الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عادل عصمت.. يرسم الحكايات ويكتب الوجوه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعيدًا عن ضجيج العاصمة وأضواء حفلات التوقيع وفزاعة الأكثر مبيعًا وصك الاعتراف بقيمة الجوائز المادية.. كتب الروائى عادل عصمت رواية «حكايات يوسف تادرس» الصادرة عن دار الكتب خانة للطباعة والنشر.هي بلورة سحرية نرى فيها وقائع نحو ستين عامًا عشناها من قمتها إلى الانزلاق في منحدراتها المخيفة.
ولد «يوسف تادرس» في زقاق من أزقة مدينة طنطا. وما بين المولد وقرار الهجرة لأمريكا عاش الحياة التي ندخل إليها من باب طفولته: «في ذلك الوقت لم أكن أميز اختلاف الدين إلا على أنه اختلاف الملامح والعائلات والأسماء، لا يمكن أن يكون للناس نفس الاسم أو الملامح، وهكذا الدين».
«هذا المناخ أتاح لنا أن نتشارك الحياة تقريبًا. الأبواب مفتوحة يمكن أن تدخل من أي باب وتأكل في أي مكان، وفى المساء تمتلئ صالة بيتنا بالنساء والبنات والأولاد لمشاهدة المسلسل».
وفى مدرسته الابتدائية الحكومية يلتقى بمدرسة الرسم «مارى لبيب»، «ذات يوم أعطتنى مارى كرأسة رسم، وعلبة ألوان... وقالت لى ارسم ما تشاء، لا تخف». 
وفى قصر ثقافة طنطا يكتشف الضوء ويتعرف على النسب بين أعضاء الجسد «في غرفة الرسم في قصر الثقافة وجدت أشواقى جسدها». ووقعت النكسة أول المنحدرات بين زمنين ليبدأ.
ويفشل في تحقيق أسطورته الذاتية بالدراسة في كلية الفنون الجميلة لأن الدراسة بها باهظة التكاليف يتركها ويلتحق بكلية الآداب ويتخرج ويعمل مدرسًا للغة الإنجليزية «عندما تدخل فصولا مكسرة الدكك، وترى زجاج النوافذ مثقوبًا، يحمل أثر الطوب الذي قذف به، والحوائط غابت تحت غلالة من عبارات الذكريات وإعلانات العصابات ورسائل الحب، وشباب شهواتهم تحت جلودهم مباشرة، شهوات الحب والعراك، تبدو لك المسئولية تجاه تعليمهم أمرا عبثيا.. كان همّ الشباب أن ينتهوا من الدبلوم حتى يسافروا إلى أي دولة عربية، فكرة السفر سيطرت على الناس كلها في الثمانينيات».
«وفى منتصف التسعينيات، أصبحت أغلب البنات محجبات وبدأ الفرز».. «أشم رائحة الخوف هذه الأيام كثيرًا، كلما صعدت الأتوبيس ووجدت عدد المنتقبات يزيد». ويقرر اللحاق بابنه المهاجر إلى أمريكا. 
ولأنه وفى ركن خفى من نفسه أراد البقاء والخلود على هذه الأرض، أودعنا حكايته أو سيرته وأسطورته، وجعل ممن يسمعها شاهدًا عليها. 
وقد قرر الكاتب أن يكون المستمع مجهولًا. كان «يوسف تادرس» يحكى الحكاية لنفسه ولروحه التي لن تغادر معه والتي سيتركها لنا في قلب الحكايات: «سأتركك وحدك هنا تمشى في تلك الشوارع الكالحة... بربك، قل لى، متى سيطال النور هذه البلاد».
دخلت مع الكاتب عوالم مبنية تفاصيلها الدقيقة على المعرفة بها. عالم الفن التشكيلى، عالم الكنيسة من باب مشغل السجاد. ويضىء الكاتب مناطق مجهولة في العلاقة بالدين سواء الإسلامى أو المسيحى، ويكشف هزيمة الأحلام أو الأسطورة الذاتية التي لم تتحقق. هي رواية من الروايات الكبرى الفارقة لمن يدخل تجربة قراءتها.