الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

5 مشاهد من حياة الضائعين على أرصفة القاهرة

مغارة خطف الأطفال

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على أرصفة الحياة، فى الزحام، وسط ذلك الصخب المجنون، يتحول الألم إلى اعتياد، وتتحول الفاجعة إلى مشهد مألوف، تسقط كل احتمالات الدهشة، وتغيب مظاهر الفجيعة، وتحت وطأة التكرار القاسية تنزوى مفردات الاستنكار، فالقتل والعنف والاغتصاب والخطف أصبحت كلها «وساما وشارة» كما يقول شاعر مصر العظيم أمل دنقل، وهكذا نتحول جميعًا دون أن ندرى إلى أشباه بشر، وتتحول مآسينا إلى أخبار صغيرة عابرة على صفحات الجرائد أو مادة للاستهلاك اليومى على شاشات برامج التوك شو، ويتحول المجتمع إلى سوق كل شيء فيه معروض حتى براءة الأطفال، هكذا يخبرنا محمد عادل أو «محمد الأشقر» يواجهنا بحقيقتنا ويعرينا أمام أنفسنا ويتركنا كما تركناه دون ورقة توت.
إيمان فقدت بصرها بسبب التعذيب
محمد متسول بأمر النيابة
يوسف خسر حياته ثمنًا لجرعة مخدرات


1- محمد
محمد ليس نجمًا لامعًا، ولا لاعب كرة تتصارع عليه الأندية الكبرى. بدأت قصة محمد الأشقر بالشك فى سيدة تقوم بالتسول فى منطقة شبرا الخيمة، مع طفل دائم البكاء وملامح تبدو غريبة ولا تمت بصلة للسيدة التى تدعى أنها والدته، فقام أحد الأهالى باصطحاب السيدة إلى قسم شبرا الخيمة للتأكد من نسب الطفل للسيدة التى تدعى أمومتها له.
فى التحقيقات قالت السيدة إنها لا تملك بطاقة شخصية، بينما حضر شخص وادعى أنه زوجها وأنه والد الطفل، لكنه لم يستخرج له شهادة ميلاد، والغريب والصادم والمفجع أن النيابة أمرت باستخراج بطاقة شخصية للأم وشهادة ميلاد للطفل ينسبه إلى المتسولة وزوجها. بعد تسليم الطفل لأمه المفترضة «فاطمة»، عاودت التسول مرة أخرى مستغلة محمد لتستدر عطف المارة المنهكين، لكن أحد هؤلاء المارة، وهى السيدة «مى شندى»، فأصرت على اصطحابهما إلى القسم الذى أحالهما مرة أخرى إلى نيابة الخليفة.
تببن أن الطفل «محمد الأشقر» مختطف، وأن السيدة التى تدعى أمومته لا تمت له بصلة، وعلى الفور أصدر وكيل النائب العام بنيابة الخليفة قرارا بحبس المتسولة على ذمة التحقيقات، وتحويل الطفل للمستشفى للعلاج وإجراء تحاليل لبيان حالته الصحية، وإيداعه إحدى دور الرعاية، مع إمكانية إجراء تحليل «DNA» على نفقة الدولة للتأكد من النسب.

2- إيمان
إيمان لم تستطع أن ترى القبح الذى عشش فى أركان المجتمع المأزوم، لم تحتمل أن ترى الجلاد الذى انتهك جسدها الصغير وحول طفولتها إلى جحيم فأغمضت عينيها إلى الأبد، فلا حاجة لها بالنظر إلى أضواء خادعة ووجوه، فقدت إيمان البصر ليس فقط نتيجة للضرب والتعذيب الوحشى كما يؤكد تقرير الطب الشرعى، لكن ربما نتيجة غلظة القلوب وجفاف الروح وتشوه الوجدان، لم تستجب إيمان لأربع عمليات جراحية حاول خلالها الأطباء أن يعيدوا النور إلى عينيها، كما لو كانت ترفض أن ترى عالمنا القبيح أو تشارك فى مهزلة اسمها الحياة.
محمد عبدالحميد، تاجر سكندرى، هو من وجد إيمان وتحمل مسئوليتها، عمل متطوعًا كباحث اجتماعى فى دار الأيتام التى أودعت فيها بالإسكندرية حتى يستطيع متابعتها، بعدما فشل فى التوصل إلى والديها.
محمد لم يتوقف حزنه عند مأساة إيمان، بل صدمته الأوضاع المتردية للتعامل مع ملف أطفال الشوارع والأطفال المخطوفين أو الذين يتخلى عنهم أسرهم هربًا من مسئولية مادية أو عار اجتماعى.

