الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمد الباز يكتب.. أنيس منصور: "السادات" كان مسمارًا بلا رأس

الرئيس قرّبه منه.. لكنه فشل فى أن يكون مؤرخًا لعصره

أنيس منصور والسادات
أنيس منصور والسادات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان مجرد درويشًا للرئيس يحكي ما جرى بينهما من قصص ونكات وقفشات ونميمة
نذر نفسه للهجوم على معارضى «السادات» وتورط فى تجريح «كفيله السياسي» دون أن يدرى فهو لا ينتمى لأحد أو لشىء ولا يركن إلي فكرة أو مشروع

قد يكون من السهل علىّ وعليك أن نفهم سر دفاع أنيس منصور عن السادات حتى اليوم الأخير من حياته، لكن ما رأيك لو حاولنا أن نتأمل الأمر قليلا.
هناك مفتاح مهم جدًا من المفاتيح التى لابد أن تلجأ إليها وأنت تتعامل مع أنيس منصور.
هذا المفتاح اسمه «اللامنتمى».
فى كتابه «معنى الكلام» يقول أنيس: اللامنتمى هو أهم كتب الأديب كولن ولسن الذى تزعّم وهو شاب صغير مدرسة «الأدباء الغاضبين» أو «الأدباء الساخطين»، وكان العقاد يسميهم « الأدباء الغضاب»، ولم يكنّ لهم احتراما كافيا، فالعقاد يرى أن الإنسان يجب أن يكون له موقف أو رأى، والهروب من المواقف ليس موقفا، تماما كاللاعب الذى كلما جاءته الكرة قذفها إلى خارج الملعب، فليس لاعبا وإنما هو عابث، وغالبا يلعنه الجمهور ويطرده الحكم.
أبدى أنيس فى أكثر من مقال إعجابه بفكرة اللامنتمى، وأوحى هو أنه لا ينتمى لأحد ولا لشىء، وربما يفسر هذا إنتاجه الغزير فى كل وأى شىء، فهو لا يركن إلى فكرة، ولا يرتاح فى محراب مشروع، يتنقل بين الأشخاص والأفكار والبلاد، يمر عليها مرور الكرام، دون أن يدافع عن شىء، أو يتبنى قضية، وربما كان هذا تحديدا وراء كونه ليس أكثر من كيان هلامى، لا تستطيع أن تحدد له شخصية بعينها، فأنيس منصور كل شىء، وفى الوقت نفسه لا شىء على الإطلاق.

لماذا اعترض هذا المفتاح طريقنا ونحن نتحدث عن علاقة السادات بأنيس منصور؟
الإجابة ببساطة، لأن السادات تقريبًا هو الوحيد الذى كسر عند أنيس هذه القاعدة، فالكاتب ينتمى للرئيس تمامًا.
ولذلك لا تتعجب عندما تقرأ فى نفس الكتاب «معنى الكلام» مقالا بعنوان «أنا حارس لأنور السادات»، يكشف فيه أنيس أنه فى أحيان قليلة كان السادات يقارن بينه وبين الرئيس عبدالناصر، كان يشفق عليه من أنه كان محاطا بالذين يلهبون أعصابه، بالأخبار السيئة أو التليفونات، وكان عبدالناصر يصرف عن نفسه بشرب القهوة، وبعد ذلك بالمنومات، وطبيعى بعد ذلك أن ينهد حيله، وهذا ما أصابه بالسكر البرونزى الذى يجعل لونه نحاسيا قاتما، ثم أصيب بمرض «بيرجر» وهو نوع من تخثر شعيرات الدم فى الساقين، وهو المرض الذى ظل عبدالناصر يتألم بسببه ألما مبرحا حتى مات.
