رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

قنبلة السلفيين الموقوتة تنفجر بعد انتخابات "الدعوة"

أخطر تقرير يحقق خلف الإطاحة بـ"معارضى برهامي"

 الدكتور ياسر برهامي
الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«السرطان الإخواني» تغلغل داخل «الكتلة السائلة» للتيار.. انشقاقات داخل الصفوف.. وهروب الشباب لـ«الجهاد فى سوريا»
لا نستطيع أن نمرر نتيجة الانتخابات التى جرت قبل أيام فى الدعوة السلفية، والتى انتهت باستبعاد قيادات ومشايخ من مجلس «إدارة الدعوة» وحتى قياديى الصف الأول، بسبب رفضهم النهج السلفى فى التعامل مع الواقع السياسى المصرى عقب إطاحة مرسى، وهى القيادات التى وصفها الرجل القوى فى المدرسة السلفية العلمية بالإسكندرية بأنها «إخوانية».
على رأس من أقيلوا من مجلس شورى الدعوة، النائب الثانى سعيد عبدالعظيم، ومحمد يسرى إبراهيم، رئيس مجلس الشورى العام، والشيخ على غلاب، ورجب أبوبسيسة، وسعيد السواح، وحسين العفانى، والشيخ سعيد حماد، فيما احتفظ أبوإدريس، قيّم الدعوة، بمنصبه كرئيس لمجلس إدارة الدعوة، وبرهامى بالنائب الأول له.
كانت الدعوة السلفية قبل الانتخابات التى جرت قد انقسمت إلى جبهتين، الأولى يقودها النسخة المكررة من رجل الإخوان خيرت الشاطر، الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة، ومعه الشيخ شريف الهوارى، رئيس المكتب التنفيذى للدعوة، والدكتور عبدالمنعم الشحات، الناطق باسم الدعوة، فيما يقود الثانية المقربة من جماعة الإخوان، النائب الثانى سعيد عبدالعظيم، وهى الجبهة الرافضة لسياسة برهامى فى الانخراط بالعمل السياسى بما يتماشى مع «خارطة الطريق» المرفوضة من قبلهم، وهم من جاهروا باتهامه أنه عميل لأجهزة الأمن، هو وعبدالمنعم الشحات.
وشهدت المدرسة السلفية سرطانًا إخوانيًا تغلغل داخل الكتلة السائلة للجماعة، ما أدى فيما بعد إلى انشقاقات متعددة من قيادات وأفراد ومنهم الدعوة السلفية بمدينة الحمام بكفر الشيخ التى انفصلت بالجملة، وعلى رأسها الشيخ محمد جويلى، فيما انسحب من المشهد أو حاولوا أن ينسحبوا، على سبيل المثال، أحمد النقيب، أحمد حطيبة، ما حدا بالدكتور محمد إسماعيل المقدم، مؤسس الدعوة السلفية بالإسكندرية، أن يصدر بيانًا قال فيه: إنه بدون وحدة كلمة الدعوة السلفية والإخوة السلفيين فى كل الأماكن لن يبقى لنا أى وزن، وإن التشتت فى مثل هذه اللحظات الحرجة جدًا يهدد كيان الدعوة السلفية.
وانسحب عدد كبير من كتلة الشباب السائلة، إما إلى المشاركة فى الفعاليات الإخوانية، أو الانضمام إلى حزب الوطن، أو الهجرة إلى الجماعات المسلحة بسوريا، بينما اختار عدد كبير من الشباب، الذين يتبنون خطابًا متطورًا، الانعزال تدريجيًا عن المشايخ الكبار الذين يتمسكون بالخطاب السلفى الكلاسيكى، وكان هذا كله تعبيرا عن تأثير العمل السياسى على التيار بالجملة، (المعروف أن التيار السلفى هو تيار فقهى قديم بعمق التاريخ الإسلامى، فى مواجهة تيار التجديد، أما الإخوان فهم تيار سياسى، وتحول التيار من فقهى إلى سياسى يؤدى إلى خلخلة بنيوية ضخمة).
الأهم الذى نريد أن نؤكد عليه، أن تحول المدرسة السلفية للعمل السياسى فجأة، فجّر الخلافات وجعلها تجرى على أرضية سياسية، وحاول البعض تعيين المساحة الفاصلة بين الحزب وحاضنته الدينية والاجتماعية (الدعوة السلفية) لكنهم فشلوا، وتعمقت الأزمة بعد ٣٠ يونيو، حيث انطلقت مواقف برهامى وأعوانه من محاولة الابتعاد عن الهامش بأى ثمن، واعتقدوا أن الدولة تريد صنفًا من التيار الإسلامى، وفصيلًا دينيًا من أجل منحها الشرعية، وهذا ما لا يمانع حزب «النور» فى أن يؤديه كواجهة إسلامية للوضع الجديد.
وبنت المدرسة السلفية حساباتها السياسية طيلة المرحلة الماضية على عدة أمور: أولها أن الضربة الأمنية الراهنة ضد «الإخوان» من شأنها أن تدفع بهم إلى محنة جديدة تستنزف إمكاناتهم وقدراتهم التنظيمية والنفسية والتعبوية، ما يجعل عودتهم إلى الحياة السياسية بسرعة أمرًا صعبًا.
