الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الداخلية وأمناء الشرطة.. اللي حضّر العفريت يصرفه!

عن العنف فى الشرقية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليست المرة الأولى التى يغضب فيها أمناء الشرطة ويتمردون على وزارة الداخلية.. ولكنها المرة الأولى التى تنذر بالخطر.. عما حدث فى الشرقية بين أمناء الشرطة ووزارة الداخلية أتحدث.. فقد سبق هذه الواقعة وقائع أخرى كثيرة ولكن لم تكن بهذه الخطورة.. الأمناء هم صنيعة الداخلية وهى مصدر قوتهم وجبروتهم وهى من دعمتهم ضد الشعب حتى انقلبوا عليها وذاقت مرارتهم واحترقت بنيرانهم.
وكانت الثورة الأولى للأمناء عقب ثورة «يناير».. وأثناء تولى اللواء «منصور عيسوي» الوزارة حيث تجمع عدد كبير من أمناء الشرطة المفصولين وطالبوا بتنفيذ وعد الوزير الأسبق «محمود وجدي» الذى عينه «مبارك» عقب اندلاع ثورة يناير بعودة الأمناء المفصولين، ووقتها قال «عيسوي» إنه لن يستطيع ذلك لأن منهم من ثبت فصله لأسباب أخلاقية ومهنية، ولكن انضم إليهم مجموعة أخرى كانوا لايزالون فى الخدمة مستغلين الحالة الثورية بشكل عام، وحالة غضب المفصولين بشكل خاص.. مطالبين بتطبيق قانون الالتحاق بكلية الشرطة، بعد الحصول على ليسانس الحقوق حيث كان هناك تعنت شديد من وزارة الداخلية فى ذلك، كما طالبوا بإلغاء المحاكمات العسكرية وقالوا وقتها لأن الشرطة هيئة مدنية، وأيضا إنشاء نادى أمناء الشرطة بمجلس إدارة منتخب من قبل أمناء الشرطة.. تم تجاوز الأزمة وقتها بعودة بعض الامناء المفصولين كما أن المسئولين فى الوزارة قالوا إن وزير داخلية سابق بعينه هو المحرك الأساسى لثورة الامناء والتى وصلت إلى إشعال النيران فى أحد مبانى ديوان الوزارة بشارع الشيخ ريحان فى ذلك الوقت.. وفى عام ٢٠١٢ أثناء تولى اللواء «محمد إبراهيم يوسف» مسئولية الوزارة بعد «عيسوي» شهدت مديرية أمن المنيا ثورة غضب أخرى لأمناء الشرطة وكان الأمناء أضربوا عن العمل احتجاجا على مقتل ثلاثة منهم فى مأمورية ضبط خارجين على القانون، وطالبوا الوزارة بحق زملائهم وحمايتهم أيضا من المخاطر التى يتعرضون لها.. وتم استيعاب غضبهم بتكريم أسر الشهداء الثلاثة وتعويضهم ماديا بشكل أرضى زملاءهم.
وفى نفس العام شهدت محافظة «أسيوط» واقعة خطيرة.. عندما أضرب الامناء عن العمل لمدة خمسة أيام متتالية، كما أنهم حاولوا اقتحام مديرية الأمن من الخلف، وقاموا بتحطيم الواجهات الزجاجية لقسم الجوازات، كما نصبوا الخيام أمام مديرية أمن أسيوط واعتصموا فيها مدة الأيام الخمسة للإضراب، وكانت مطالبهم هى تحسين أوضاعهم المادية والوظيفية وتطهير الوزارة من الفاسدين، وإلغاء المحاكم العسكرية للأفراد والأمناء.. ومثل ما سبق تم تدارك الأمر واستيعاب الغضب من قبل المسئولين فى الوزارة.
أى أن ما حدث فى الشرقية لم يكن جديدا.. ولكن الجديد هو تحرك الامناء بشكل أكثر خبرة بمسألة «لي» ذراع الوزارة، بمحاولة خلق فراغ أمنى فى الشرقية، عندما اقتحموا المديرية ومنعوا اللواءات من الدخول وعلى رأسهم مساعدا الوزير للأمن العام والأمن المركزي، اللذان أوفدتهما الوزارة لبحث الأزمة، كما أنهم أغلقوا أقسام ومراكز الشرطة أى قاموا بتعطيل العمل، وكانت شوارع الشرقية تشهد فراغا أمنيا واختفى حتى عساكر المرور طيلة فترة الاعتصام، كما أن الداخلية للمرة الاولى تواجه غضب الأمناء بالعنف وهو ما أحدث الاشتباكات وتبادل إطلاق النيران بين الامناء والامن المركزي، وأصيب بعض المعتصمين باختناقات جراء إطلاق قوات الامن المركزى قنابل الغاز المسيل للدموع، والمدهش والمضحك أيضا، هتافات أمناء الشرطة «الداخلية بلطجية».. أى أن الداخلية تشتم نفسها.
