الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عولمة "الديمقراطية الغربية"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الآثار السيئة لظاهرة العولمة التي غزت العالم العربي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، محاولة فرض نظام واحد للحكم على جميع دول العالم، بغض النظر عن اختلافها العرقي والثقافي والديني والمذهبي، وهكذا تم الترويج لفكرة الديمقراطية الغربية تمامًا كما روجوا لمنتجات الكوكاكولا والبيبسي والكنتاكي.. إلخ، التي غزت العالم في وقت قصير جدًا.
الكارثة لم تكن أبدًا في فكرة الديمقراطية ذاتها، كأحد أنظمة الحكم المعروفة، والتي تعتبر أشهرها وربما أفضلها، لكن المشكلة في "مستلزمات" عملية الديمقراطية، فعلى سبيل المثال وبعد توقيع كامب ديفيد بين الرئيس السادات ودولة الاحتلال الإسرائيلي، برعاية واشنطن، كان من أحد بنود المعاهدة إقامة نظام ديمقراطي حقيقي في مصر، فألغى قرار حل الأحزاب السياسية، وبدأت لأول مرة الأحزاب السياسية في الظهور للعلن مرة أخرى، وكان هذا بداية تصدع الجسد العربي، ولكن كيف؟.
بظهور الأحزاب أو ما يُعرف بالتعددية السياسية في الدول العربية، أصبح من حق أي طائفة أو جماعة تشكيل أحزاب خاصة بها، ربما في العلن تلتزم بالميثاق والدستور والقانون، لكن في حقيقتها تحمل أفكارًا عنصرية لا تتناسب حتى مع المجتمع الذي تعمل فيه، ولم تخل دولة عربية تقريبًا من هؤلاء الإسلاميين الباحثين عن السلطة، مع فتح الباب رسميًا لهم، حيث صار من حق العديد من الطوائف في الدول العربية، حيث لعبت هذه الأحزاب القائمة على خلفية دينية دورًا سلبيًا في الثلاثة عقود الأخيرة، فقسمت السودان، وأبادت الشعب الجزائري في معركة بالوكالة، ودمرت لبنان وتركته متناحرًا، وقضت على الصومال واليمن، وفرقت العراق، وما زالت تحاول في البحرين والكويت والسعودية والإمارات.
ولم تكن هذه الجماعات، التي أخذت أشكال أحزاب مثل الحرية والعدالة في مصر، أو جمعيات سياسية مثل جمعية الوفاق الشيعية في البحرين، لم تكن هذه الأحزاب إلا الهدف الأساسي من فرض حالة الديمقراطية في العالم العربي، وليس ما يروج له الغرب من رفع الظلم عن الشعوب وحكم الشعب نفسه بنفسه كما قالوا.
أدرك الغرب منذ البداية أن الاستعمار لدول المنطقة لن يدوم، فلجأ إلى التدمير الذاتي للدول العربية بعد أن صارت صديقة له، ولم تنتبه الحكومات العربية لهذا المخطط إلا بعد أن كشفه الربيع العربي، وكانت أدوات المخطط هي: فرض الديمقراطية في منطقة تشهد تنوعًا عرقيًا وثقافيًا ومذهبيًا، بما يؤدي إلى وصول فصيل واحد للحكم فتحدث معارضة ضده بسبب عنصريته وطائفيته لمذهبه، فتتفتت الدولة وتنقسم، كما حدث في تجربة الجبهة الإسلامية القومية بالسودان، التي قادت انقلابًا عسكريًا بقيادة عمر البشير، والذي فرض الشريعة الإسلامية حتى في الولايات المسيحية في الجنوب، فكانت النتيجة انفصال السودان، ولم يأت البشير إلا بالانتخابات والديمقراطية المزعومة.
ولم يكتف الغرب بهذا بل صار يروج لفكرة إلغاء الملكية، رغم نجاحها باقتدار في دول الخليج العربي، وفشل الجمهوريات في بلدان أخرى، حتى أن النهضة الخليجية الحديثة أذهلت العالم لاسيما في تجربة الإمارات العقارية، أو الطفرة السياحية والاقتصادية الهائلة في البحرين، رغم تواضع مواردها، فبدأوا في الحديث عن إلغاء الملكية أو تحويلها إلا ملكية دستورية "جمهورية" ليتكرر سيناريو السودان مرة أخرى.
والسؤال الآن: ماذا حصدت المنطقة من تطبيق فكرة الديمقراطية؟ وهل بالفعل كان من نتائجها تعددية سياسية حقيقية؟ أم أن الأحزاب في العالم العربي ليست أكثر من منصات عروض لإطلاق التصريحات وفقط؟.
إنها للأسف فكرة مسمار جحا الذي زرعه الغرب في المنطقة، التي كانت تحكم بشرع الله وبالعُرف المتفق عليه حتى بدأت في استيراد الأفكار الضالة من الخارج.