ويضيف أنيس الذى حاول أن يرسم للسادات صورة مختلفة ومغايرة تماما لصورة عبدالناصر، يقول: كانت للسادات صفة من النادر أن تتوافر إلا لعدد قليل من العظماء، النوم بسهولة، وقوة الذاكرة، والإحساس بدوره التاريخى، فلا يجد السادات صعوبة فى النوم، ثم إن ذاكرته كانت نموذجية وهو يعلم تماما ماذا سيحتله من تاريخ مصر والأمة العربية، هو لم يغفل لحظة عن هذا الدور، ولم يكن عنده استعداد لأن يغفل أو يغفله أحد، فكثيرا جدا ما يحسم قضايا هكذا، ليس أنور السادات، وإنما هى مصر... مصر أولًا.
وينقل أنيس عن السادات ما يقوله وهو يضحك: أنا عندى إحساس أننى عسكرى واقف على بيت أنور السادات أحرسه لا من أجل أولاده، وإنما من أجل مصر، وليس كل دوره ولا رسالته فى الحياة أنه زوج أو أب أو أخ، أبدا أبدا، أنا اختارنى التاريخ لكى أكون حارسا لواحد يحرس مصر اسمه أنور السادات.
اعتقدت أنت فى البداية أن أنيس يقصد نفسه بأنه كان حارسا للسادات، بينما هو ينقل ما قاله السادات واصفا حاله، لكن ما لم يصرح به أنيس هو أنه كان حتى وفاته حارسا أمينا لكل ما يتعلق بالرئيس السادات.
فى كتابه «فى انتظار المعجزة» مقال عنوانه «إنه السادات».. يعلن فيه غضبه بسبب أن أحدا لم يحتفل بمرور ثمانين عاما على ميلاد السادات المولود فى ١٩١٨، ومن جانب خفى يهاجم من يأخذون موقفا من السادات.
يقول: «إذا ظهرت صورة السادات فهمنا فورا أن هذه الصورة هى اللحن المميز للدجل والدعارة والشطارة والانفتاح والانفساخ والتفسخ والاستنساخ فى الحياة الاجتماعية والتجارية والصناعية، والدعارة السياسية كل ذلك من صنع السادات».
ويقول: «وفى السياسة هو الذى قاد العمالة والخيانة والتصفوية للقضية الفلسطينية، وهو الذى أحرج سوريا التى ترددت فى إعدام السادات عندما زارها قبل زيارة القدس التاريخية».
ويقول: «ويوم اغتيل السادات زلزل صوت أم كلثوم الضفة والقطاع وهى تشدو «افرح يا قلبى»، ورقص الرئيس القذافى مع أغنية أم كلثوم أيضا: يل ليلة العيد آنستينا».
ويقول: «وأبوعمار الذى دعاه السادات ليعلن الدولة الفلسطينية من القاهرة، وتكون مصر أول من يعترف بها اتهم السادات ببيع القضية، وبدلا من أن يكون أبوعمار رئيسا لدولة أسعده أن يكون رئيسا لنقطة أو مأمور مركز».
يعدد أنيس ذلك كله، ليخلص منه إلى أنه إذا كان دراويش الناصرية الرسميون يرون أن السادات قد أجرم وعوقب على ذلك باغتياله، فسوف يجىء وقت نمحو فيه هذه المسلسلات المهينة، كما مسحت تسجيلات طه حسين والعقاد وعبدالرحمن الرافعى، لنسجل عليها خطب عبدالناصر، فمهاويس الشاشة ليسوا مخلدين فى مواقعهم، وسوف يلقون عقابا، وسوف تنفتح ملفاتهم، وسوف يغرقهم العار بقدر الكذب الذى يكممون به أفواه الملايين من الساخطين المتعجلين لنهاية كل شىء».
نذر أنيس منصور نفسه تقريبا للدفاع عن السادات، وفى الوقت الذى كان يتهم فيه من يدافعون عن عبدالناصر بأنهم دراويش الناصرية، نسى أنه هو نفسه تحول إلى أكبر درويش من دراويش السادات، وهذه قصة طويلة.
