التقينا مع السيد رئيس الوزراء يوم الاثنين ٢٧ يونيو. كنا مجموعة من المثقفين والفنانين، وكان الموضوع هو طلبنا بإقالة وزير الثقافة بعد هذا الهجوم الرجعى منه على الوزارة، لتغييره قيادات ناجحة بقيادات لا تخلو من شبهة إخوانية وأحاديث منه ومن رجاله تضع الثقافة تحت طائلة الأزهر والفكر الوهابى.
لن أعيد ما جرى فى اللقاء، لكن المفاجأة كانت فى اليومين التاليين. ملأ الوزير شاشات التليفزيونات يدافع عن نفسه. كان واضحا أن هذا أمر مدروس للهجوم على خصومه، فإذا سكتوا انتهت القصة. لا بأس. لكن لنرى ماذا قال الوزير فى حديثه مع أحمد موسى فى قناة صدى البلد نموذجا على أحاديثه الأخرى.
■ اتهم الوزير الدكتور أحمد مجاهد أنه تسبب فى ضياع ١٢ مليون جنيه من عائدات هيئة الكتاب فى بيروت التى بلغت ١٤ مليون جنيه، وقال بالحرف إن الموضوع عند النائب العام. واتضح بعد ذلك أن الدكتور أحمد مجاهد نفسه هو من اكتشف هذا الأمر الذى تم عبر سنوات، قبل أن يكون رئيسا للهيئة وأنه ـ أحمد مجاهد ـ هو الذى طلب تحويل الموضوع إلى النيابة، وتأخرت الوزارة فى ذلك حتى وافق الدكتور جابر عصفور. بماذا تصف كلام الوزير؟
■ اتهم أحمد مجاهد أنه نشر كتابًا لسيد قطب تقربًا من الإخوان المسلمين فى الحكم، ولم يقل عنوان الكتاب تمويهًا طبعًا، لتظن أنه مثلا «معالم على الطريق» واتضح بعد ذلك أن الكتاب الذى نشره أحمد مجاهد هو رواية لسيد قطب ينكر الإخوان أنه ألفها ـ على فكرة سيد قطب أول حياته كان أديبا وناقدا ـ لأنهم لا يريدون أن يقولوا إنه كان أديبا، الرواية نشرت عام ٢٠١١ بتحقيق لشعبان يوسف والإخوان رفعوا قضية على الهيئة لمنع تداول الرواية وخسروها، والأمر كله قبل أن يصل الإخوان للحكم بعامين على الأقل. بماذا تصف كلام الوزير؟
■ أقصى أحمد مجاهد ظهر يوم لقائنا مع رئيس الوزراء مستبقًا الحدث، ولم يعين من كان منتظرا من الإخوان بدلًا منه، وجعل من حلمى النمنم رئيس دار الكتب منتدبًا لتسيير أعمال هيئة الكتاب.
طيب حتى لو لم يكن لديك أحد من الإخوان بينما الكل يعرف أن لديك وأنك أخرت ذلك لأن تهمة الإخوان لابسة من تُعدّه لذلك. أقول حتى لو لم يكن لديك ذلك فلماذا تقيل شخصا ناجحا وتأتى بشخص لتسيير الأعمال؟ يعنى لا جهد ولا مبادرات جديدة.
المهم إخلاء المكان حتى لو تأخر الإخوانى الذى كان معدًا لذلك، طبعا سيتأخر الإخوانى الآن كثيرا وربما يأتى بغيره!
■ اتهم الدكتور أنور مغيث أنه نشر كتابا مترجما لكاتبين فرنسيين عن الثورة المصرية، وفيه إساءة للجيش وكلمة غلاف لعلاء الأسوانى كأن الأسوانى كافر مثلا. ما علينا. المهم اتضح أن الكتاب تم التعاقد عليه عام ٢٠١٢ قبل أن يكون أنور مغيث رئيسا لمركز الترجمة، والتعاقد يعنى أن المؤلف حصل على حقوقه والمترجم ودار النشر الأجنبية، وكل ما فى الأمر أنه فى مقدمة الكتاب عبارة أن الجيش تورط أحيانا ضد الثوار كما حدث فى مذبحة ماسبيرو.
■ اتهم الدكتور أنور مغيث، أنه أصدر ٤٠٠ كتاب لكن التوزيع ضعيف ومن ثم فهذه خسارة للوزارة، ولم يقل لماذا يكون التوزيع ضعيفا، وهل هذه مسألة تخص أنور مغيث أم دولاب العمل فى الحكومة وهل هى جديدة. وهو أكيد يعرف أنها قديمة قِدم المركز القومى للترجمة نفسه، وتحتاج علاجا غير حكومى فى توزيع الكتب.
