الخميس 30 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

هل تنجح الدولة الأمنية في ضرب الأحزاب الديمقراطية ٢-٢

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرضنا في المقال السابق إلى الدور الذي تقوم به الأحزاب السياسية والسياسيون من خلال استعراض ما قام به كاتب هذه السطور من جهد سياسي خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة وأنا بالتأكيد لست من يقوم بالجهد الأكبر من بين كوادر وأعضاء القوى الديمقراطية، فهناك المئات والآلاف من هؤلاء الأعضاء والكوادر يقدمون أضعاف الجهد الذي أقدمه، وغاية ما حاولت أن أفعله هو أن أسرد ما قمت به، لأنني أعرف ما قمت به، ولكي أسوق مجرد مثال لجهد عضو من بين آلاف الأعضاء الذين يبذلون جهدًا مشكورًا في اتجاه بناء مصر الديمقراطية .
في المقابل، في مقابل ما نقوم به من جهد سياسي ضربنا عليه مجرد مثال، ما الذي يقوم به دعاة الدولة الأمنية في مواجهتنا؟ إنهم ببساطة يحاولون القضاء على وجود الأحزاب الديمقراطية، بل دعنا نقول إنهم يحاولون القضاء على السياسة والعملية السياسية أصلاً، وهم يبررون رغبتهم بأن الدولة في حرب ضد الإرهاب وعلى السياسيين “,”وبتوع الكلام“,” أن يتركوا الدولة “,”تشتغل“,”، وهم لا يقصدون بالدولة هنا المعنيين برفع مستوى معيشة الشعب من المسئولين عن التعليم أو الصحة أو الأجور أ و مياه الشرب.. إلخ، جنبًا إلى جنب مع المسئولين عن الأمن، وإنما يقصدون المعنيين بالأمور الأمنية فقط لأن كل ما عداهم “,”بتوع كلام برضه“,” وينبغي أن يكون واضحًا أننا لا نتهم أصحاب هذا الرأي بأنهم عملاء للأمن لا قدر الله ولكننا نؤكد فحسب أنهم يتبنون وجهة نظر خاطئة تمامًا، ويكفي للتدليل على ذلك أن نُذكر الجميع أن الإخوان كانوا يحصدون معظم مقاعد اتحادات الطلبة رغم أن الأمن كان يشطب مرشحيهم المعروفين لديه ويمنعهم من الترشح، ولكن في آخر انتخابات ديمقراطية، منذ بضعة شهور، لم يحصل الإخوان إلا على 25% من المقاعد على الرغم من أن الأمن لم يشطب لهم أي مرشح .
أعلن مركز “,”بصيرة“,” في استطلاع رأي أخير أن 25% من المصريين من الممكن أن ينتخبوا مرسي إذا ترشح الآن، وأعلن 20% أنهم يؤيدون مظاهرات الإخوان، وطبعًا مركز “,”بصيرة“,” لا يمكن أن يتهم بأنه خلايا نائمة أو “,”موالي للإخوان“,” لمن يعرف ويفهم، وتؤكد نتائج هذه الاستطلاعات على أن شعبية الإخوان وحلفاءهم تآكلت من 75%، وهي نتيجة أول استفتاء في 19/3/2011، الى 25% الآن، وتعبر هذه النتائج عن هزيمة كبيرة للإخوان وحلفائهم، ولكن ليس معناها بالتأكيد أن الإخوان تبخروا، ونزول شعبيتهم مرة أخرى من 25% إلى 5% لا يمكن أن يحدث جراء المواجهات الأمنية بل هو في حاجة إلى جهد سياسي، وغاية ما يمكن أن تحققه المواجهات الأمنية هو التصدي لخطر الإرهاب والعنف ودرء المخاطر المحتملة من خلال تجفيف منابعه، ولعلنا جميعًا نتذكر أنه لولا المواجهات السياسية التي قامت بها الأحزاب والقوى والشخصيات الديمقراطية للإخوان على الأرض وفي الإعلام لما كانت شعبية الإخوان تآكلت إلى هذا الحد، فهذه القوى والأحزاب والشخصيات هي التي كشفت زيف مواقف الإخوان وحلفائهم وفساد توجهاتهم ومخاطر سياستهم .