ولم يكن فى الأمر أى مصادفة، فقد استأمن السادات أنيس على مذكراته، صحيح أنه أصدر كتابه «البحث عن الذات» مضمنا إياه سيرته الذاتية، لكنها كانت أقرب إلى السيرة الأدبية، لكنه عندما جلس إلى أنيس منحه أسراره السياسية، امتدت الجلسات بينهما، وكان السادات يتحدث بصراحة مطلقة.
استغرقت إحدى الجلسات بين السادات وأنيس منصور ١٨ ساعة كاملة، خلالها دخلت عليهما السيدة جيهان السادات أكثر من مرة ولم يلتفت لها الرئيس، وفى تلك الليلة استخدم السادات تقريبا كل الأشرطة التى سجل عليها الموسيقى والأغانى وطلب المزيد، فراح مسئولو الرئاسة يجوبون شوارع الكورنيش فى الإسكندرية يبحثون عن أشرطة جديدة.
كانت مهمة أنيس منصور هى إعادة صياغة ما أملاه عليه الرئيس والتحقق من التواريخ.
المفاجأة أن أنيس منصور اقترح لمذكرات السادات عنوانا خبيثا بعض الشىء، كان «الجليد لا يذوب بين موسكو والقاهرة»، ولكن السادات قال له: ولكننا نريده أن يذوب، ولن تنقطع صلتنا بروسيا، بل نريدها أن تكون فى أحسن حال.
أما لماذا اختار السادات أنيس منصور تحديدا؟
أعتقد أن الأمر يتعلق برئاسة أنيس منصور لتحرير مجلة أكتوبر، المجلة التى أراد السادات أن تكون مجلته المعبرة عنه، ويكفى أنها حملت اسم أكتوبر الشهر الذى يرتبط بانتصاره الذى منحه شرعية الحكم كقائد منتصر، وليس لأنه خليفة لعبدالناصر فقط.
ما يؤكد ذلك أنه قبل أن تصدر مجلة «أكتوبر» وبعد أن اطلع الرئيس السادات على الأعداد التجريبية أرسل إلى أنيس منصور رسالة كان هذا نصها «لقد راجعتها (يقصد بروفات الأعداد التى اطلع عليها من مجلة أكتوبر) وأجريت التصحيحات اللازمة مع استخدام أسلوبنا الصحفى فى أول السطر وغيره، ولكننى أريدك أن تراجعها بنفسك فقد تكون هناك مواقف تحتاج لإبرازها إلى استعمال الفن الصحفى ولا أدعى اليوم أننى صحفى، مع تحياتى... والتوقيع أنور السادات».
اقترح أنيس أن يجمع مذكرات السادات فى كتاب عن حياة الرئيس والسياسة، لكن السادات رفض تماما، وقال له، إن هذه المذكرات هدية منه لمجلة أكتوبر، لتنفرد بها دون كل المجلات والصحف، ولأن السادات كان يعنى ما يقول، فقد أصر على ألا تنشر هذه المذكرات أى صحيفة أخرى حتى لو أرادت أن تشتريها، وقد طلبت بعض دور النشر من أنيس منصور أن تشترى هذه المذكرات قبل نشرها فى مجلة أكتوبر فرفض.
■ ■ ■
صحيح أن السادات لم يمنح أنيس منصور فرصة أن يكون هيكل عصره، لكن على الأقل منحه فرصة أن يكون قريبا منه، وهى الفرصة التى حاول أنيس أن يستغلها إلى أبعد مدى، لكنه لم ينجح فيما نجح فيه هيكل، الذى فى واحدة من محطاته، يمكن أن نعتبره مؤرخ عصر عبدالناصر، أما أنيس فكان مجرد حكاء لما جرى بينه وبين الرئيس، من قصص ونكات وقفشات ونميمة أيضا.
هل تريدون دليلا على ما جرى.