وظلت الخلفية العريضة لمواقف المدرسة السلفية العلمية وحزبها السياسى «النور» هى أنه لا يمكن الدخول فى مواجهة مع «الدولة المصرية» وذلك بحسب ما ردد كثير قادتهم ورموزهم، ولعل هذا هو مربط الفرس فى تفسير الواقعية الشديدة التى تميزوا بها، والتى أدت إلى انتقادات واسعة من السلفيات الأخرى، كالسلفية الحركية لعبدالمقصود، أو السلفية الجهادية، أو حتى من قادتهم أنفسهم، مثل أحمد النقيب!!.
من هذه الحسابات التى انطلقت منها المدرسة السلفية، واجهت مجموعة من التحديات أهمها: إثبات أن العمل الحزبى له فائدة عظيمة للدعوة، وهو التحدى الأكبر الذى واجهها، واتضح من الملف الذى أصدرته الدعوة السلفية بمطروح، وإعلانها التوقف عن العمل السياسى، وعدم المشاركة فى الانتخابات، والعودة إلى المنابر، أن هناك عددًا من التساؤلات حول العمل السياسى، وأن قطاعًا واسعًا من قيادات حزب النور (الجناح السياسى الرئيسي) شعر أن الممارسة الحزبية جرّت الدعوة عمومًا إلى التناقضات السياسية، وأن العمل الحزبى لم يجلب سوى سلبيات لا حصر لها، مما وضع حزب النور فى ورطة كبيرة، ويمكن أن يكون ما سبق نتاج وقوفهم على نفس أرضية التحريم للعمل السياسى القديمة، دون تدليل واضح على صحة ما يفعلون.
التحدى الثانى هو كيف تثبت الدعوة السلفية أن ممارستها السياسة بعد ٣٠/٦ كانت لها فائدة على العمل الدعوى، وأن مواقفها فتحت لها أفقًا جديدة، فبعض القرارات مثل منع غير الأزهريين من صعود المنابر يعقد مشاكلها، مع قواعدها، وإغلاق المنابر على الدعاة المعتدلين منهم كمحمد حسان ويعقوب.. إلخ، يثبت غير ما تريده، ووفق الاتفاق الحاصل داخل المدرسة السلفية، فإن العلاقة بين العمل الدعوى والعمل السياسى علاقة توحد، وأن العمل السياسى فرع تحت العمل الدعوى، وهذه هى المشكلة التى تواجه السلفيين، الذين يريدون إقناع قواعدهم بجدوى المشاركة من أجل العمل الدعوى.
وبشكل جازم كانت المدرسة السلفية الإسكندرانية، تعتمد على خطاب سلفى قائم على الناحية العلمية التراثية، وارتكز خطابها على بعض المظاهر الدينية بالدرجة الأولى، وعلى هذا حازوا على الأصوات الجماهيرية، لأسباب تتعلق بتغيير النظام وتوجيهه إلى الناحية الإسلامية، وبعد ٣٠/٦ ظهروا أمام قواعدهم، أنهم وقفوا فى صف الجيش، والتيبار الليبرالى، ولم يستطيعوا بشكل كافٍ إقناع قواعدهم، بل وجماهيرهم المؤيدة، أن استنكارهم فض اعتصام رابعة، أو مشاركتهم مع السلطة الجديدة، هو الأمر الصحيح، الذى يتوافق دينيًا قبل أن يكون سياسيًا، لذا فإن حالة عدم القبول المجتمعى، وارتباك الخطاب، هو تحدٍ أضيف إلى التحديات السابقة، وهذا ما أدى إلى تغلغل السرطان الإخوانى فى الجسد السلفى، وخلق مزيدًا من التنافس والصراع والتوتر داخل مكونات هذا التيار، الذى أصبح تيارين، أحدهما يستسلم لمنطق وخطاب «هيبة الدولة» ويروج ذلك داخل أروقة المدرسة السلفية، على سبيل المثال الجدل الذى دار حول فض رابعة، ومناصرة الإخوان، وانتخاب السيسى، وفى ذات الوقت يريد إقناع القواعد بنجاح المنهج، أما التيار الآخر فهو الذى يرفض هذا المنطق ويرى إما الثورة على القيادات، أو الانشقاق.
وطبعًا، فإن مشكلة حزب النور، أصبحت عالقة دون حل، فهو يعانى من الصراع على قيادته، ويعانى من الإهمال والتضييق أحيانًا، لأنه لا يملك أدوارًا فاعلة فى المشهد الجديد، ويبدو أنه يتجه شيئًا فشيئًا إلى الإبعاد سواء كان ذلك بإرادة السلطة أو لضعف أجندته السياسية وهشاشة أدواته، وحتى مع الانتخابات الأخيرة فقد فشلت الدعوة فى الفصل بين الجماعة والحزب، ويمكن أن يكون ذلك بسبب أنها عقب ٣٠ يونيو عادت إلى الهامش، ومضت بالعودة إلى الاتجاه القديم، وأصبح خطابها الرسمى دفاعيًا مختلفًا، وأصبحت متطلبات وطبيعة أدوارها تقترب مع الدور القديم أيام مبارك، الذى كان يحاول أن يستفيد من النظام.