دعاة الدولة الأمنية لا يحبون إلا الأمن ولا يثقون إلا في الإجراءات الأمنية ولا يثمنون كثيرًا الحديث عن العدالة أو حقوق الإنسان ومن ثم تراهم يدفعون الأمن إلى البطش والقمع مستندين في ذلك على مزاج شعبي جارف بات يكره الإخوان ويعتبر الحلول الأمنية هي وحدها القادرة على إنهاء وجودهم تمامًا، وبالطبع هذا المزاج الشعبوي يغذيه دعاة الدولة الأمنية بنفس القدر الذي يستندون عليه، وذلك دون أن يقولوا لنا بوضوح إذا كان دور السياسيين في النزول بشعبية الإخوان وحلفائهم من 25% إلى 5% غير مطلوب فهل يستطيع الأمن قتل أو حبس 25% من المصريين؟ أم إن حبس وقتل بعضهم سيروع الباقين ويجعلهم يلتزمون بيوتهم من غير “,”حركة ولا نفس“,”؟، لو كانت الحلول الأمنية وحدها كافية لكان مبارك نجح في القضاء على الإخوان.. أليس كذلك؟
ماذا يفعل دعاة الدولة الأمنية مع الأحزاب والقوى الديمقراطية؟ الاستراتيجية الثابتة تعتمد على عدة تكتيكات وأساليب: الأول يهدف الى محاولات ذرع الشقاق بين الدولة والأحزاب أو بالأحرى بين الأجهزة العسكرية والأمنية وبين السياسة والسياسيين بصفة عامة، والثاني يهدف الى محاولات تشويه الأحزاب وإلصاق التهم بها، وأخيرًا فإن التكتيك الثالث يسعى الى شق صفوف الأحزاب أو الجبهات .
اللافت أن عددًا من السياسيين (!!) الموالين للدولة الأمنية، بكل أسف، هم الذين يتصدرون لتنفيذ هذه الاستراتيجية، وقد حاولوا بكل بسالة وإخلاص إقامة الحجج والبراهين على أن هناك خلافات ما كبيرة ليست بين الأحزاب الديمقراطية وبين أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية فحسب، ولكن بين الشخصيات السياسية في الحكومة، وأحيانًا الحكومة كلها، وبين هذه الأجهزة، فإذا قال السيسي أكثر من مرة، مثلاً، إنه يمد يده لكل المصريين فهذا أمر حسن، وطبعًا لن يحاول أي شخص منهم أن يفهم من ذلك أن السيسي يمد يده للإخوان مثلاً، رغم أن السيسي لم يقل ذلك صراحة، ولكن عندما تعلن مبادرة مجلس الوزراء أن باب المصالحة والمشاركة في العمل السياسي مفتوح لكل من لم يشارك في العنف، ولم يحرض عليه، ويدينه، ويوافق على خريطة الطريق، وهو ما يعني استبعاد الإخوان كلية، ترى هؤلاء يصيحون بكل قوة وثقة: هذه المبادرة التي تطلقها الأيدي المرتعشة تحاول إعادة الإخوان إلى المشهد السياسي! يا سبحان الله.. السيسي لم يستبعد الإخوان صراحة ومبادرة مجلس الوزراء استعبدتهم صراحة ومع ذلك تتهم المبادرة بأنها تحاول إعادة الإخوان للمشهد السياسي! حقًا صدق الشعب المصري عندما قال “,”حبيبك يقرقش لك الزلط وعدوك يتمنالك الغلط!“,”.
وعندما يُعلن السيسي خريطة الطريق بمشاركة حزب النور، لا يتهم أي من دعاة الدولة الأمنية الفريق السيسي بالخيانة، ولكن عندما يتحاور أو يتشاور بعض الشخصيات السياسية مع عدة الأحزاب التي جلست مع السيسي وشاركت معه في وضع خريطة الطريق ومن بينها حزب النور، ترى أنصار الدولة الأمنية يتهمون هذه الشخصيات، في الفضائيات وأمام الرأي العام، بأنهم خونة لأن الحوار مع النور خيانة، وكأنهم بذلك يريدون أن يكون قادة المؤسسات العسكرية والأمنية هم المسئولين عن الحوار فيما بين الأحزاب بالوكالة، بحيث يصبح الحوار بين الأجهزة والنور، أو أي حزب آخر، على حدة: حلال، والحوار فيما بين الأحزاب، وبالذات النور مثلاً: حرام، ومن ثم تنقل الأجهزة الأمنية وجهات النظر من هذا الحزب إلى ذاك، ويتولى الأمن بالتالي، ومن الناحية الفعلية، إدارة الحياة السياسية!.
