كان أحد ضباط جهاز الأمن الوطنى الذين جرى تسريحهم من أعمالهم بعد ثورة ٢٥ يناير يشاهد التلفاز، فرأى أحد أوجه المهاجمين الذى استشعر للوهلة الأولى أنه وجه لم يكن غريبًا عليه، وكان صاحب الوجه محمد جمال الكاشف «أبوأحمد»، فأبلغ الضابط بدوره المسئولين الحاليين فى الجهاز، وبدأت مراقبة «أبوأحمد»، وكان اكتشاف الصيد الثمين «خلية مدينة نصر».
غير أن شخصًا آخر جرى رصده وهو يراقب منازل ضباط الأمن السابقين والحاليين، كريم أحمد عبدالسلام صاحب شقة مدينة نصر التى آوى فيها أخطر العناصر التكفيرية، كان منهم خبير المفرقعات «سعيد ميرغنى». قبلها كانت أجهزة الأمن رصدت «عادل عوض شحتو» يلتقى بأحد العناصر التكفيرية يدعى «بسام» قرب الحدود المصرية الليبية، فاتضحت معالم الخلية كاملة بعد ثبوت ارتباطاتها بالعناصر التكفيرية فى أنصار الشريعة الليبية. سألت نيابة أمن الدولة فى تحقيقاتها مع التونسى المنتمى لـ«حزب النهضة» وخبير المتفجرات على سعيد ميرغنى: لماذا ذهبت إلى ليبيا قبيل الهجوم على القنصلية الليبية بيومين ثم عدت إلى مصر بعدها بيومين؟ فارتبك ثم أجاب: ذهبت للسياحة.. أى سياحة فى ليبيا فى عصر الحرب الأهلية هناك.
نجح محمد جمال الكاشف - فى وقت قصير - فى تأسيس أخطر شبكة إرهابية خططت لاستهداف السفن المارة فى قناة السويس بالزوارق الحربية، واستهداف المواطنين الأقباط ودور عبادتهم لإحداث فوضى عارمة فى البلاد. لم يكن عنصرًا هينًا كما حاول بعض إخوانه من التكفيريين أن يثبت، فقد تلقى محمد جمال التدريب على صناعة القنابل فى معسكرات القاعدة فى أفغانستان فى الثمانينيات، وعاد إلى مصر فى التسعينيات وأصبح القائد العسكرى لجماعة الجهاد الإسلامى المصرية التى كان يقودها فى ذلك الوقت أيمن الظواهرى. ومنذ خروجه من السجن، شكل أبوأحمد شبكة باسم «الجمال»، تدرب أفرادها فى ليبيا ومصر بتمويل من فرع تنظيم القاعدة فى اليمن، ووقتها نٌقل عن أخصائيين فى مكافحة الإرهاب قولهم إن «أجهزة المخابرات الغربية المكلفة بمكافحة الإرهاب، تعتبر أبوأحمد أحد الأشخاص الأكثر خطورة فى المنطقة منذ الربيع العربى».
عشماوي في مدينة نصر
بصمات «المرابطون» التى يقودها هشام عشماوى تظهر جلية عندما يستهدف مصالح الدول التى تعد خصومه التقليديين فى الساحل الإفريقى، فبعد أن وقعت حادثة تفجير القنصلية الإيطالية ظهرت بصمات التنظيم بعد البحث عن خصوم إيطاليا من التنظيمات التكفيرية وطبيعة ارتباطاتها التنظيمية والجغرافية، فالمرجح هو قيام تنظيم «المرابطون» بتنفيذ العملية لأنه تنظيم ينشط فى شمال إفريقيا وليبيا على وجه الخصوص، ويتزعم فرعه المصرى هشام عشماوى، ويأتى استهداف القنصلية الإيطالية، وفق هذا التحليل، للعداء المرير بين إيطاليا وتنظيمات الشمال الإفريقى خاصة فى ليبيا، حيث تعتبر تلك التنظيمات «روما» عدوها اللدود الذى يسعى للقضاء عليها عبر دعم خصومها اللوجستى أو بالقيام بعمليات مباشرة تستهدف قادتها ومعسكراتها.