■ بعد أن اتهم أنور مغيث بذلك، أعلن أنه سيوزع الآلاف المؤلفة من حقائب الكتب، وبها أيضا كتب من المجلس ومن وزارة الأوقاف ـ هذا هو المهم ـ ومجانا على الناس فى محطات السكة الحديد وغيرها ولم يقل له أحد كيف تهدر الملايين بمزاجك وتعاقب أنور مغيث على قلة التوزيع بحجة أنه سبب خسارة. رئيس مركز الترجمة ليس فى صلاحيته توزيع الكتب مجانا. هذا قانون. لكن الوزير لديه الصلاحية بالقانون. إذن يهدر هو الكتب وملايين الجنيهات فهذا حلال!.
■ قال إن توزيع الكتب سيترتب عليه أن من يأخذها يكتب عنها ملخصات للوزارة، ولا أعرف كيف، سيوزعها فى محطات السكة الحديد وسيسافر الناس، فهل سيجعلهم يوقعون على إقرارات بتلخيص الكتب مثلا؟ مصير هذه الكتب فى أكثرها سيكون أن يتركها من أخذها على مقعد القطار ربما باستثناء كتب الأوقاف.
■ قال إنه عيب أن يكون بوزارة الأوقاف آلاف الوعاظ والشيوخ ولا تستفيد بهم قصور الثقافة، وهو طبعا لا يعرف أن قصور الثقافة ليست مغلقة أمام أحد، وخاصة إذا كان مهمًا ومفكرًا، لكن آلاف الوعاظ يعنى انتقال المساجد إلى بيوت وقصور الثقافة. يحدث هذا فى الوقت الذى تعانى فيه وزارة الأوقاف من كثير جدا من رجالها الوهابيين الإخوان الفكر والعقيدة والأزهر عموما. المهم أن وزارة الأوقاف والأزهر يتمددان فى قصور الثقافة الممتدة عبر البلاد.
■ قال إنه سيقوم مع الأوقاف بمحو أمية مليون مواطن، ولا يدرى أن العاملين فى قصور الثقافة أهل فن وأدب، وأن محو الأمية له جهاز حكومى كبير تابع لمجلس الوزراء، يمكن أن تتعاون معه الأوقاف مباشرة وبه متخصصون، لكنه طبعا يتصور أنه سيحول موظفى قصورالثقافة من رعاة الأدب والفن إلى مدرسى محو أمية واقفل ياعم علي الثقافة والفن.استهداف مليون مواطن لمحو أميتهم يعنى انشغال جميع الموظفين بالأمر.
■ قال إنه بمناسبة افتتاح قناة السويس، ستقوم قصور الثقافة بالعروض الفنية مجانا فى البلاد، وهى تفعل ذلك بوجود القناة أو غيرها ومجانا أيضا دائما وقليل جدا من القصور هو من يملك فرقًا مسرحية. كان عليه أن يبحث كيف يمكن تقويتها وانتشارها. بدلًا من الضحك علينا.
■ قال إنه سيبنى قصور ثقافة جديدة فى أماكن محرومة، وهذا حقه طبعا لكن لم يقل لنا ماذا تفعل البيوت والقصور الثقافية فى المناطق غير المحرومة وكيف سيحولها إلى منابر دينية؟.
■ قال إنه سيقيم مسابقة فى الفنون التشكيلية عن القناة اتضح أنها بعد شهر من الافتتاح، بينما هو فى الوزارة منذ أربعة أشهر، وكان يمكن أن يعلن عنها منذ شهرين مثلا، ومن يريد التقدم لها يذهب ليعيش وسط العاملين بالحفر، أما بعد انتهاء المشروع فمن يذهب لن يرى إلا سفنًا عابرة ولا حكايات ولا مواقف للبشر. ويمكن لأى فنان أن يرسم يوم الافتتاح ولا أكثر وهو جالس فى مرسمه. لماذا لم ينتبه هو ولا غيره؟ كان مشغولا بإقصاء القيادات الناجحة ولا تعنيه القناة فى كثير أو قليل.
■ شغل ساعة من الوقت نصفها اتهامات غير حقيقية كما أوضحت فى مقدمة المقال ونصفها الآخر أى كلام.
والآن هل لديكم وصف لما قاله. بماذا تسمى ما قاله يا رئيس الوزراء؟. كل هذه المعلومات غير الحقيقية هى أى كلام الغرض منه تشويه الناس وشل الحركة الثقافية، وتغيير وجهتها بحجة مقاومة الإرهاب. لا يعرف حتى أن أول وآخر طريقة لمقاومة الإرهاب هى أن تقوم بعملك. تقدم فنونا وآدابا رائعة تجعل من المتفرج مواطنا سعيدا. لا أن تأتى بوعاظ هم من صنعوا الإرهاب بأفكارهم.
وفى النهاية هذا الحديث موجه للقارئ نعم وموجه إلى رئيس الوزراء ليرى أن هجوم وزيره لم ينفع.
