الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أم الرئيس"المُلهِمَة"

يقولون إذا أردت أن تقيس درجة رقى وتحضر إنسان فابحث عن علاقته بأمه، هذه العلاقة تحديدا تكون مفتاح علاقاته جميعها، ولأن السيسى يحيط عائلته بسور صلب، لا يسمح بأن يتطفل أحد على أفرادها، أو يعرف شيئا عنهم، فقد كان كلامه عن والدته دليلا للجميع

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن عمر السيدة سعاد إبراهيم محمد قد تجاوز العشرين من عمرها عندما أنجبت ابنها عبدالفتاح السيسى، كأى أم مصرية كانت تحلم بأن يكون ولدها طبيبا أو مهندسا، لكنها لم تتوقع أبدا أن يكون فى يوم من الأيام قائدا شعبيا يمتلك كل هذا الوهج والحضور.
يقولون إذا أردت أن تقيس درجة رقى وتحضر إنسان فابحث عن علاقته بأمه، هذه العلاقة تحديدا تكون مفتاح علاقاته جميعها، ولأن السيسى يحيط عائلته بسور صلب، لا يسمح بأن يتطفل أحد على أفرادها، أو يعرف شيئا عنهم، فقد كان كلامه عن والدته دليلا للجميع، لمعرفة كيف عاش هذا الرجل فى كنف سيدة تمثّل له الكثير.
فى الأيام الأولى التى أعقبت ثورة ٣٠ يونيو كنت قد تفرغت لكتابة حلقات خاصة عن حياة عبدالفتاح السيسى، تعاملت مع المفاتيح السبعة التى يمكن من خلالها أن نفهم الرجل الذى التف حوله الشعب المصرى باعتباره منقذا له.
من بين المفاتيح المهمة التى أمسكت بها، كان مفتاح ابن البلد، ووجدت تأكيد هذه الصفة فى تعامله مع والدته وأولاده وأحفاده.
عرفت وقتها أن والدة الرئيس تعانى صحيا، وأن لديه طقوسا محددة يمارسها تقريبا بشكل يومى، ولا يمنعه عنها شىء، فهو يذهب إلى فراشها، ويطمئن على أنها أخذت دواءها، ثم يمسك بالمصحف ليقرأ بعض الآيات، وعندما يتأكد أنها نامت تماما يتحرك بهدوء عائدا إلى فراشه.
فى سنواتها الأخيرة كان السيسى يعتبر والدته ملهمته، وقد تكون هذه هى الصفة الأهم فى علاقتهما معا، وكان دالا جدا ما فعله بعد أن ألقى بيان ٣ يوليو الذى عزل به محمد مرسى عن حكم مصر، ودخل بنا عهدا جديدا.
كان السؤال الذى شغلنى هو: إلى أين توجه السيسى بعد أن ألقى بيانه القصير الذى غيّر به وجه الوطن؟ هل عاد إلى مكتبه؟ هل عقد اجتماعا مع كبار قيادات القوات المسلحة، ليواجه الأخطار التى ستترتب على بيانه؟... جاءتنى الإجابة بعد شهور، عندما تحدث بنفسه، فقد خرج من مقر وزارة الدفاع حيث ألقى البيان إلى والدته، كان يعرف أنها ليست فى الحالة الصحية التى تجعلها ملمة بتفاصيل ما يجرى على الأرض، لكنه ذهب إلى هناك ربما بحثا عن الدعوة الأثيرة لديه، تلك الدعوة التى ظلت ترددها على مسامعه طويلا، وهى «ربنا يحميك من كل شر»، فقد كان فى حاجة إليها، لأنه كان واثقا أن عصر الشرور سيبدأ فى حصاره. كانت السيدة سعاد طوال سنوات عمرها، سيدة مصرية خالصة، عكفت على تربية أولادها (٣ أبناء و٥ بنات)، سلكت معهم طريقا جعلتهم أسوياء، قربت بينهم، لم يمسكها أحدهم مرة وهى تسىء إلى أى منهم، على العكس تماما، كانت تعذرهم، ولا تكلفهم بأكثر مما يطيقون، كان السيسى يسكن معها فى بيت واحد، لكنها لم تعاتبه مرة، إذا غاب عليها، فقد كانت تعرف مشغولياته الكثيرة.
فى شهورها الأخيرة ورغم المسئوليات الضخمة التى يحملها السيسى على كتفيه فإنه لم ينشغل عنها، فى يومها الأخير كان معها معظم الوقت، حضر الندوة التثقيفية فى مسرح الجلاء، وذهب إليها على الفور، وكان يتردد عليها باستمرار، وفى سفرياته الكثيرة كان يتصل أكثر من مرة خلال اليوم ليطمئن على حالتها الصحية. بموت السيدة سعاد سيفقد السيسى سندا كبيرا، فرغم مرضها فى السنوات الأخيرة، وعدم تواصلها معه فى شئونه، فإنه كان يقف على أرض صلبة بدافع القيم الكثيرة التى زرعتها فيه، لخص الرئيس يوما ما قدمته له هذه السيدة، عندما قال: «لقد ربتنى على الاعتماد على الله والرضا بالقدر».
هو هذا الرجل بالفعل الذى يعتمد على الله ويرضى بالقدر، لو لم تكن هذه القيمة متأصلة فى شخصيته، ما استطاع أن يضع رقبته على كفه منحازا إلى الشعب المصرى فى ثورته ضد جماعة ونظام كانا يريدان القضاء على الأخضر واليابس.
فى محاولات سابقة لتفسير سر الخاتم الذى يرتديه الرئيس، قيل إنه رمز لانتماء الرئيس الصوفى، وإن شيخ الطريقة التى يتبعها هو من منحه إياه، طالبا منه بألا يتخلى عنه أبدا، السيسى نفسه كشف سر خاتمه، فقد كان هدية من والدته، قرر أن يحتفظ بها، تقديرا لمكانتها لديه، فقد كانت معلمته التى لم ترهقه أبدا، ظل يتعلم منها، حتى فى مرضها وصبرها، ودون أن يتحدث، كان يرى فى عينيها أملا وتفاؤلا بأن الله لا يجرى على عباده شرا أبدا.
اختار السيسى أن يحزن على والدته كمواطن وليس كرئيس، فى الخبر القصير الذى أرسلت به الرئاسة عن الوفاة، أكدت أن العزاء سيقتصر على أسرة الفقيدة، لا أعرف من صاغ الجملة بهذا الشكل، لكنى لا أشك أن الرئيس نفسه كان يقصدها، فالعزاء لأسرة الفقيدة، وليس لأسرة الرئيس، إنها لا يزال يعتبر أن العائلة عائلتها، والأسرة أسرتها، كان يمكن أن يقول إن العزاء يقتصر على أسرة الرئيس، لكنه كان يرى فى والدته أنها عامود الخيمة الذى يلتف حوله الجميع.