وبعد استهداف القنصلية الإيطالية بالقاهرة، الشهر الماضى، تباينت التحليلات حول مغزى استهدافها تحديدًا دون غيرها، ليأتى الهجوم المسلح على سفارة «النيجر» ويؤكد وجود خطة استراتيجية تتبعها تلك التنظيمات.
فالأرجح أن الجهة التى استهدفت القنصلية الإيطالية والسفارة النيجرية مرتبطة بالتنظيمات التكفيرية فى شمال إفريقيا، التى تمتلك رصيدًا من العداء والكراهية مع حكومات شمال إفريقيا، ومنها: «النيجر وتشاد ومالى والدول الغربية المتحالفة معها، أهمها إيطاليا وفرنسا.
لم تكتشف الأجهزة المصرية أمر الضابط هشام على عشماوى إلا متأخرا، فقد كان عنصرًا حاضرًا بقوة فى خلية مدينة نصر وعضوًا فى شبكة الجمال، إلا أنه لم يكن معروفًا حتى لأعضاء خليته بعد استخدامه لعشرات من الأسماء الحركية، وانضم عشماوى إلى القوات المسلحة فى منتصف التسعينيات، وفى ١٩٩٦ التحق بالقوات الخاصة «الصاعقة» لكنه وقع فى وحل الأفكار التكفيرية وظل ينشر أفكارًا متشددة.
بعد مشاركته فى حرب القذافى وارتباطه بقادة القاعدة فى شمال إفريقيا تحول عشماوى إلى سوريا للمشاركة فى الحرب هناك إلا أن اندلاع ثورة الــ٣٠ من يونيو، والإطاحة بنظام مرسى دفعته للعودة إلى القاهرة مجددا والتنسيق مع قادة جماعة أنصار بيت المقدس.
تولى «عشماوى» عملية رصد تحركات وزير الداخلية مع عماد الدين أحمد، الذى أعد العبوات المتفجرة بالاشتراك مع وليد بدر، منفذ العملية والعائد من سوريا، كما شارك فى مذبحة كمين الفرافرة، فى ١٩ يوليو ٢٠١٤، وهى العملية التى استشهد فيها ٢٢ مجندًا، ومذبحة العريش الثالثة، فى فبراير ٢٠١٥، التى استهدفت الكتيبة ١٠١، واستشهد بها ٢٩ عنصرًا من القوات المسلحة، كما اشترك فى التدريب والتخطيط لعملية اقتحام الكتيبة العسكرية، إلا أن انحياز «بيت المقدس» لأبى بكر البغدادى ومبايعة «داعش» أغضب عشماوى الذى كان على ولائه للظواهرى والقاعدة فى الشمال الإفريقى فقرر الانفصال ثم ظهر بعد ذلك بكونه أميرًا لجماعة «المرابطون».
وبعد أن وقعت حادثة تفجير القنصلية الإيطالية ظهرت بصمات التنظيم بعد البحث عن خصوم إيطاليا من التنظيمات التكفيرية وطبيعة ارتباطاتها التنظيمية والجغرافية، فالمرجح هو قيام تنظيم «المرابطون» بتنفيذ العملية لأنه تنظيم ينشط فى شمال إفريقيا وليبيا على وجه الخصوص، ويتزعم فرعه المصرى هشام عشماوى.
المرابطون الأوائل
يحتل مسمى «المرابطون» حيزا فى عقل ووجدان الجماعات التكفيرية التى نشأت فى شمال إفريقيا منذ مطلع تسعينيات القرن الماضى فتلك التنظيمات اعتادت اجترار مصطلحات من دفاتر التاريخ الإسلامى لتعيد إطلاقها على كياناتها للإيحاء بأنهم خلفاء المسلمين الأوائل الذين استطاعوا فتح البلاد وإقامة دول لهم استمرت حينًا من الدهر ثم تلاشت.
فـ«المرابطون» جماعة نشأت فى أوائل القرن الحادى عشر الميلادى فى منطقة المغرب الإسلامى ثم تحولت إلى إمارة كونت جيشًا بقيادة عبدالله بن ياسين ويوسف بن تاشفين، استطاع هذا الجيش كسر ظهر الإسبان فى الأندلس فى معركة الزلاقة إلا أن أمراء «المرابطون» طمعوا فى حكم ملوك الطوائف وحكموا البلاد ما يقرب من الــ٤٠٠ عام.
