الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كاتب مصري يتهم "الغزالي" و"هويدى" بقتل فرج فودة

الدكتور فرج فودة
الدكتور فرج فودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل نحتاج مقالا أو نفحة من مفكر مصرى نستدل بها على أن فهمى هويدى يميل إلى الإرهاب ولا يقف ضده.. ولن يقف أبدا.. إنه جزء منه بل ورم سرطانى داخل كيان الإرهاب المنتفخ فى هذا البلد.. وهل كان اغتيال فرج فودة يحتاج إلى إشارة أو دلالة من أحد إلى أن الشيخ الغزالى حرض على قتله وأفتى به صراحة؟
بالطبع لا.

هذه شهادة التاريخ وهى أيضا شهادة ستظل طوال عمر هذا البلد.
شيخ وصحفى إسلامى حرضا على قتل مفكر.. من يقول ذلك؟
الكاتب الدكتور غالى شكرى يروى الواقعة بالتفصيل فى كتابه «ثقافة النظام العشوائي»
يتهم -دون مواربة- «هويدي» و«الغزالي» بقتل فرج فودة.


من لا يخاف الشيخ الغزالى؟
فوجئت بالدهشة التى وصلت أحيانا إلى درجة الصدمة عند الكثيرين من فتوى أو شهادة الشيخ محمد الغزالى أمام محكمة أمن الدولة فى قضية اغتيال الدكتور فرج فودة.
لم تدهشنى الفتوى أو لم تصدمنى الشهادة، لأن الشيخ الغزالى لم يقل شيئا جديدا أو لم يصدر فى كلامه عن موقف جديد، لم يقل شيئا جديدا، فقد سبق له فور اغتيال الكاتب الراحل أن برّر عملية القتل بما وصف به فرج فودة من كفر وارتداد، ولم يصدر عنه موقف جديد، لأن الرجل له مواقف مشهودة منذ خمسة وأربعين عاما حين أصدر كتاب «من هنا نعلم»، ردا على كتاب خالد «من هنا نبدأ».
ولكن الشيخ الغزالى رجل ذكى، فهو يستطيع أن «يتمايز» عن غيره فى الوقت المناسب بالظهور وكأنه إمام المعتدلين حين يصدر كتابا أو آخر يبدو فيه كما لو أنه من المتحررين المجددين وهو الأمر الذى سمح له فترة طويلة أن يكون أحد «أقطاب الإجماع» بين مشايخ آخرين لهم بعض صفاته.
أما الشيخ الغزالى والشيخ عمارة فهما لا يكفان عن تأييد الدعوى المسماة إعلاميا بالتطرف فى المنابر التى يكتبان فيها أو يخطبان، وكان الشيخ عبدالصبور شاهين هو «بطل» الفضيحة الجامعية الخاصة بنصر أبو زيد، هذه هى المواقف الحقيقية، أو الوجه الآخر للعملة، فوجهها الأول يستهدف كسب حماية الدولة، وربما كانوا فى ذلك يعبرون عن قطاع من أجهزتها، والوجه الآخر هو ممالأة جماعات «التطرف» والتعبير عنها، وربما كان الوجه الأصدق فى التعبير عن النفس، وأيضا عن قطاع فى الدولة وأجهزتها، ولكنهما فى النهاية وجهان متلازمان حتى يضلُ المرء بينهما، فأين الاعتدال وأين التطرف؟
