الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

إيناس عبد الدايم في حوارها لـ"البوابة": التخبط وغياب الرؤية وراء أزمة وزارة الثقافة

رئيسة دار الأوبرا اعتبرت أن الصورة "مشوشة" الآن

إيناس عبد الدايم
إيناس عبد الدايم في حوارها لـ"البوابة"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
محمد حافظ
■ «معارك المثقفين» الحالية «غير مقبولة» والمرحلة تحتاج إلى تكريس الجهود لأمور إيجابية
■ لن نمنع المتطرفين من تفجير أنفسهم بـ«الموسيقى» والثقافة ليست مهرجانات وحفلات فقط.. الاعتصام ضد علاء عبدالعزيز «أجمل الأيام»

لم تفارق دموع الفرح عينى الدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا المصرية، طوال الحديث عن حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، التى قدمت خلالها دار الأوبرا حفلا من الطراز الأول، أظهر الوجه الحقيقى والإبداعى للحضارة المصرية الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ.
استرجعت وقائع الترتيب للحفل بمشاعر طفولية غريبة على شخصية الدكتورة إيناس المعروفة بأنها من الشخصيات المقاتلة طوال الوقت، دون مهادنة ودون تراجع، وحول كواليس الحفل الذى حقق نجاحا لافتا بالإضافة لعدد من القضايا الثقافية الأخرى كان لنا هذا الحوار مع الدكتورة إيناس عبد الدايم.
■ كيف استطعتم أن تخرجوا بحفل افتتاح قناة السويس بالشكل الذى رأيناه؟
- منذ بدء تكليفنا بالمشاركة فى الحفل، تحركنا فورا، وعقدنا أكثر من اجتماع للوصول إلى الصيغة الأفضل لشكل المشاركة، ووضعنا كل العناصر المطلوبة للنجاح، ولم يكن لنا أن نحقق هذا النجاح إلا بمجهود جميع العاملين فى الأوبرا، فقد اتفقنا منذ البداية على أننا فى مهمة وطنية، وأن الأمر ليس مجرد مشاركة فى احتفالية، واتفقنا على أننا لابد أن نكون على مستوى المسئولية، وكل يوم كانت تظهر نتيجة وثمرة جهدنا من خلال إنشاء المسرح والتدريبات والبروفات وهذا ما ساعد على نجاح العمل.
■ هل قامت الأوبرا باختيار الفقرات، أم أنها كانت من اختيار الشركة المنظمة؟
- كانت الفقرات من اختيارنا، ولكن اختيار الفنان عمر خيرت جاء طبقا لرؤية عليا، وكان اختيارا موفقا، لأننا نعرف أن وجوده سوف يسعد المصريين بـ«الحالة» التى يصنعها فى البلد ووسط الشباب، أما أوبرا عايدة فكانت من اختيارنا وحاولنا خلالها أن نربط القديم بالحديث، ونربط الحدث الذى لم يتم منذ حوالى قرن ونصف القرن بما يحدث، وأردنا أن نقول إننا نحقق هذا الحلم فى هذه المرحلة، وكنا نتمنى أن نقدم الأوبرا كاملة، ولكن مدتها تصل إلى ثلاث ساعات ونصف الساعة وسيكون ذلك مستحيلا بعد يوم شاق بهذا الشكل، فقررنا أن نقدم مشهد النصر الذى يجسد معانى كثيرة تناسب الحدث تماما، وتمت الموافقة على هذا الاقتراح.
■ ماذا كان يمثل لكم تحقيق حلم الموسيقار العالمى فيردى بعد وفاته بـ١٤٠ سنة بتقديم عمله «أوبرا عايدة» فى افتتاح القناة؟
- كنا فى منتهى السعادة والفخر بأن يقدم مصريون العرض، لأن هذا الحدث عندما تم منذ أكثر من ١٤٠ سنة كان بأيادٍ أجنبية، وكان من السهل أن نستعين بخبراء أجانب فى كل المجالات، مثل تصميم الديكورات والإكسسوارات والأزياء وغيرها، ولكننا أصررنا أن يكون الاحتفال بكوادر مصرية، لأن المستقبل سيكون لهم، وكان هذا الأمر هو أجمل شيء أسعدنا جميعا، رغم التعب الذى وجدناه، لأننا كنا نذهب إلى مقر الاحتفال من القاهرة يوميا، دون أن يكون لنا مبيت فى الإسماعيلية، وكنا فى بعض الأحيان لا ننام أكثر من أربع ساعات فى اليوم، ولكننا نسينا كل هذا التعب عقب نجاح الاحتفال.
■ هل يتضمن العمل إسقاطًا على حفر القناة نفسها قديمًا وحديثًا.. عندما تم حفر القناة الأولى طبقًا للخبرات الفرنسية والآن بالأيدى المصرية؟
- بالضبط.. إنها منظومة وتستكمل، كما قام الأبطال المصريون بحفر القناة بأيادٍ مصرية، وأموال مصرية وخبرات مصرية، ونجحوا فى ذلك فكان لابد من استكمال ذلك، لأن الفن لا يقل حالًا عن الحياة العملية.
■ من هنأك بنجاح الحفل بعد انتهائه؟
- إننا الآن نتذكر ما حدث وكأنه حلم جميل، رغم كمية الخوف والرعب والتوتر والانفعال الشديد، وقد طلب منى أن أجلس مع المشاهدين لمشاهدة الحفل، فرفضت تماما لأن أعصابى لا يمكن أن تحتمل هذا الأمر، وأصررت على البقاء فى كواليس غرفة العمليات، خلف «المونيتور»، وبعد انتهاء الحفل، ومما لا شك فيه أن جميع الاتصالات كانت منقطعة تماما، ولكن بعد فترة وجيزة تلقيت مجموعة اتصالات فى منتهى الجمال أولها من المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، وطلب منى أن أشكر جميع العاملين والمشاركين فى الحدث وقال بالنص «أنتم شرفتونا وشرفتم مصر ورفعتم رأسنا»، ثم توالت الاتصالات من الفنانين والمثقفين والإعلاميين والزملاء والطلبة، كما هنأنا الدكتور عبد الواحد النبوى وزير الثقافة، وقد جهزنا مادة فيلمية كبيرة جدا، لكل مراحل العمل فى الاحتفال منذ الزيارة الأولى لنا وحتى انتهائه بالصور، وسوف نصدر بها كتيبا، لأنه فخر لنا ولمصر وللأوبرا.
■ لماذا طالبت بالإبقاء على المسرح الذى أقيم فيه الاحتفال؟
- لأنه ارتبط بحدث تاريخى ونظرا للمجهود الذى بذل فيه حرام ألا يستغل، ليس لنا وإنما لهيئة قناة السويس وللمكان ولمدينة الإسماعيلية، وهناك العديد من المناسبات المهمة والوطنية التى يمكن أن يتم استغلاله فيها، بعد أن بذلت الشئون الهندسية بالقوات المسلحة جهدا كبيرا فى بنائه وهو من تصميم الزميل مهندس الديكور محمود حجاج.