ومن ثم فالجماعات التكفيرية فى شمال إفريقيا وحدها تحتكر مسمى «المرابطون» فتطلقها على كتائبها حينا أو على عملياتها أحيانا أخرى، ولذا عندما أطلق هشام عشماوى مسمى «المرابطون» على جماعته كان السؤال الأول هو: لماذا أطلق «عشماوى» هذا المسمى تحديدًا المرتبط بفصائل القاعدة فى الساحل الإفريقي؟
المعروف أن هناك جماعة أنشئت فى شمال مالى منتصف العام ٢٠١٣ أطلق عليها جماعة «المرابطون» كانت نتاج للاندماج بين جماعتين، الأولى هى «الملثمون» التى يتزعمها مختار بلمختار، والثانية هى جماعة «التوحيد والجهاد» فى غرب إفريقيا ويتزعمها أحمد التلمسى، إلا أن هذين الزعيمين قررا ألا يتولى أحدهما القيادة واتفقا فى بينهما على تولى المصرى أبوبكر المهاجر قيادة التنظيم الجديد.
قتل «المهاجر» ومن بعده «التلمسى» فى غارات جوية للطائرات الفرنسية على شمال مالى وجبال تغرغارت وبقيت الإمارة شاغرة حتى تولاها أبوالوليد الصحراوى، الذى لم يكن يحكم قبضته سوى على أحد أجنحة التنظيم هو جناح «التوحيد والجهاد»، وعندها ذهب ليعلن مبايعة جماعة «المرابطون» لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» فى تسجيل صوتى نشرته مؤسسة الاندلس.
ظهر مختار بلمختار بعد طول اختفاء ليعلن أن مبايعة الصحراوى لداعش لم يكن بموافقة مجلس الشورى وإنما كان بقرار منفرد وليجدد بلمختار ولاءه للقاعدة وأميرها أيمن الظواهرى.
فى هذه الأثناء كانت الخلافات قد احتدمت بين قادة وأمراء تنظيم أنصار بيت المقدس فى سيناء على إثر الخلاف الشهير بين القاعدة وداعش، فالاتجاه الأغلب فى التنظيم السيناوى كان قد حسم مبايعته لتنظيم الدولة وخليفته أبوبكر البغدادى، بينما تمسك قادة آخرون بضرورة التمسك بالولاء لتنظيم القاعدة، كان على رأسهم هشام عشماوى القائد العسكرى للتنظيم فى الوادى.
وبعد إشرافه على تنفيذ عملية الفرافرة والتى تبناها تنظيم «بيت المقدس» ووعد بإصدار فيديو يظهر المقاتلين أثناء الهجوم كان عشماوى قد قرر الانفصال عن التنظيم وتأسيس جماعة جديدة تحمل مسمى «المرابطون» مما أثنى التنظيم السيناوى عن نشر إصداره عن عملية الفرافرة بما أن منفذيها قد انشقوا عن التنظيم.
مسمى «المرابطون» الذى استنسخه عشماوى لم يكن مصادفة، فليس من المنطقى أن يتسمى تنظيمان تابعان للقاعدة فى قطاع جغرافى واحد «الشمال الإفريقى» بمسمى واحد، خاصة إذا أضفنا أن عشماوى نفسه انضم لتنظيم «المرابطون» بقيادة مختار بلمختار، بعد أن شارك فى الحرب ضد العقيد الليبى معمر القذافى، وقام بعمليات تدريب لعناصره، ثم قام بشن عملياته ضد الدولة المصرية منطلقًا من الحدود الغربية وبمساندة ميليشيات ليبية ذات صلات وطيدة بالقاعدة مثل ميليشيا راف الله السحاتى وأنصار الشريعة وغرفة الثوار.
لا شك أن إصدار عشماوى الأخير الذى أظهر فيه أيمن الظواهرى وهو يتحدث عن حرب اللسان والسنان انعكاس للصراع المكتوم بين القاعدة وداعش فى شمال إفريقيا، فعشماوى أراد أن يوجه ضربة لتنظيم داعش الذى استطاع فى فترة قصيرة شق عصا التنظيمات التابعة للقاعدة جميعها فبات يملك تنظيم جند الخلافة فى الجزائر وأنصار الدولة الإسلامية فى ليبيا والتوحيد الجهاد فى مالى وأنصار الخلافة فى تونس.