الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

عشش السودان.. الإصرار على العشوائية تحت شعار "اتعودنا".. الأهالي يشكون البرد والموت صعقًا بالكهرباء ومياه المطر ويرفضون شقق الحكومة في آن واحد.. وآخرون: نرفض صدقة البهوات ولن نترك بيوتنا

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عشش السودان.. عندما يستمع الكثيرون لتلك الكلمات قد يعتبرونها مكانًا مهجورًا، أو كما تظهر في الأفلام وكرًا للمخدرات بعيدًا عن العمران، ولكن الحقيقة تقول إن عشش السودان هي تلك المنطقة الواقعة بالقرب من كوبري همفرس المؤدي إلى بولاق الدكرور من ناحية شارع السودان بالدقي، تلك المنطقة التي عانى أهلها كثيرًا في الشتاء من موت العديد منهم بسبب البرد وصعق الكهرباء بسبب مياه المطر، والغريب أن نفس الأشخاص رفضوا الانتقال إلى الشقق التي حددتها المحافظة كبدائل للعشش غير الآدمية التي يعيشون فيها – على حد وصف كل من رآها- خاصة مع شكواهم في كل شتاء مما يحدث لهم، والحالة المزرية التي تناسب الإنسان في العصور الوسطى، فالحياة كرامة أولًا.
بدأت فصول القصة بعزم محافظة الجيزة هدم كل العشش في محاولة لتحسين أوضاع أهالي المنطقة، والمحافظة على الشكل العام للمنطقة، وتسليمهم شققًا كبديل آدمي لهم، في الوقت الذي أكد فيه اللواء علاء الهراس نائب محافظ الجيزة لشئون الأحياء قيام مجموعة من أهالي منطقة عشش السودان بالدقى بالاعتراض على إخلاء العشش التي يسكنون فيها وتسليمهم الوحدات التي انتهت المحافظة من تجهيزها لهم ضمن مشروع تطوير منطقة عشش السودان.
وأضاف الهراس، في تصريحات صحفية، أن أهالي المنطقة قاموا بإلقاء الحجارة وفوارغ الزجاج على المسئولين من محافظة الجيزة ورفضوا استلام الشقق وتسليم العشش التي يقطنونها، مطالبين بتوفير وحدات سكنية لأبنائهم وذويهم.
وقال نائب المحافظ: "أبناؤهم وقت الحصر كانوا أطفالًا والآن يطالبون بشقق ليتزوجوا فيها، وإلا امتنعوا عن الخروج، وهناك من حصل على 7 وحدات سكنية ويطالب بالمزيد".
وأضاف نائب المحافظ أن قوات الأمن ستقوم بالتعامل مع أهالي المنطقة ودراسة كيفية إخلاء العشش التي حصل أصحابها على وحدات سكنية لإقامة المرحلة الثالثة على أرضها، مشيرًا إلى أن هجوم الأهالي على المسئولين أدى إلى إصابة عدد منهم بالحجارة ومنهم مقاول المشروع.
وكانت "البوابة نيوز" قد التقت الأهالي بالمنطقة بتاريخ 15-12-2013، وقال وقتها محمد عواد، أحد سكان المنطقة: أنا ولدت هنا، وأبي وجدي يعيشان هنا، حياتي عادية، لأني ليس لدى أي بديل، فأنا هنا أعيش وسط الطين والعشش منذ طفولتي، وبالتالي فالعيشة هنا "عادي" والمنطقة ملكنا، ولو لم تساوي الحكومة بيننا وبين الذين استلموا العقارات، سنبني هنا، ولن نخرج أبدًا.
وقال فهد السوام، نحن هنا منذ 40 عامًا، وبالتالي المطر والبرد لا يشكلان أي عائق لنا، ولكن المشكلة الكبرى في الأطفال والشيوخ، فهم لا يتحملون البرد، وللأسف تسقط المياه على الأسقف لتجعل من البيوت كلها شحنة من الكهرباء، وبالتالي دائمًا ما يتعرض الأطفال خاصة لـ"صعقة الكهرباء"، لكن البرد والمطر لا يؤثر فينا لأن "جتتنا أخدت على كده" على حد قوله.