غير أنه فى اللحظات الحاسمة يغدو «التطرف» هو الاختيار الوحيد، وهكذا كان الأمر فى يناير ١٩٩٢ حين احتشد آلاف المتطرفين والإرهابيين فى ساحة المعرض السنوى للكتاب يستمعون ويصفقون للشيخين الغزالى وعمارة وهما يتهمان فرج فودة بالخروج على صحيح الدين، وفى تلك الليلة بالضبط، اتخذت إحدى الجماعات قرارها بتصفية الكاتب الأعزل تصفية جسدية، وحين تمت هذه التصفية لم يتورع الغزالى عن تبرير الاغتيال.
جوهر الأمر هو سلطة التكفير التى أعطاها المشايخ لأنفسهم، ثم أعطوها بدورهم لأى مسلم يرى فى هذا الشأن أو ذاك منكرا يجب تقويمه باليد، هذا على الرغم من الآن الإسلام هو الدين الذى لا يعرف الكهنوت، وليس فيه لله وكلاء ما يربطونه على الأرض يكون مربوطا فى السماء وليس فيه تراتبية لسلطة دينية،
وبموجب سلطة التكفير المستجدة عمليا، والكامنة فعليا فى كتاب «من هنا نعلم» للشيخ الغزالى كان الرجل صادقا مع نفسه إلى أبعد الحدود حتى أفتى غداة اغتيال فرج فودة بأن «الشباب نفذوا الحد فى المرتد»، وكان من المستحيل أن يتناقض مع فتواه الأولى حين طلب إليه الدفاع عن أولئك الشباب سماع شهادته، فجاءت فتواه الثانية تأييدا للأولى، وهو أمر طبيعى إلى أقصى الحدود، فلماذا الدهشة التى وصلت أحيانا إلى درجة الصدمة؟
لأن صورة الشيخ المعتدل كانت قد أضلت الناس، والغزالى ليس فردا، بل هو أحد رموز تيار كامل متهم ظلما بالاعتدال، فالحق أن الألف تؤدى إلى الياء كما قال خروشوف قديما لعبدالناصر عن العلاقة بين الاشتراكية والشيوعية، هكذا الأمر تماما فى الإسلام السياسي، فالبداية القائلة بالدولة الدينية لا بد وأن تفضى إلى الإرهاب باسم الدين، لا حل وسطا بين الدولة المدنية والدولة الدينية ولا شوط فى هذا الطريق يتوقف عند المنتصف، بل لا بد لمسيرة «الجهاد» أن تبلغ غايتها، هذا هو درس التاريخ فى كل العصور وكل البيئات وكل الأديان.
وقد كان الشيخ الغزالى فى فتواه الأخيرة ممثلا لتيار كامل ومخلصا لتاريخه الشخصى وتاريخ جماعته الأولى والأخيرة أيضا.
وربما كان العنصر الإيجابى الوحيد فى هذه الحكاية التى لم تهدر دماء فرج فودة وحده بل دماء الغالبية العظمى من المثقفين المصريين، بل إنها إشارة البدء لحرب أهلية، هى أن هذه الفتوى أو الشهادة قد نزعت بصدمتها المدوية للضمير العام قناع الاعتدال عن الوجه الحقيقى المسمى إعلاميا بالتطرف.