تعرض حزبنا لمحاولات عديدة ومن خلال كل التكتيكات التي ذكرناها لمحاولات متعددة تهدف الى القضاء عليه، لكنه، ولله الحمد، صامد في مواجهة كل هذه المحاولات التي كان بينها ما تعرض له في إطار الهجوم على كل الأحزاب الديمقراطية باعتبارها “,”مش موجودة على الأرض“,” و“,”فاشلة“,”.. إلخ، وتعرض الحزب أيضًا لهجوم خاص بسبب مبادرة مجلس الوزراء التي عرفت بأنها مبادرة د. زياد بهاء الدين قبل أن يقرها مجلس الوزراء، وقد ذكرنا من قبل كيف أن هذه المبادرة كانت تهدف إلى التأكيد على خارطة الطريق لتفعيل المسار الديمقراطي وفقًا لمجموعة أسس ومبادئ تُعيد بناء المجال السياسي من خلال وضع شروط كفيلة باستبعاد الإخوان وتضييق الخناق عليهم وتكريس عزلتهم، وهذه الشروط التي وضعتها المبادرة تنص على أن المجال يتسع فقط لمن لم يشارك في ممارسة العنف، أو التحريض عليه، ويدينه، ويوافق على خريطة الطريق، وعلى الرغم من هذه الشروط تحرم الإخوان من المشاركة، إلا أن بعض الأصوات، وبعضها للأسف داخل حزبنا، الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، متأثرة في ذلك بالمناخ الذي ساعد على تكريسه دعاة الدولة الأمنية، ظلت تتعامل مع الأمر على طريقة “,”تقول تور.. يقولوا احلبوه“,” من خلال تأكيدها الدائم على رفض مبادرة زياد، ولاحظ عزيزي القارئ انها ليست مبادرة زياد وإنما مبادرة مجلس الوزراء!، لأنها تدعو للمصالحة مع الإخوان!، والطريف أن أغلب من يرددون ذلك يعلمون أن الفريق السيسي لم يوافق على المبادرة فحسب، بصفته عضوًا بمجلس الوزراء الذي صدرت عنه المبادرة، ولكنه تحمس لها ودعمها منذ اللحظة الأولى لطرحها، لكن دعاة الدولة الأمنية الذين يحلمون، عبر نفاق تعودوا عليه وبرعوا فيه، بتحويل السيسي إلى فرعون، على غير إرادته، أصروا على أنها مبادرة زياد وليست مبادرة مجلس الوزراء بمن فيهم الفريق السيسي !
التكتيك الآخر الذي استخدمه دعاة الدولة الأمنية لشق صفوف الحزب بدأ بإطلاق إشاعة أن أحدًا أو بعض قيادات الحزب جلسوا مع الإخوان سرًا للحوار حول الانتخابات القادمة، وأن هناك تسجيلات صوت وصورة لهذه اللقاءات، وبدأت الإشاعة بمكالمات تليفونية بين عدد من الإعلاميين “,”الملمسين مع الأمن“,” على حد تعبير من تلقى المكالمات، وعدد من أعضاء الحزب الذي يفترض انهم الأقرب الى تصديق هذه الإشاعة لأنهم الأكثر عداءً للإخوان، وقد حاولت الإشاعة أن تحقق أكثر من هدف بحجر واحد، من بين هذه الأهداف شق صفوف الحزب وإشاعة جو من عدم الثقة والشكوك المتبادلة بين القيادات، وأنا نفسي أعترف، وبكل أسف، أنني وقعت للحظة في فخ الشك المقيت وشككت بالفعل في أحد الزملاء القياديين الذين التقوا قبل فترة، بدون تفويض من الحزب، عددًا من قيادات تيار الإسلام السياسي وأعلن بعد ذلك أنه قام بهذه اللقاءات بشكل شخصي وليس حزبي وهو ما أثار في ذلك الوقت حفيظة بعض الزملاء، والطريف أن الزميل الذي ضبطت نفسي متلبسًا بالشك فيه كان هو نفسه من الذين اتصلوا به الإعلاميون “,”الملمسين“,” مع الأمن، على حد تعبيراته هو نفسه، للحديث عن شخص أو أشخاص قياديين في الحزب التقوا مع الإخوان !!