3- هانى
من كرادسة إلى الحوامدية لنتتبع مسيرة الألم ونتعرف على حكاية هانى، حكاية لا تختلف فى ملامحها عن الحكايات السابقة، خطف ففدية فطفل قتيل وأهل لا يملكون سوى الوجع، لكن أهل هانى ما زالوا يرفضون تصديق ما جرى، فالأب يشكك فى تقرير الطب الشرعى الذى أكد وفاة هانى بعد العثور على جثته محترقة وبجوارها ساعة الطفل، لا يعترف الوالد بتحليل الـ«DNA» الذى أغلق ملف القضية، خاصة بعد الإفراج عن المشتبه به، وما زال الأب ينتظر عودة الابن الضائع أو عودة الضمير الحى إلى مجتمع يفقد كل يوم قطعة من روحه.

4- يوسف
يوسف (١٢ سنة) لم يلقه إخوته فى الجب، ولم تفتن به نساء مصر، يوسف لم يأخذ من قصة «النبى يوسف» سوى الألم، هو ابن وسيم لأب يعمل فى الخليج، مظهره يدل على ثراء أسرى ومقدرة على دفع فدية، لم ير فيه الخاطفون سوى وسيلة لجلب أمول لشراء المخدرات والإنفاق على الساقطات والولوج السريع إلى عالم الثراء.
ثلاثة شباب أصغرهم فى الرابعة عشرة وأكبرهم فى الثانية والعشرين، لوثت أفلام البلطجة عقولهم وطغت ثقافة التوك توك على وجدانهم، فقاموا بخطف يوسف، ولأن الطفل كبير نسبيًا فقد أبدى مقاومة شديدة، ما أثار فزع الشبان الثلاثة، فلم يسعهم إلا إسكات صوته إلى الأبد بعد ثلث ساعة فقط من احتجازه وطلب فدية تقدر بـ٢٠٠ ألف جنيه، كان الأب على استعداد لدفعها لولا عدم مقدرة الخاطفين على إثبات حياة يوسف، ليتم القبض عليهم بعد ٦ أيام، ويحصل المتهم الأول على حكم بالإعدام بينما يحصل شريكاه فى جريمة الخطف على السجن ١٠ و١٥، لكن الإعدام والسجن لن يستطيعا أن يعيدا يوسف لحضن أسرته المفجوعة.

5- محمود
إذا كنت من متابعى أخبار حى «كرداسة» فعلى الأرجح سوف تكون مهتما بأخبار الإرهابيين الذين استوطنوا الحى، أو متعاطفا مع ضباط القسم الذين قتلوا غيلة، أو فى أحسن الأحوال لعلك تكون مهتمًا بالسجاد اليدوى الذى اشتهر به الحى قبل أن تصيبه آفة الإرهاب، لكنك ربما لم تسمع عن محمود ابن السنوات التسع الذى اختطف بواسطة عاطلين طلبا فيه فدية ١٠٠ ألف جنيه من والده المزارع، وبالفعل قدم الوالد الفدية المطلوبة، ولكنه أثناء عملية تسليم المبلغ المالى استطاع أحد العاطلين الهرب ومعه محمود والمبلغ المطلوب، بينما ألقى القبض على أحد الأفراد الذى اعترف بالواقعة وأقر عن شركائه فى التشكيل العصابى المكون من أربعة رجال وسيدة.
لكن لم يتم القبض على أى منهم ولم يعد محمود إلى أسرته حتى هذه اللحظة، أما الأب لطفى، فما زال يناشد أصحاب القلوب الرحيمة عبر شبكات التواصل الاجتماعى، لعل وعسى يلتقيه أحد العابرين فى محطة للمترو أو على رصيف شارع مزدحم.