والآن، وبعد ما وصل الأمر إلى حد حرب الشوارع بين الأهالي وقوات الأمن التي تنفذ قرار إزالة العشش، تقوم محافظة الجيزة وبالتعاون مع وزارة التطوير الحضرى والعشوائيات، بتسليم المرحلة الثانية وقبل الأخيرة من مشروع تطوير منطقة عشش شارع السودان بالدقى.
وقال الدكتور خالد زكريا العادلي محافظ الجيزة، في تصريحات صحفية له اليوم الخميس عقب اجتماعه باللجنة المعنية بالمشروع، إن هذه المرحلة تستوعب 75 وحدة سكنية، مؤكدًا أن المحافظة لن تدخر جهدًا من شأنه تحقيق رغبات وطموحات أهالي المحافظة في ظل الإمكانيات المتاحة.
وأضاف أن تكلفة هذه المرحلة تصل إلى 7 ملايين جنيه قامت وزارة التطوير الحضرى بتقديم الدعم المادى لها وأن الوحدات كاملة التشطيب، لافتًا إلى أن مساحة كل وحدة نحو 45 م2 م وأنه تم الانتهاء من حصر المستحقين لهذه الوحدات ووفقًا للضوابط والشروط المعمول بها.
وأكد المحافظ أن المشروع يأتى في إطار سعى المحافظة لتحسين أوضاع المقيمين بهذه العشش من خلال الإقامة في وحدات سكنية تليق بحياتهم الآدمية.
وأضاف أنه سيتم البدء في إقامة المرحلة الثالثة وتضم عمارتين تستوعبان 40 وحدة سكنية، ليكون بذلك قد تم الانتهاء من تسكين كل المقيمين بعشش شارع السودان في وحدات سكنية جديدة.
وكانت محافظة الجيزة قد سلمت قبل ذلك المرحلة الأولى من المشروع بعدد 30 وحدة سكنية.
ويتبقى السؤال الأهم.. أين ذهب أهالي عشش السودان المعترضون على استلام الشقق أو حتى الرافضون لها.. "البوابة نيوز" تجيب عن هذا السؤال والتقت بعدد من الأهالي..


بداية اللقاء مع أم علاء، التي لها من الأولاد محمود وشيماء وكمال ومندور ونورا، والتي تقول: ليست أول مرة تأتي الحكومة ويتحدثون إلينا عن ترك العشش، والانتقال إلى العمارات الجديدة، ولكن بنظرة سريعة على العمارات، كلها غرفتين وصالة، كيف أسكن أنا وزوجي وأولادى بخلاف ولدين من زوجته الأولى، في غرفتين وصالة، فعلى الأقل العشش كانت تسمح لنا باستمرار أن نتوسع، فالأرض موجودة والأولاد عايزين مكان يناموا فيه، ولكن الشقق لن تسمح بذلك.
وتتحدث عن مكانها التي انتقلت إليه: أنا لن أدخل تلك الشقق، وها نحن نقيم أمام العمارات التي حددها البهوات، فنحن غلابة لا نستطيع أن نتفوه بكلمة، والضباط واقفين من يوم الهدم، لكن دخول الشقق مش داخلين.
ويقول محمود السمري، أحد سكان العشش منذ 44 سنة: أنا هنا منذ أن كانت في المنطقة ثلاث عشش، وكنا عايشين والحياة هادئة، ما الجديد في الموضوع، هل فجأة تذكرنا البهوات، كل سنة يموت منا نحو اثنين أو ثلاثة من البرد أو حتى الصعق الكهربائي، هل فجأة قرر البهوات أن يتذكروا أننا بني آدمين مثلهم، أنا رافض لذلك ولن أترك العشش، وأنا ذاهب إلى إمبابة لعمل عشة وأسكن فيها أنا وأولادي الثلاثة وزوجتي وزوجة ابني الكبير، فأنا أرفض صدقة البهوات، ولو على صحتي وحقي أنا مسئول عنها.
ويقول النقيب م.ك، أحد الضباط المتواجدين بالمنطقة: قوات الأمن حاولت فقط إخلاء المنطقة بناء على التعليمات والمهام الموكلة إلينا، وكل ما حدث بيننا وبين الأهالي بسبب أنهم يعتقدون أننا هنا للاعتداء عليهم، ولكننا في حقيقة الأمر ننفذ التعليمات، وعندما ارتفع صوت العنف، ردينا بما يسمح بحفظ الأمن والحفاظ على الأرواح في نفس الوقت، ويشهد الجميع أنه لم يسقط شخص واحد مصاب أو حتى مجروح الظفر.