■ ■ ■
فى كتابه «وأنا اخترت القراءة»، وتحت عنوان «السادات» يروى أنيس أن الرئيس السادات قد طلب من الموسيقار محمد عبدالوهاب تأليف موسيقى النشيد الوطنى، ومن ذكاء محمد عبدالوهاب أن ألف النشيد الوطنى وجعله على ثلاث سرعات، وجاء به إلى القناطر الخيرية، وسألنا: ما رأيكم؟
عبدالوهاب قال: أنا جعلته من ثلاث سرعات، بطىء وأقل بطئا وسريع، وأنت صاحب القرار يا ريس، وسأل أنيس فاختار الأقل بطئا، ولكن السادات قال: لا بل البطىء، لأننا لا نريد إثارة ولا عبثا بأعصاب الناس، نحن نريد السلام.
وفى كتابه «الكبار يضحكون أيضا» يروى أنيس أنه عندما انتهت مدة خدمة ساسون سفير إسرائيل فى مصر أصدر كتابا شاعريا بديعا عن ذكرياته فى مصر، قال فيه إن بيته فى المعادى كان قريبا من المكان الذى عثرت فيه ابنة فرعون على التابوت الذى كان به نبى الله موسى عليه السلام، وهو أيضا اسمه موسى ساسون، وعندما قدم ساسون أوراق اعتماده للرئيس السادات، ضحك الرئيس لدرجة أذهلت السفير المتحمس جدا لوظيفته فى مصر ودوره فى تدعيم العلاقات بين البلدين، والذى حدث هو أن السفير الإسرائيلى قال فى كلمته: يا سيدى الرئيس إن أرياح السلام تهب علينا ويغمرنا شذاها وعطرها، فبادره السادات بقوله: يا ساسون الأرياح دى كلمة لها معنى كريه عندنا فى مصر.
مئات إن لم يكن آلاف الحكايات يمكن أن تعثر عليها فى مقالات وكتب أنيس منصور عن السادات، لا تستطيع أن تكون منها تاريخا واضحا للرئيس الذى لازمه الكاتب كظله لسنوات طويلة، لكنك ستلمس فقط محاولات مستميتة للدفاع عنه، وهو الدفاع الذى لا يكتمل إلا بالهجوم على عبدالناصر.
لا دليل عندى إلا ما فعله أنيس فى كتابه الأخير، وقد تكون الأقدار هى التى اختارت له ذلك، أن يكون آخر كتاب له عن كفيله السياسى، فصدر «من أوراق السادات» فى العام ٢٠١٠، عن دار المعارف.
لم يكن الكتاب مذكرات السادات فقط، ولكنه كان انتقاما من كل خصومه، ولأن خصوم السادات هم خصوم أنيس، فقد كانت ضربة الثأر مزدوجة، وهذا بعض ما تيسر من سيرة الخصوم وتشويههم أيضا.
من بين الأسرار الكثيرة التى كشفها السادات فى مذكراته، سر يخص الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، ورأى قاله فى السيد سامى شرف، وقد أردت أن أركز عليهما على وجه التحديد، لأنهما لا يزالان على قيد الحياة، ويمكن لهما أن يردا على ما جاء فى هذه المذكرات، التى تركها أنيس ومضى.
محاكمة هيكل بتهمة خيانة عبدالناصر
يقول السادات بقلم أنيس: فى ذكرى أربعين عبدالناصر كتب هيكل فى جريدة الأهرام مقاله «جمال عبدالناصر ليس أسطورة»، وقد اعتبره لبيب شقير، عضو اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى، نوعا من الخيانة العظمى، وقد ترافع لبيب شقير بمنتهى الفصاحة والبلاغة، وكان الغرض واضحا أمامى أن مركز القوة الثانى: شعراوى جمعة وسامى شرف وعلى صبرى يريدون التخلص من مركز القوة الأول محمد حسنين هيكل، وأن هذه هى الفرصة المواتية، وقد أجمعوا آراءهم على ذلك فإذا ما اتخذ قرار ضده فى اللجنة المركزية تكون الأغلبية له، وبذلك ينتهى مركز القوة الأول الذى لم يستطيعوا التغلب عليه فى حياة عبدالناصر.