■ ما رأيك فى حال الثقافة فى مصر مؤخرا؟
- لكى نتحدث عن الثقافة لابد أن نناقش عدة مجالات مرتبطة بها مثل التعليم فى مراحله الأولى والتعليم الجامعى، ولو نظرنا لفترات سابقة سنجد أن مستوى التعليم كان مرتفعا جدا وكان له تأثير كبير جدا فى المستوى الثقافى، وما كان يدرس فى المدارس والجامعات كان قويا وله تأثير فى الحياة العملية، فالثقافة ليست مهرجانات وحفلات وأحداثا فنية فقط، وإنما هى أعمق بكثير فلابد أن تصل إلى عقلية الطفل المصرى والشاب فى بداياته، فعندما كنت طفلة تعلمت فى المدرسة الحكومية المجانية أمورا مهمة كثيرة جدا مثل الموسيقى والمسرح المدرسى وفى قصر السينما والثقافة الجماهيرية تعلمت أيضا العديد من الأمور التى لا أنساها وكنا نخوض مسابقات على أعلى مستوى.
■ هل نستطيع أن نقول إنك بنت الثقافة الجماهيرية؟
- لا يوجد أحد فى جيلى لم يتأثر بالثقافة الجماهيرية، ويمكن أن نقول إن التنشيط فى الأوبرا تم فى مرحلة لاحقة، ولكن أساس كل شيء كانت الثقافة الجماهيرية، لأنها كنت موجهة بشكل مضبوط جدا وفق الاحتياجات المطلوبة، والحديث عن رؤية ثقافية لدولة مثل مصر هو أمر يطول شرحه، وهو أمر يحتاج لتكاتف العديد من الجهات وفق خطط ومناهج لنحدد الأهداف التى نرجوها خلال العشر سنوات المقبلة مثلا أو العشرين سنة، وفى الأوبرا نقوم بالدور المنوط بنا بأن نقدم نشاط فنى راقٍ، ونتيح فرصا للشباب والهواة والمستقلين والفرق الخاصة لتقديم أعمالهم وأنشطتهم الفنية، وندعمهم قدر الإمكان، ليس فى مجال الموسيقى فقط، وإنما فى المجالات الفنية الجديدة أو المسرحية أو غير ذلك.
■ كانت إقالتك سببا فى اعتصام المثقفين الذى كان بمثابة الشرارة الأولى لثورة ٣٠ يونيو.. فما أهم الكواليس فيما حدث؟
- لقد شهد هذا المكتب كواليس كثيرة، أولها فى الوقت الذى تمت إقالتى من قبل علاء عبد العزيز وزير الثقافة الأسبق، لم يكن فيه مكان لقدم، والتقيت بفنانين لأول مرة أقابلهم، ولا يمكن أن أنكر أن أول من حضر هنا كان الفنانون التشكيليون، وقد كان لهم اجتماع مماثل لمشاكل معينة معه وقد حضروا باجتماعهم فى مكتبي، وقد اتخذنا قرار الاعتصام من هذه اللحظة، والكواليس كثيرة وقد عاشتها مصر معنا، وسط حالة من الترابط والتكاتف الكبيرة بين المثقفين كنت أتمنى أن تدوم، وفق رؤية واحدة، ورغم أن السبب الرئيسى للاعتصام كان إقالات قيادات الثقافة إلا أنها تطورت فى ساعات وأصبحت المعركة أكبر وأعمق وأشمل من ذلك بكثير، وكانت رؤية المثقفين صائبة تماما، لأنه استهداف لمضمون وهوية الدولة نفسها، ومن هنا بدأ التحرك، وأستطيع أن أقول إن أيام الاعتصام كانت أجمل أيام حياتى على الإطلاق، رغم أننا كنا نجلس على الرصيف طوال ٥٥ يوما.


