السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الأغاني الممنوعة لـ"الأبنودي" عن المسيح وبشار الأسد

 كتاب «الأغانى الممنوعة
كتاب «الأغانى الممنوعة للأبنودي» المؤلف: محمد العسيرى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتاب «الأغانى الممنوعة للأبنودي» المؤلف: محمد العسيرى دار«كلمتى للنشر والتوزيع»
قبل أن تدخل كتاب «الأغانى الممنوعة للأبنودي» للكاتب الصحفى محمد العسيرى ستتوقف قليلًا عند تقديم عمله الجديد.
يقول في الإهداء:
«إلى صلاح جاهين
وأربع ايدين ع الفطار
وبيشربوا الشاى باللبن
ليا.. ولغنوتى المستحيلة».
هل هو الغرور إذن؟.. يدفع كاتبًا إلى إهداء كتابه إلى نفسه، أم شيطان الشعر الذي يطارد أصحابه فلا ينتهى منهم إلّا ضحايا تحت عجلات الحنين، و«العسيري» شاعر أغوته الصحافة فاختار أن يستقرَّ في مهنة لا تحب الشعر، والشعراء، وتكره الحياة.
يمكن أن تضع الكتاب جانبًا وتمضى في طريقك إلى الكاتب.. نحن أمام شاعر يحمل في قلبه بذرة نبيّ خابت دعوته، وضلّ سعيه، يؤسس لعلاقة خاصة مع «الأبنودي» الذي إن لم يكن يريد أن يصبح مثله تماما، فقد حاول أن يأخذ نفحة من شعره، وكلامه، وأغنياته، إذ أنه ابن «الصعيد» الذي أتى منه، وفى أوساط ضيقة يقولون له «يا خال» أيضًا.
زاره في منزله في شارع إبراهيم الليثى بالمهندسين، حيث قابل «عبرحمن» نفسه لأول مرة، وحاوره ليكشف عن وجهة نظره في العالم والناس والحب والحياة والموت.. لكنه لم يخلع عن نفسه وعن روحه ثوب الشاعر، بل اقترب منه متحسّسا طريقه بحذر، ممسكًا بخيط رفيع استطاع أن يكتب به «الأبنودي» من زاوية أخرى.
هذا ما يقوله «العسيري» صارفًا كل مجهوده في البحث والأرشيف والتأريخ خلال صفحات كتابه «الأغانى الممنوعة للأبنودي» الذي يمكن أن تعتبره مذكرات موازية لمذكراته «أيامنا الحلوة».
«نعم هناك سيرة لم تنشر عن ذلك الشاعر الكبير الذي ظلّ في المقدمة ٥٠ سنة كاملة.. يكتب ما يشاء.. وما يقتنع به.. أحب عبدالناصر واختلف مع نظامه.. عرف السادات واختلف مع نظامه وكتب وغنى لنصره الكبير في أكتوبر وكتب فيه واحدة من أعذب القصائد التي تدينه وتدين عصره وتمجد قاتله (كل القضاة زايلين والمتهم خالد).. نعم هناك سير أخرى للأبنودى لم نكتشفها بعد.. وإحداها حاول صاحب هذه السطور أن يقصها في حياة الرجل وبموافقته، لكن الأجل عاجلنا، قبل أن تكتمل.. سنحاول قراءة الخال من موسيقى أغنياته وحكاياتها، متى كتبها وكيف ومع مَن؟».

حلم وعقدة كل لاجئ فلسطينى في الشتات جواز سفر يحمله إلى أرض لا تضيق به، نظام «السادات» حرمه منه، وحرم «الأبنودي» من غنوة «المسيح» التي كانت خطابًا مفتوحًا إلى أحرار العالم للتضامن من أولاد «بيت لحم» من ألحان بليغ حمدي.. لكن صوت محرم فؤاد كان ممنوعًا من الوصول بأمر الرئيس.

يقول «العسيري»:
صرخ الأبنودى بصوت محرم بخطابه المفتوح هذا من زمن بعيد.. لكن أحدًا لم يجبه.. فقط أجابته غارات الصهاينة عام ٢٠٠٢ على مبنى هيئة الإذاعة الفلسطينية لتقصف من بين ما قصفت هذه الأغنية التي كانت تصرخ من الضفة عسى أن أحدًا يسمع.

لقد قفز «الأبنودي» من كل المراكب الغارقة في اللحظة المناسبة.
على فرزان قصة من قصصه الحزينة.. قطعوا له أصابعه لكى لا يرسم شخابيط كاريكاتير تهز كرسى بشار الأسد، وتؤرق نوم زوجته.. يد «الرسام العظيم» ثمن رخيص لراحة رئيس يتساقط الآن.. شاهد بعينه من سرير مرضه في المجمع الطبى العالمى عربيًا مطاردًا من نظام عربي، وليس عدوه الصهيوني، لم يتصور أنهم سيقتلون مغنيًا ثم يخرجون بحنجرته من جسده الميت ربما تغنى بعد سلخه مرة أخرى.
يقول «العسيري»: «كتب الخال عن (عيون الوطن) التي شبعت دمعًا ودمًا، وغنى على الحجار خطابًا جديدًا لأحرار العالم بقلم الأبنودي.. منعته حكومة سوريا قطعًا.. والأغرب إن الرقابة في مصر منعته أيضًا ولكن لسبب طريف هو أن تنازل الملحن وصل عبر الإيميل (ليس مكتوبا ومسلما باليد).. وهذه وثيقة لا تعترف بها وزارة الثقافة في مصر.. فاضطر الحجار إلى أن يصدر أغنيته على الإنترنت:
ارسمها ع الجدارية وع البيبان
وانقشها على ورق الشجر.. في الريف
اروى عطش كل اللى بات عطشان
وادفع تمن ما اخترت تبقى شريف».
جلس عبدالحليم حافظ إلى عبدالرحمن، طلب منه «أغنية تكون شقيقة موال النهار»، خرج الأبنودى من عنده، واختفى في حضن الورق والسجاير، ظهر فجأة، سأله «عبدالحليم»: «كنت فين؟».. والإجابة: «في السويس».. ثم أخرج من جيبه ورقة تحمل عنوانا كبيرا «المسيح»..
سمع «حليم»، لحّن «بليغ»، ذهب العندليب لتسجيل الأغنية لكن المسئولين خافوا من «الأزهر»، ركب سيارته، وذهب إلى المشيخة طالبًا موافقة مكتوبة ومختومة على «الغنوة».. رفضوا.. لماذا؟.. لأن النصّ يشير إلى «صلب المسيح».
حلو الكلام؟.. لا.
وقف «الأبنودي» في بلكونة الاستوديو منتظرًا تليفونا سوف يرنّ حالًا من «حليم».. أخبره بأن مشايخ «الأزهر» اعترضوا.. غيّر الكلمات من «صلبوا» إلى «خانوا».. فوافق الشيوخ بشرط.. «لا يغنى عبدالحليم الأغنية في مصر».
ظلَّت أغنية «المسيح» ممنوعة لسنوات في القاهرة، وإن سمعها الجميع على إذاعة «بي.بي.سي».. فلا أحد يستطيع أن يمنع الكلمة.. نور الله على الأرض.