كان هذا هو هدفهم الأول، أما الهدف الثانى فقد أرادوا أن ينتهزوا هذه الفرصة ليؤكدوا لى أنهم مصدر السلطة فى صدور القرارات، لأن لهم الأغلبية، وعليه فإذا أردت أن أتخذ قرارا فلابد أن أرجع إليهم، أى لا رأى لى ولا قرار.
وانتهزتها فرصة لكى أؤكد أسلوبى فى الحكم أو فى التفاهم مع الآخرين، المواجهة، أى لابد أن يتواجه الجميع مع ذلك الصحفى الذى أدانوه، ولابد أن يدافع عن نفسه.
فتحت باب المناقشة، ولاحظت أن هناك ترتيبا أو اتفاقا بين الجميع، ولكن لا أعرف مضمون الاتفاق أو تفاصيله، وأجمع الحاضرون على الهجوم على صاحب المقال، المعتدلون هاجموه وأدانوه وطلبوا ألا تذاع أسرار هذه الجلسة، والمتطرفون أيضا وهذا أمر طبيعى، إلا الدكتور محمود فوزى فقد كان معتدلا، وكان الغرض أن يتخلص مركز القوة الأول من مركز القوة الثانى، وانتصر عليهم فى أكثر من معركة أيام عبدالناصر، بل إنهم أعدوا محاميا شابا ليكون رئيس تحرير الأهرام بدلا منه.
قلت: أحب أن أقول للجنة العليا إننى لا أحكم على أحد قبل مواجهته، أى لابد من أن نواجهه لكى يتمكن من الدفاع عن نفسه، ورفعت الجلسة، وأدى ذلك إلى ارتباك مركز القوة هذا، فلم يكن فى الحساب ألا يتخذ قرار أو على الأصح ألا يفرضوا قرارهم علىّ.
وفى الجلسة التالية فوجئ أعضاء اللجنة العليا وأنا أضغط على زر الجرس وأطلب رئيس تحرير الأهرام، فقد أبلغ بضرورة الحضور إلى اللجنة، ولذلك كان موجودا فى مبنى الاتحاد الاشتراكى وأدخلوه، وجلس على الطرف الآخر من الترابيزة، كنت على رأسها والأعضاء على الجانبين فجلس فى مواجهتى وتكلمت وقلت: يا دكتور لبيب شقير أعد ما سبق أن قلته فى الجلسة الماضية عن المقال الذى نشر فى الأهرام.
أما الذى حدث فهو أن لبيب شقير لم يعرف ماذا يقول، راحت الفصاحة والبيان، وقد حاول أول الأمر أن يوجه أسئلته إلى كاتب المقال، فرفضت هذه الصورة وقلت: ليس المطلوب هو أن تناقشه، وإنما أن تعيد على مسامعه ما قلته للجنة، أما الأسئلة فسوف تتولى اللجنة العليا توجيهها إليه.
وقال كلاما مفككا ولم ترد فيه كلمة الخيانة، وطلبت إلى كاتب المقال أن يدافع عن نفسه، فأخرج المقال من جيبه وراح يناقش فقراته طويلا، وانتهى بأن قال: إنه كان أقرب واحد إلى جمال عبدالناصر، وطلبت إليه أن يخرج بعد أن دافع عن نفسه، ونزل إلى مكتب سامى شرف فى الدور الأسفل ليسمع بقية المناقشة وقد كانت الجلسة مسجلة، ولم أفهم كيف سمح له سامى شرف أن يتابع بقية المناقشة.
