السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سبتمبر الأسود "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلما هبت نسائم الخريف وأتى سبتمبر (أيلول) وهو يختبئ وراء الأشجار اليابسة التى سقطت أوراقها، فيظهر أمامنا بوجهه الخجول العبوس إذ يرتبط دوما بذكريات الاحتلال والنكبات والفتن والموت، ولا أدرى لماذا يصر على المجىء كل عام، لكى يذكرنا بما جلبه إلينا عبر مئات السنين من بؤس وشقاء، فحين تلمح العيون اسمه على النتائج والأجندات تتداعى لحظات سقوط الوطن فى قبضة الاحتلال الإنجليزى فى ١٨٨٢ وتختلط بمشاعر الحزن على فراق عبدالناصر فى ٧٠ وبالتألم على قتل العربى لأخيه فى أيلول الأسود، وبالمرارة على ما حدث فى سبتمبر ٨١ حين وضع الرئيس الراحل أنور السادات كل معارضيه فى السجن ورغم أن ثورة ٥٢ حاولت جاهدة أن تغسل وجه هذا الشهر، وأن تجمله بعيد الفلاح الذى يواكب الثورة العرابية، إلا أن الحقيقة التى ستظل ثابتة هى فشل عرابى فى تحقيق مآربه، ولنبدأ القصة من بدايتها، ففى يوم الخميس الموافق ٢٦ يونيو ١٨٧٩ تولى محمد توفيق حكم مصر خلفًا لأبيه إسماعيل الذى أجبر على الاستقالة بقرار من الدول الدائنة بعدما قرر إقصاء الوزراء الأجانب من حكومة شريف باشا، وبالفعل رحل إسماعيل على متن المحروسة التى رحل على متنها فاروق فيما بعد فى ٢٦ يوليو ٥٢، واختار إسماعيل إيطاليا مقرا له تماما كما اختارها فاروق فيما بعد، المهم أن توفيق استلم حكم مصر، وهو كما يقول عبدالرحمن الرافعى عنه (ضعيف الرأى، متردد، قليل الشجاعة والحزم، وكان همه الأول طوال عهده النزول على إرادة الدول الأوروبية، ولم يكن مؤمنًا بالنظام الدستورى) وقد اتخذ توفيق مجموعة من القرارات التى أثرت على شعبيته حيث أقال الوزارة الوطنية التى يرأسها شريف باشا وألف وزارة أخرى برئاسة مصطفى رياض، والذى عين بدوره عثمان رفقى وزيرا للحربية، وهو لمن لا يعرف كان قائدا شركسيا متعصبا لجنسه ومتحيزا للضباط الأتراك ويؤثرهم على الوطنيين، بل وكان يعامل أى ضابط مصرى بعين الاحتقار والبغض، ومن هنا تكون جنين الثورة، وبدأ يأخذ شكله حين التف بعض الجنود والضباط من المصريين الشرفاء حول قائد مصرى بث فيهم روح الشجاعة والتضامن والمطالبة بالحقوق، وجاءت لحظة المخاض حين تقدم هذا الرجل الصفوف لعرض مطالب الجيش على توفيق، وهذا الرجل الذى حمل لواء الثورة هو الفلاح الثائر أحمد عرابى المحمل بآهات الفقراء الذين شاع فيهم ضرب الكرباج فى عهد توفيق، فكتب عرابى مذكرة احتجاج ورفعها إلى توفيق فتم على الفور اعتقاله مع اثنين من الضباط الكبار، ولما علم أفراد الجيش من الموالين لهم بأمر اعتقالهم ذهبوا إلى سكنات قصر النيل وهجموا عليها، وأطلقوا سراح عرابى ومن معه بالقوة، وسار عرابى وجنوده إلى ميدان عابدين لتشتعل نيران الثورة العرابية، فيوافق توفيق مضطرا إلى عزل عثمان رفقى وتعيين محمود سامى البارودى وزيرا للحربية، ولكن الأمور لم تسر إلى الأفضل بل كان الهدف هو وأد الثورة فقط، عندئذ عاد عرابى وصحبه إلى ميدان عابدين وخرج إليه توفيق الذى كان يظن أن خروجه سيؤدى إلى نهاية التمرد كما أسماه، وأن له من الهيبة ما يستطيع به أن يسكت عرابى، وحدثت المواجهة التى سجلتها كتب التاريخ حين قال الخديو: كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، أنا خديو البلد وأعمل زى ما أنا عاوز، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائى وأجدادى وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا، فرد عرابى بثقة: لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذى لا إله إلا هو أننا لا نورث ولن نستعبد بعد اليوم وهتف الناس باسم عرابى وسقطت وزارة رياض وعاد شريف باشا ليؤلف وزارة وطنية، وأبلغت إنجلترا الخديو بمخاوفها من الوضع الداخلى فى مصر، وطلبت منه تغيير الوزارة وإقالة البارودى ونفى عرابى، وفى هذا الوقت وقعت فتنة عظيمة فى الإسكندرية بين رجل من مالطة وبين تاجر مصرى.. وللحديث بقية.