الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قباب المساجد.. وقبة البرلمان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى إطار صعود وهبوط «نغمات» المصالحة تدور، بعيدًا عن صراعات الأحزاب المدنية، مفاوضات أو تحالفات بين الأحزاب الدينية تفتح أبواب البرلمان أمام عناصر جماعة الإخوان، مهما تنوعت المسميات..أفرادًا، مستقلين..ضمن قائمة حزب النور أو باقى الأحزاب السلفية. 
المهم تشكيل كتلة دينية إسلامية داخل مجلس الشعب مع انشغال الأحزاب المدنية فى صراعاتها الداخلية.
الأمر المؤكد أن الانتخابات القادمة ستحظى باهتمام «خاص» ـ قد يصل إلى درجة الترصد ـ من وسائل الإعلام والمنظمات المدنية فى دول أوروبا وأمريكا التى لن تتأخر فى تصدير أى شائبة للعالم كذريعة للطعن فى شفافية الانتخابات.
حزب النور السلفى لا يبدو بحاجة لمن يكشف التناقضات التى يقع فيها حول إثبات هويته.. إذ تقوم قياداته بهذه المهمة على أكمل وجه، يطرحون أنفسهم فى المعادلة السياسية التى ظهرت بعد ثورة ٢٥ يناير كحزب دينى.. ثم يعودون إلى ارتداء «الثوب المدني» بعد ثورة ٣٠ يونيو للالتفاف على القوانين التى تنص على عدم جواز قيام الأحزاب على أساس دينى.. فى المقابل تصدر التأكيدات عن أعضاء الحزب ومتحدثه الرسمى التى تؤكد أن مرجعية حزب النور هى الشريعة الإسلامية، بما لا يخالف شرع التواصل مع الإدارة الأمريكية بصفتهم الحزبية، علما بأن التواصل قد يكون مبررا فى حالة كون أى من قادتهم فى موقع حكومى أو رسمى يتطلب هذا التواصل، بالتأكيد أى ناخب حسن النية سيعجز فى العثور على إطار سياسى يحدد ملامح برامج وأهداف هذا الحزب.
التجارب السابقة للأحزاب السلفية فى سرعة التحالف، ثم قطع الخيوط مع جماعة الإخوان، وفقا للمتغيرات السياسية بداية من «غزوة الصناديق» كأول دعوة علنية لسيطرة الدين على العمل السياسى، ثم انضمامهم إلى المشهد السياسى الذى تلا ثورة ٣٠ يونيو، ثم مؤخرا عودة الاجتماعات بين هذه الأحزاب وقيادات أحزاب هشة ظهرت بعد ثورة ٢٥ يناير كمجرد أذرع داعمة لحزب الحرية والعدالة.. هذا المسلسل من التناقضات يستبعد عن حزب النور وباقى الأحزاب السلفية صفة الحزب السياسى القائم على أسس ومناهج ثابتة.
رفض الأحزاب الدينية، مهما ارتدت من أثواب برّاقة، هو مبدأ يقوم على ثوابت سياسية، خلافًا لما تطرحه فى المقابل هذه الأحزاب من مبررات لتواجدها فى العمل السياسى وجميعها يستند إلى مرجعية دينية.. مجلس الشعب المصرى ليس «بدعة» بين البرلمانات والمؤسسات التشريعية الدولية والتى تخلو من الأحزاب الدينية، حتى الأحزاب اليمينية «الراديكالية» فى دول أوروبا تمارس دورها السياسى فى إطار برنامج حزبى قائم على التحيز المفرط ـ الذى قد يصل إلى العنف ـ إما لهوية بلادها أو للهوية الأوروبية ورفض هيمنة ثقافة «الآخر» من المهاجرين على ثقافتهم، بعيدا عن تبنى أى شعارات مسيحية.
ضمان الممارسة الديمقراطية داخل أى برلمان يفرض فصل الدين عن السياسة، وهو ما يتناقض مع وجود كتلة من عدة أحزاب صغيرة قائمة على الخلط بين الدين والسياسة، بل يعيد إلى الذاكرة المشاهد المخزية التى دارت داخل قاعة المبنى العريق خلال عام الظلام الإخوانى، والتى أحالته إلى مجلس «للمزايدات الدينية».. تكرار هذه المشاهد حتما ستعيق الدور المهم الذى يتطلع إليه الشارع من البرلمان القادم كمؤسسة صلبة قادرة على محاسبة الأداء الحكومى وتشريع القوانين.. بينما هذه «المجموعات» الدينية عجزت عن تقديم برنامج سياسى إصلاحى جاد يهدف إلى رفع أوجه المعاناة عن الشارع بعيدا عن نهمها للحصول علي السلطة.
وجود الأحزاب الدينية يشكل عائقا آخر أمام الممارسة الديمقراطية داخل البرلمان، خصوصا إذا «أفحمت» المعارضين لها سياسيا، أثناء جلسات النقاش، بأسانيد من الشريعة والدين!.. وبدلا من دراسة القرارات المهمة التى تحدد مصير قضايا تمس المواطن البسيط بين كتلتى الحكومة والمعارضة، يتحول طابع الجلسات إلى جدل بين الدين والسياسة.
وجود أحزاب مدنية قوية كان كفيلًا بتبديد هذه المخاوف كضمان لوجود «حائط صد» أمام هذه المهاترات التى سبق للمتابع مشاهدتها فى جلسات برلمان «الكتاتنى وإخوانه». للأسف الأحزاب المدنية مازالت فاقدة الإحساس بعامل الزمن الذى لم يتبق منه الكثير على موعد الانتخابات.. حزب عريق مثل الوفد مهدد بالانقسام إلى جبهتين ضعيفتين بدلًا من استثمار هذه المرحلة فى استعادة جزء من القاعدة الشعبية التى كان يتمتع بها.. الأحزاب «الوليدة» مثل المؤتمر والدستور والحركة الوطنية انشغلت بالصراعات بدلا من تشكيل تحالفات قوية قادرة على تكوين قاعدة شعبية عريضة بين الناخبين، خصوصًا فى المناطق البعيدة عن محيط المدن الرئيسية.. وفشلت أيضا حتى فى فتح أبواب مقراتها أمام الشباب لتصبح البديل المؤقت فى ظل الظروف الأمنية التى تعيق العمل السياسى داخل الجامعات، مما يتيح للشباب المشاركة فى العمل السياسى بعيدًا عن اندساس عصابة الإخوان ويخلق لهذه الأحزاب قاعدة بين الشباب.
هذا المناخ السياسى الذى تتحمل الأحزاب جزءًا كبيرًا من مسئوليته لن يوفر لها الظروف المثلي لدخول منافسة انتخابية وكسب ثقة الناخب بعيدا عن البكاء على «اللبن المسكوب» أو تعليق الفشل على «شماعات» الغير بعد ظهور النتائج.