■ لماذا لم يبق المثقفون على ترابطهم الذين ظهروا عليه وقت الاعتصام؟
- لقد حدثت تغييرات كثيرة فى الثقافة تحديدا، ولعل مرور السنوات منذ الاعتصام والثورة، وكثرة الأحداث والمتغيرات، يدفع العديد من المثقفين لحدوث متغيرات مقابلة فى الرؤية، والمشكلة أن الصورة أصبحت مشوشة، على عكس وقت الاعتصام عندما كانت الرؤية واضحة جدا، ولذا فإن الاختلاف فى وجهات النظر أمور جائزة، وأنا على يقين بحكم خبرتى وتجربتى أن المصريين عندما نقرر شيئا ونصر عليه يحدث.
■ كيف ترين ما يحدث من معارك وصراعات فى وزارة الثقافة؟
- المرحلة التى نعيشها لا تحتاج إلى المعارك التى نراها، ونحتاج أن ندخر قوتنا وقدرتنا وجهودنا وتكريسها لأمور إيجابية أكثر، ولكن للأسف فإن ذلك يحدث لعدم وجود رؤية وتخبط؛ وأتمنى أن تنتهى المعارك لأننى أعتبرها من أخطر المراحل التى تعيشها مصر.
■ خلال أيام يبدأ مهرجان القلعة السنوى وهو من أنجح المهرجانات.. لماذا لا يتم تحديد موعد ثابت له فى كل شهر وليكن الخميس الأول من كل شهر؟
- حتى أكون واقعية فإن الفضل فى هذا المهرجان لمن سبقوني، ونحن نكمل المسئولية وهذه المهرجانات من أفضل الفعاليات التى تسعد قلبى لأن إقبال الآلاف أمر يسعدنى، ولكن المشكلة أن القلعة ليست تابعة لنا، ومشكورا يوافق وزير الآثار على أن يقيم المهرجان بها، ولا شك أن المهرجان يتكلف الكثير دون مردود مادى، لأن التذكرة بخمسة جنيهات فقط أى أنه عمل مجانى، وهو فى حد ذاته مشروع، وأعتقد أن هذا الاقتراح رائع، وسوف نتحرك فى تنفيذها بمنتهى السرعة ليس فقط فى القلعة، وإنما فى مسرح الصوت والضوء بالأهرامات، بأن نخرج مرة ثانية بفنوننا الجميلة البسيطة إلى الجماهير ولكل مقام مقال لأننا نعرف ما هو المناسب ليتم تقديمه فى المكان المناسب، وهذه فكرتنا هذا العام ويساعدنا فى ذلك وزارة الآثار بشكل كبير.


■ إذن سيكون هذا العام غزوًا لكل الأماكن المفتوحة؟
- بالطبع.. وعندما سنخرج للأهرامات والقلعة، سيكون هذا الأمر أنسب مكان لإقامة حفل الفنان محمد منير على سبيل المثال، لأن تنظيم حفلاته أمر غير عادي، بحيث نستضيف عشرات الآلاف من الجماهير دون عناء، أما أن يحدث ذلك فى الأوبرا كما كان يحدث أمر بات مستحيلا أمنيا.
■ كيف ترين الحرب على الإرهاب ودور الثقافة فيها؟
- لن نضحك على أنفسنا بأن نقول إن الحرب على الإرهاب تكون بإقامة حفلات وغير ذلك مما يقال.. أنا غير مقتنعة بهذا الكلام، فالحرب على الإرهاب تعنى الفكر، ولابد أن تخاطب أفكار الشباب بخطة واستراتيجية موضوعة، ولا تكون وزارة واحدة هى المسئولة عنها وإنما الدولة كلها من خلال غرفة عمليات تعمل على مدار الساعة، بوجود متخصصين من الثقافة والشباب والأوقاف والتعليم، لأن الشباب الذين يفجرون أنفسهم لن يفلح معهم أن نسمعهم موسيقى فقط.. فهذا أمر مستحيل.