من بين أهداف الإشاعة أيضًا الإيحاء بأن الانتخابات ستتم بالفردي لأن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي قد يعقد صفقة مع الإخوان لكي ينزلوا على قوائمه!! تصوروا من بين 78 حزبًا سيعقد الحزب الذي يقوده أبوالغار وفريد زهران وعماد جاد وكامل صالح وأحمد فوزي وأشرف حلمي.. الى آخر هذه الشخصيات المعروفة بمواقفها ضد الإخوان، صفقة مع الإخوان !!
بالطبع لم يُصدق أحد من قيادات الحزب هذه الإشاعات الأمنية لأن أي شخص مهما بلغت درجة ذكائه أو غبائه يدرك أنه لا يوجد أي شخص في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي مهما علا شأنه ومقامه يستطيع أن يعقد صفقة مع الإخوان دون معرفة وموافقة كل قيادات الحزب وبالدقة هيئته العليا المكونة من 200 عضو، وأي شخص مهما بلغت درجة ذكائه أو غبائه يستطيع أن يدرك أنه من المستحيل أن يوافق “,”نفر“,” واحد من أعضاء الهيئة العليا على صفقة من هذا النوع .
على أي شيء استند مروجو الإشاعة إذن؟ أعتقد أنهم استندوا على فرضية تذهب الى أن هناك خلافات وتربصًا داخل الحزب ستدفع شخصًا أو أشخاص من الحزب لتصديق إشاعة غير منطقية بالمرة، لأنهم يرغبون في التصديق، للنيل من خصومهم مثلاً، ولأن هذه الأجواء غير موجودة في حزبنا، على الرغم من وجود خلافات نفتخر بوجودها لأننا حزب ديمقراطي، ولأن أحدًا في حزبنا لا يمكن أن يُعطي “,”أذنه“,” أصلاً لناس “,”ملمسين“,” مع الأمن (يعني ببساطة أمن) يتحدثون عن زملائه، لذلك كله فإن الأمر لم ينجح وإلا لكان سهلاً أن يطلق أي شخص إشاعة مستندًا على اتصالات مع الأمن تعتمد أسلوب الغمز واللمز على شخص ما أو مجموعة ما من خلال اتهامهم بهذه التهمة أو تلك .
جدير بي أن أذكر هنا أن صحيفة “,”إيجيبت إندبندنت“,” كانت قد نشرت أن د. أبوالغار التقى محمد علي بشر، وعندما سألني صحفي بخصوص الأمر لم أهتم أصلاً بسؤال د. أبوالغار، وإنما نفيت الخبر بكل يقين وثقة لأنني متأكد أن د. أبوالغار لن يفعل ذلك على الإطلاق إلا لو اتفق الحزب على ذلك ولأن مثل هذا الاتفاق لم يتم فالدكتور لا يمكن أن يكون قد التقى لا بشر ولا غيره، وكل الزملاء في قيادة الحزب بالتأكيد سيردون غيبة أي زميل من زملائهم إذا جاءتهم إشاعة من “,”ناس ملمسين مع الأمن“,” لأنهم يثقون في التزام زملائهم بنفس القدر الذي أثق فيه أنا شخصيًا في الدكتور أبوالغار .
حزبنا بخير لأن أحدًا لم يصدق هذه الإشاعات وأنا عن نفسي رغم اعترافي بالشك للحظة عندما سمعت بالأمر فقد أنهيت هذا الشك للتو وفي حينه بسؤال الزميل الذي شككت فيه، وكان حاضرًا للجلسة التي علمت فيها بالإشاعة، وعندما نفى الأمر اعتبرت الموضوع مُنتهيًا تمامًا، ولو كان أحد الصحفيين سألني قبل أن أسأل الزميل لنفيت الأمر أيضًا بثقة ويقين لأن الشك ما كان يمكن أن يطرح داخلي إلا بسبب وجود الزميل أمامي فلم أستطع منع نفسي من سؤاله، ومع ذلك أنا أُعلن عن اعتذاري له لأنني سمحت لنفسي بالشك .

لن تنجح الدولة الأمنية في النيل منا لأننا واعون لمحاولات إعادة الوطن إلى مستنقع الدولة الأمنية، ومن ثم إعادة الإخوان إلى المشهد لأننا جميعًا نعلم أن الدولة الأمنية هي حاضنة الإخوان المُثلى، وسنقاوم ذلك بكل قوة من خلال التمسك بخريطة الطريق ومبادرة تفعيل المسار السياسي .