قلت لأعضاء اللجنة العليا: لقد سمعنا رأى رئيس التحرير ورأى لبيب شقير، أحب أن أسمع آراءكم، فلم يعلق أحد بشىء، وكان واضحا أن مركز القوة الأول خسر معركته مع مركز القوة الثانى، وقد علمت بعد ذلك كيف عنف ضياء الدين داود صديقه لبيب شقير، وأنا أرى أنه ليس من الواجب أن نندفع إلى اتهام أحد بالخيانة دون بينة، أو دون محاكمة حتى لا يتشكك الشعب فى آرائنا أو فى الوزن الحقيقى لهذه الهيئة رفيعة الشأن وهى الاتحاد الاشتراكى.
السادات: سامى شرف كالأطفال التى لم يتم فطامها بعدبعد أن استقر السادات على تعيين ممدوح سالم وزيرا للداخلية خلفا لشعراوى جمعة، أراد أن يبلغ القرار لشعراوى ولم يكن أمامه إلا سامى شرف.. يحكى السادات لأنيس منصور تفاصيل ما جرى يقول: طلبت سامى شرف وجاءنى وقلت له: يا سامى، فقال: نعم، قلت: اذهب إلى شعراوى جمعة، وأنا أعرف أن شعراوى جمعة وسامى شرف شىء واحد، وأن شعراوى هو الزعيم وليس على صبرى، فهو الذى يريد أن يستأثر بكل شىء وحده، وأعلم أن على صبرى مكروه من الناس ١٠٠٪، ثم قلت لسامى: قل لشعراوى جمعة باعتبارك وزيرا لشئون الرئاسة.. يا شعراوى مع السلامة وأكرم لك أن تجعلها استقالة بدلا من أن تكون إقالة.
انهار سامى شرف، وسامى شرف يعلم جيدا أنه إنسان محدود، وأنه لا يستطيع أن يكون فى المقدمة، وإنما لابد أن يعيش فى ظل أحد، أى أن يكون الرجل الثانى أو الظل لأى أحد، وامتقع وجه سامى شرف، وقلت يا سامى القرار صدر، وأخذ سامى شرف يبكى ويقول: يا أفندم القرار.. يا أفندم انتظر.
ويكمل السادات: إنه صورة من الغباء، ولكن اكتشفت أنهم أيضا وربما مرة واحدة فقط التى أثبتوا فيها أنهم على درجة من الذكاء، هذه المرة عندما طلبت من سكرتيرى فوزى عبدالحافظ استدعاء ممدوح سالم، وكانت تليفوناتى مراقبة، فاجتمعوا ووصلوا فى استنتاجهم إلى احتمال أن يجىء ممدوح سالم وزيرا للداخلية، وكان ذلك الاستنتاج صحيحا، ولكنهم مع ذلك استبعدوا أن أقدر على خلع شعراوى جمعة، فقد حالفهم الذكاء فى الاستنتاج وخانهم الذكاء عندما شككوا فى قدرتى على الإطاحة بشعراوى أو غيره.
وأحسست أن حاستى لم تخنى وأنا أعتمد على حاستى السادسة فى الحكم على الرجال، وتصورت أن سامى شرف هذا قد انهار لأنه مرتبط بشعراوى جمعة، ولكنه من الممكن أن يرتبط بأى إنسان آخر، لأنه لا يستطيع أن يقف على رجليه، فهو كالأطفال التى لم يتم فطامها بعد، وقد صدق حدسى، فلما سألنى وأنا أين أذهب؟ قلت: كما أنت.
■ ■ ■
تفنن أنيس منصور فى تجريح خصومه وخصوم السادات، لكنه فى النهاية لم يستطع أن يمنع نفسه من تجريح الرجل الوحيد الذى انتمى له، فقد كان يرى أن السادات كان الضابط الوحيد الذى احتفظ بموقعه بجوار عبدالناصر، لأنه عاش مثل مسمار بلا رأس، فالمسمار الذى بلا رأس يصعب خلعه.
ألم أقل لكم إنه «لا منتمى».