"هويدي".. كل وجوه التطرف
بين أقنعة الاعتدال ووجوه التطرف

تعد حاشية الأستاذ فهمى هويدى على ما دعاه بشهادة الشيخ الغزالى فى قضية اغتيال الكاتب الراحل فرج فودة استكمالا موضوعيًا لهذه (الوثيقة) الخطيرة فى تاريخنا الفكرى والسياسى المعاصر.
وما زال رأيى أن فهمى هويدى رجل هادئ الطباع هادئ القلم.
والهدوء أسلوب فى الفكر والحياة، يعنى أن الإنسان الذى يتمتع به لا يتخذ قراره أو يبلور وجهة نظره إلا بعد طول تدقيق وروية. هذا هو نوع الهدوء الذى يتمتع به فهمى هويدى فى جل إن لم يكن كل ما يكتب.
وبينما كان المطلوب دائما من بعض المشايخ كالشعراوى والغزالى وغيرهما أن يصدورا بيانا بإدانة العنف وتبرئة الإسلام من أوزاره فقد كان لمفعول دائما هؤلاء الشمايخ أنفسهم عكس ذلك تماما فى برامج الإعلام والمساجد على السواء.. كان الشيخ الشعراوى يستطيع الظهور فى إعلانات الصحف مباركا لشركات توظيف الأموال وكان يستطيع فى التلفزيون أن يغمز ويلمز عقائد الآخرين وكان يستطيع أن يجهر بأنه عام ١٩٦٧ فى الجزائر سجد لله ركعتين شكرا على الهزيمة.. وكان الشيخ عبدالحليم محمود يسطيع أن يفتى بانتفاء الضرورة لبناء الكنائس وضرورة قتل فرج فودة وكان الشيخ محمد عمار يسامح طه حسين على كتابه فى الشعر الجاهلي، ويهدر دم لويس عوض على آرائه فى جمال الدين الأفغانى، وكان الشيخ عمر عبدالكافى يدعو إلى عدم مصافحة المسيحيين.
وجاء فهمى هويدى ليقول إن ما قاله الشيخ الجليل ليس فتوى بل شهادة وان للفتوى وهو مثقف إسلامى كبير أصولها وان للشهادة وهو دارس للقانون أصولها وان ما طلب من الشيخ هو الشهادة وليس الفتوى.
واضاف أن الغزالى فى المحكمة كان يرد على أسئلة المحامى لا أكثر ولا اقل وأن هذه الأسئلة قد صيغت على نحو يحتم الإجابة عليه بما قال الشيخ لا اكثر ولا اقل، واعترف أن الكاتب الحاد الذكاء قد خانه التوفيق فقد افترض عدة فروض من بيينها أنه يلقى محاضرة فقهية لجمهور الأكاديميين ثم افترض أن هذا الجمهور لا يدرى شيئا عن القضية التى ذهب من أجلها الغزالى إلى المحكمة، وافترض أخيرا أن هذه القضية مجرد مثل أكاديمى للتدريب فهمى ليست قضية حقيقية بل قضية رمزية مجردة لا علاقة لها بالزمان والمكان.
وهى افتراضات للأسف غير دقيقة فالكاتب يعلم أنه يخاطب جمهورًا واسعًا من قراء أكبر صحيفة مصرية وإن هذا الجمهور يعلم أن المجنى عليه فى هذ القضية كاتب معروف هو فرج فودة، وأن هذا الكاتب لم يتهم من أية جهة قضائية أو دينية رسمية بالكفر أو الارتداد وأن حكما من ولى الامر أو من ينوب عنه لم يصدر بإعدامه، كذلك فالكاتب يعلم أن الشيخ الغزالى يعلم أنه غداة اغتيال فرج فودة برر قتله صراحة وأن محامى المتهمين لذلك لم يطلب الشيخ الغزالى مصادفة وأنه كان يثق بأن شهادة الرجل لن تخرج عن منطوقه السابق وأن هذا المحامى البارع يسأل الشاهد أسئلة مجردة فى محكمة مجسدة أمامها جريمة قتل ومتهمون معترفون وقانون وشهود آخرون.
وأن هذا المحامى البارع لا يريد من الشيخ سوى التجريد، وعلى المحكمة التجسيد إذا كان إسلامها من صحيح الدين.
ليس على المحامى من حرج كما يعرف فهمى هويدى من دراسته للقانون ولكنه بدلًا من أن يستخلص ما استخلصه اغلب المصريين من شهادة الغزالى باعتبارها عمليا فتوى أباحت قتل فرج فوده وأتاحت للقاتل الافتئات على سلطة ولى الأمر فإنه اكتفى بلفت الانظار إلى المحامى الملعون تماما كما فعل مع الشيخ عبدالكافى فقلب الحقائق رأسًا على عقب لافتًا الانظار إلى الصحافة الملعونة.

ماذا نسمى هذا الدور؟
لم يمسك فهمى هويدى ورقة واحدة من الأوراق السرية أو العنية للجماعات المسماة متطرفة ليسلط عليها أضواء النقد والمراجعة ولا تكلم عن الإدانة وإنما هو يترصد كل ما يكتبه خصومهم للتشهير بهم وأحيانا تكفيرهم.
لم يتوقف مرة واحدة عند فكر الإرهاب وكأن الإرهابيين آلات إلكترونية مبرمجة من الخارج بلا تفكير محلى وإنما هو يبحث فى الجذور البعيدة والأسباب العميقة والمصادر الخارجية وكأنها كلها أو بعضها تبرر القتل وتضاعف الجريمة.
وينصب نفسه محاما أمينا عن أفكار المعتدلين الذين يهدرون الدم ويشيعون الدمار بفتاواهم وشهاداتهم ودروسهم فى السر والعلن، فإذا كان هذا هو الاعتدال قبل بناء دولتهم فماذا سيكون الأمر إذا تولوا مقاليد السلطة؟