الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحـرب على ثورة يوليـو "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استكمالًا لما بدأناه فى المقال السابق حول الهجمة الشرسة وغير المسبوقة التى تعرضت لها ثورة يوليو هذا العام، فإننا نؤكد أن الهدف الأوحد من وراء تلك الاتهامات التى وجهت للثورة ورجالها وتباكت على الملك وعصره هو النيل من جيشنا العظيم وتصفية الحسابات معه، لأسباب معروفة للجميع، ولا أحسب هؤلاء إلا خونة لا يستحقون مصريتهم، فإذا كان من حقك أن تنتقد أو تهاجم الحاكم، فليس من حقك مهاجمة الجيش ولا يسمح بهذا لأى مخلوق فى أى بلد من بلاد الله، ولم يسمح به عبر التاريخ البشرى كله، فللجيش قدسيته، ومنذ قديم الأزل والمواطن العادى ينظر إلى جيش بلاده، باعتباره القوة التى تحمى أمنه من سائر الأخطار التى قد تهدد الوطن، ولا تقتصر تلك الأخطار على العدو الخارجى فقط، بل تصل إلى الجبهة الداخلية ودعم استقرار الدولة ومواجهة أخطار الطبيعة والطقس ونحن لا نخترع تلك المهام ولا نضيفها، أو نخص بها جيشنا بل هى موجودة فى جميع المواثيق والأعراف والقوانين العسكرية فى العالم بأسره والتى تنص أيضا على أن الجيش هو مؤسسة منغلقة على ذاتها، لها أسرارها التى لا يحق لأحد من المواطنين الاطلاع عليها أو معرفتها باستثناء الحاكم إن كان مدنيًا، وفى العصور القديمة كان المجتمع المدنى يخضع لسلطة الجيش، ويعمل وفق سياسته وللجندى مميزات مادية ومعنوية عن المواطن المدنى، وظل هذا الأمر معمولًا به حتى تغيرت الصورة بعد الحرب العالمية الثانية، وبزوغ فكرة الديمقراطية التى قد تأتى بحكام من المدنيين، ولكن يظل للجيش تقاليده وخصوصيته، ونعود إلى ثورة يوليو ٥٢ والتى استغل مهاجموها هذا العام جهلنا بالتاريخ، فهاجموها بغية مهاجمة الجيش رغم أنهم شاركوا فى قيامها، وكانت من وجهة نظرهم ثورة مباركة وعظيمة وتباروا فى نظم القوافى تمجيدا فيها لاسيما عندما فتح مجلس قيادة الثورة ملف اغتيال حسن البنا، وبدأوا فى محاكمة إبراهيم باشا عبد الهادى رئيس الوزراء السعدى، الذى اتهم بتدبير حادث اغتيال البنا، انتقاما من قتل الإخوان لمحمود فهمى النقراشى رئيس الحزب السعدى، وخلال الفترة من يوليو ٥٢ وحتى حادث المنشية فى ٥٤ كان الإخوان يؤيدون الثورة، ويمتدحون عبد الناصر ويضعون صوره على أغلفة مجلاتهم، وكانوا يحضرون جميع خطبه وبعض اجتماعاته وذلك بغية تقسيم التورتة، وحصولهم على المأرب والذى بدأ بالتفاوض على خمس حقائب وزارية اختصرها عبد الناصر إلى اثنتين، فهاجموه واعتبروه زنديقا مارقا وقاموا بفصل الشيخ الباقورى لقبوله الوزارة، ثم حاولوا قتل عبد الناصر لينتهى شهر العسل نهائيا مع ثورة يوليو ورجالها وتتحول فجأة الثورة فى أدبياتهم إلى انقلاب عسكرى ثم ينعتها بعضهم، بأنها ثورة تمت برعاية أمريكية والكتب مازالت موجودة حتى الآن، ويمكن للجميع مطالعتها وقد يذهل المرء حين يكتشف من خلال وثائق السفارة البريطانية فى مصر أن هؤلاء قد ذهبوا إلى السفارة بأرجلهم وعرضوا عليهم خدماتهم أثناء حرب ٥٦ حين ظنوا أن نظام عبد الناصر سيسقط إذا ما تمت هزيمته أثناء العدوان الثلاثى، وقدموا للإنجليز أنفسهم كبديل له، ورسائل السفارة السرية إلى وزير الخارجية البريطانية تؤكد هذا، وليس غريبا على هؤلاء أن يعتبروا صمود وانتصار الإرادة المصرية فى ٥٦ هزيمة كبرى، فهم يؤكدون أنها كانت انتقاما إلهيًا لعبدالناصر ردا على اعتقاله للإخوان، هكذا ردد مرشدهم محمد بديع فى إحدى خطبه، ورغم الحرب الشرسة على ثورة يوليو، فإنها ستظل نقطة مضيئة فى تاريخ مصر، ويكفى أنها جاءت بحاكم مصرى بعدما ظللنا لأكثر من ألف وخمسمائة عام تحت حكم غير المصريين، ويكفى أيضا أنها نجحت فى توقيع اتفاقية الجلاء وأخرجت الاستعمار وأعلنت مجانية التعليم، وأقامت نهضة صناعية وزراعية طوال الستينات، وأممت قناة السويس وأقامت السد العالى، ومهما حاولوا تشويه هذه الثورة فإن التاريخ لن يسمح لهم بذلك.