الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإخوان الإسرائيليون

الدكتور زياد الدريس
الدكتور زياد الدريس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما يجرى فى العالم العربى منذ مطلع العام ٢٠١١ حتى اليوم هو أمر مربك ومحير، بكل ما لهذه المفردة من معانٍ حقيقية لم نختبرها بمثل هذا العمق من قبل.
لم نعد قادرين على التفريق بين «الربيع» والخريف، ولا بين العدو والصديق، ولا بين الإصلاح والتخريب، ولا بين النقد والتحريض، ولا بين الوطنى والمرتزق. اختلط كل شيء، فلم نعد نميز بين من هو معنا ومن هو ضدنا.
لم ننسَ أن الأمة العربية مرت بفترات عصيبة إبان تكالب الدول الاستعمارية على تقاسم الكعكة العربية السائبة حينذاك، ثم أيضًا إثر دخولها فى حروب استنزافية مع القوى الغربية بسبب الاحتلال الإسرائيلى. لكن الإنسان العربى كان يعرف حينها من هو عدوه الخارجى المشترك مهما تفاقم الخلاف الداخلى. أما الآن، فإن اختلاط الأوراق والمفاهيم جعل النقاش والجدال مفتوحًا حول أيهما أشد عداءً: إيران أم إسرائيل، القوى الاستعمارية أم «الإخوان المسلمون»، الأنظمة الديكتاتورية أم التنظيمات المتطرفة؟!
مقارنات سياسية وأيديولوجية مربكة حقًا، لكن لا يمكن أحد أن يزعم خلوّها من الوجاهة أحيانًا ومن السفاهة أحيانًا أخرى!
تلك هى أعراض «حروب الهويات الصغرى» التى اشتعلت فى أثوابنا بعد أن انشغلنا، أو شُغلنا بها عن هوياتنا الكبرى التى عادةً ما تبنى عليها الأمم والدول علاقاتها وتحالفاتها.
سأشير هنا إلى مظهر واحد أساسى من هذه التحولات، وهو المساعى «الحميدة» لتحويل إسرائيل من عدو متفق عليه طوال سبعين عامًا، إلى صديق مُختلَف عليه مثل اختلافنا على بقية الأصدقاء!
تتولى الحكومة الإسرائيلية استغلال الظرف العربى السائب لتقوم بحملة علاقات عامة لإقناع أعدائها العرب بإمكان تحويل العلاقة العدائية المزمنة إلى علاقة صداقة نسبية بالمقارنة مع العداوات الأخرى المحيطة.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الشهر الماضى، إن إسرائيل تكافح مع الدول العربية «المعتدلة» وغيرها من الدول الأخرى، لاستئصال «الإرهاب الإسلامى». هل كان يُعقل، قبل زلزال عام ٢٠١١، أن يستقبل بعض وسائل الإعلام العربى والنخب العربية تصريحات «مجرم الحرب» نتنياهو بإيجابية وقابلية؟! وهل كان يمكن أن تنطلى علينا فكرة أن دولة إرهابية يمكن أن تساندنا حقًا فى مواجهة الإرهاب؟! نحن نكاد نعلن أننا مستعدون للتعاون حتى مع الشيطان من أجل القضاء على الإرهاب البغيض، لكن هل الشيطان مستعد حقًا وصدقًا للتعاون معنا؟!
أما عرّاب الحملة التجميلية لإسرائيل، فهو الضابط الإسرائيلى أفيخاى أدرعى، الذى لا يعمل مفوضًا لحقوق الإنسان فى إسرائيل ولا هو منسق حوار الأديان فى القدس ولا هو رئيس الكتلة العربية فى البرلمان الإسرائيلى بسبب أصوله العربية، بل هو الناطق باسم الجيش الإسرائيلى. أرأيتم إلى أى درجة بلغ التفاؤل الإسرائيلى بتعطل بوصلة الموقف العربي؟! لم تجد إسرائيل، إمعانًا فى السخرية من حالنا اليوم، أفضل من أن تنتدب الناطق باسم الجيش الإسرائيلى السفاح ليقوم بدور المفوّض لبناء الصداقة العربية الإسرائيلية!
يخرج هذا «الضابط الإسرائيلي» صباح كل يوم جمعة فى موقع «تويتر» ليقول للعرب والمسلمين: «نوّر الله جمعتكم وزادكم عافية واطمئنانا ووهبكم شفاعة حبيب الرحمن وألبسكم حلل الرضوان والغفران وأضاء قلوبكم بالتقوى والإيمان». وبعد ساعات من يوم الجمعة نفسه يكتب تغريدة أخرى «يبشّرنا» فيها بخبر عن الجيش الإسرائيلى بأن: «انضموا إلينا فى هذا الأسبوع مقاتلون ومقاتلات جدد… أهلًا وسهلًا بأسود ولبوءات جيش الدفاع الجدد». أى أنه فى اليوم نفسه الذى يدعو فيه بكل رقة أن ينوّر الله جُمعتنا، يرحب بكل وحشية بإظلام جُمعة شيوخ ونساء وأطفال فلسطين بأسود ولبوءات جيشه الجدد!
الضابط الإسرائيلى المخلص فى أداء دوره يوشك أن ينغمس فى التقارب فيتحول إلى يهودى مسلم (!)، إذ بات يفتتح صباحه بأدعية من المأثور الإسلامى، كقوله فى إحدى تغريداته: «اللهم إنى أسألك العفو والعافية فى الدنيا والآخرة … صباح الخير». ويقول فى أخرى: «اللهم إنى أسألك خير هذا اليوم فتحه وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده».
لم يبق أمام أفيخاى سوى تخصيص وقت من ظهوره فى «تويتر» لتفسير الأحلام وفتاوى الأسهم!
كنت سأقبل هذه التغريدات الإيمانية الرقيقة والمليئة بالتسامح الدينى لو أنها جاءت من يهودى، لكن أن تأتى من شخص ليس إسرائيليًا محتلًا فقط، بل هو المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى، فهذه بشاعة لا تفسير لها سوى المدى الذى وصلت إليه بشاعة وغموض ما يجرى فى عالمنا العربى الآن.
نقلاً عن الحياة اللندنية