فقد كشف هذا اليوم عن التفكك الذى أصاب وزارة الداخلية عبر مراحل مختلفة، وإن كان غير ظاهر على السطح، وكشف أيضا عن الحقد والغضب بين أبناء الوزارة الواحدة والذى على وشك أن يمزقها.. والحقيقة أن الداخلية نفسها هى من صنعت أمناء الشرطة، وشعبيا هى من حضرت العفريت وعليها أن تصرفه، فإن الامناء هم الصداع المزمن الذى تعانى منه هذه الوزارة ولا تستطيع القضاء عليه، ولا الاستغناء عنه، فإن ضباط الشرطة دائما يقولون إن الامين يعمل كثيرا و«بيشيل» شغل جبار، وفى نفس الوقت لا يرتقى لمستوى الضابط ولذلك فإنه يعانى من «النقص» والحقد على الضابط فهو يرى أنه يعمل مثله وأكثر، ولا يتقاضى مثله فى الراتب والترقية والمزايا وخاصة «الهيبة» والسلطة.. كما أن الامناء يرون أنهم يضحون مثل الضباط فى مواجهة الإرهاب ويقع منهم الشهداء، ومحافظة الشرقية على سبيل المثال فيها ١٦ شهيدا.. غير بقية المحافظات.
وهو ما يجعل الأمناء دائما يقارنون أنفسهم بالضباط، وينتظرون من الدولة أن تعاملهم بالمثل.
على الجانب الآخر فإن الشعب لا يتعاطف مع الامناء نهائيا.. حتى ولو كانت مطالبهم مشروعة وإنسانية، فقد نجح امناء الشرطة فى خسارة المصريين وكسب كراهيتهم وبالتالى شماتتهم، فقد اختنق الجميع بتجاوزات أمناء الشرطة منذ ظهورهم، والذى جاء بعد إنشاء معهد أمناء الشرطة عام ١٩٦٧ على يد وزير الداخلية «شعراوى جمعة»، وكان الغرض من المعهد تخريج رجال شرطة على قدر من التعليم والمسئولية، على أن يكون شرط الالتحاق حصول الطالب على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها.. وتم انشاء المعهد لإلغاء الكونستبلات، ومدة الدراسة فيه عامان على أن يتخرج الطالب «أمين أول»، ثم «ثان»، ثم «أمين شرطة» ثم «ملازم أول»، أى أنه يصبح ضابطا بعد خمسة عشر عاما، ويكون بذلك ضابطا بخبرة كبيرة وكفاءة تفوق الملازم خريج كلية الشرطة حديثا.
ولكن الامناء منذ ذلك التاريخ وحتى الان.. يشعرون أن الدولة ووزارة الداخلية التى يعملون فيها لا تعطيهم حقهم ولا تقدرهم حق قدرهم.. رغم أنهم لديهم سلطة مصدرها الوزارة ما جعل بعضهم يهددون المواطنين ويفرضون عليهم إتاوات، ويسببون الذعر والخوف للناس بشكل أحيانا يفوق الضباط أنفسهم.. وهم بذلك أيضا يسببون المشاكل للوزارة، وقد قال مسئول كبير فى الداخلية قبل ثورة يناير إن لديهم الرغبة فى التخلص من الامناء وأنهم سيغلقون المعهد قريبا حتى ينتهى أمناء الشرطة، ولكن يبدو أن وزارة الداخلية توقفت عن ذلك بعد الثورة أو أصبح لديها اتجاه مختلف.
عموما ما حدث فى الشرقية لن يكون الاخير لو عجزت الداخلية عن إيجاد الحل، وعلى الوزارة أن تتعامل بحكمة مع الأمر.. وأن تبتعد عن المسكنات التى جربتها كثيرا ولن تأتى بنفع.. وعليها ايضا أن تكف عن اتهامهم بأنهم «إخوان» أو أن وراءهم «إخوان» لأنه إن دل على شيء فإنه يدل على العجز والسطحية، لأن المسئولين فى الوزارة يعلمون جيدا أن الداخلية نفسها هى سبب المشكلة وبالتأكيد تملك الحل.