الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الملف النووي الإيراني في إطار المشروع الأمريكي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أخيرا وبعد ١٢ عاما من المفاوضات والمناورات ما بين إيران والدول الغربية تم التوصل إلى اتفاق نووى مع إيران، والحقيقة المؤكدة أن الدول التى تمتلك القدرة على إنتاج السلاح النووى تحظى بمكانة مميزة وباحترام دول الجوار بصرف النظر عن استخدام السلاح النووى من عدمه، فهل يمكن القول إن إيران تخلت عن موقعها فى الشرق الأوسط حال توقيعها الاتفاق النووى مع الغرب، والذى بموجبه قبلت إيران بتأجيل العمل على إنتاج قنبلتها النووية، إن لم نقل إنها تخلت عن الفكرة بشكل كامل، فقد وافقت إيران على الحد من عدد أجهزة الطرد المركزى مع تقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب، وهذا الأمر سيحرمها من صنع قنبلة ذرية، لقد لعب الضغط الأمريكى سواء على الجانب الإيرانى أو على الغرب لتوقيع الاتفاق النووى، وبالطبع فإن الضغط الأمريكى والإصرار على احتواء الخلاف حول الملف النووى الإيرانى له ما يبرره، فالولايات المتحدة ترغب فى إعادة ترتيب الفوضى الخلاقة الشرق أوسطية قبل أن تنسحب من المنطقة برمتها، فمخططات أمريكا فى المرحلة القادمة هى تعزيز نفوذها فى منطقة الشرق الأقصى، وذلك لمواجهة تمدد العملاق الصينى فى المنطقة، ومحاولة السيطرة على أسوار الشرق الأقصى، أما عن الاندفاع الإيرانى لتوقيع الاتفاق فترجع أهم الأسباب إلى أن النظام الإيرانى لم يعد قادرا على تحمل العقوبات الاقتصادية التى باتت تهدد نفوذه بالداخل حيث يتعرض النظام الإيرانى لأزمات اقتصادية حادة، ويواجه موجات من الغضب الجماهيرى التى تدفع النظام لاستخدام العنف فى تلك المواجهات، وأهم الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية هو ارتفاع معدلات البطالة إلى أعلى معدل لها منذ ثلاثين عاما، بالإضافة إلى توقف معظم المشاريع الاستثمارية التى تعيق فرص إيران المستقبلية فى مجال الاستثمار، ومن المتوقع مع إنهاء العقوبات الاقتصادية أن تتمكن إيران من زيادة إنتاجها النفطى، مما يتيح الحصول على عوائد مالية ضخمة، وأخيرا فإن النظام الإيرانى يحتاج لتحسين صورته داخليا على خلفية المغامرات العسكرية بالخارج ( سوريا- العراق- اليمن- لبنان)، تلك المغامرات العسكرية التى يدفع الشعب الإيرانى تكلفتها، إضافة إلى أنها تدعم أنظمة فاسدة مثل نظام بشار الأسد والدخول فى مواجهات عسكرية مع دول الإقليم، وكلها أمور تزيد الاحتقان بالداخل، وتسمح للمعارضة بالداخل بمزيد من التمدن تعود إلى ترتيبات الولايات المتحدة فى المنطقة، ونجد أن أمريكا قد أدركت أن الحرب المباشرة ضد إيران ستكون عالية التكلفة من ناحية، ومن ناحية أخرى لا ترغب أمريكا فى إعادة تجربة الحرب المباشرة مرة أخرى بعد الهزائم المتلاحقة فى أفغانستان والعراق، وأصبحت فكرة الحرب بالوكالة عن طريق إسرائيل الآن غير مقبولة مع تزايد التمدد الإيرانى فى المنطقة فى سوريا والعراق واليمن، وقد تصبح إسرائيل فى خط المواجهة مع الجماعات المسلحة على طريقة حزب الله، لذا تلجأ أمريكا للتخفيف من أعباء دورها فى الشرق الأوسط بشرط خلق توازنات جيوسياسية تمكنها من استمرار إحكام قبضتها على المنطقة، وترى أمريكا أن نزع القنبلة النووية الإيرانية هو أهم عوامل ضبط إيقاع المنطقة، حقا ستكون هناك تفاهمات بين إيران وأمريكا حول الملف النووى ولكن من المستحيل أن تشمل تلك التفاهمات جميع الملفات الخلافية فى المنطقة، ومن المؤكد أنه لن تتطابق المصالح الإيرانية الأمريكية، خاصة فى مناطق الصراع، ومن المؤكد أن أمريكا لن تتخلى عن حلفائها فى المنطقة، خاصة الخليجيين، حيث تنصب أمريكا نفسها الراعى الرسمى لدول الخليج، ولن تكف عن إطلاق وعودها لدول الخليج للدفاع عنها ضد أى خطأ خارجى (إيران) وتؤكد لحلفائها بناء منظومة دفاعية قوية فى مواجهة خصمهم التاريخى والتأكيد على تزويدهم بالأسلحة الهجومية الحديثة، وهذا بالضبط ما قررته القمة الأمريكية الخليجية التى عقدت فى واشنطن فى مايو الماضى، حيث أكد البيان الختامى للمؤتمر رفض التحركات الإيرانية فى المنطقة التى تعمل على زعزعة الاستقرار، بينما أكد باراك أوباما عقب المؤتمر أن الشراكة بين أمريكا ودول الخليج هى شراكة أبدية فى مواجهة طويلة المدى ضد إيران، وفى نفس الوقت أكد على عدم تهميش إيران بالمنطقة.
إن الخطة الإمريكية تسعى إلى خلق أحلاف متضادة فى المنطقة بالدرجة التى تمنع سيطرة أى حزب على المنطقة بشكل منفرد، وقد تجلى هذا الموقف خلال محاولة الحوثيين فى السيطرة على مضيق باب المندب فى اليمن حتى لا تتمكن إيران من السيطرة عليه، خاصة أنها تتحكم فى مضيق هرمز والمعنى بخطوط نقل النفط، على أن الأحلاف الأمريكية لن تكون أحلافا عربية فقط، فهناك الحلف التركى والباكستانى، والمعروف أن باكستان ساهمت فى محاصرة ومنع وصول أي إمدادات عسكرية بحرية بين إيران وحلفائهم الحوثيين فى اليمن، أما عن تركيا أنها دائمة الاتهام لإيران باتباع سياسات مقلقة فى المنطقة، خاصة ما يخص دعم إيران المطلق لنظام بشار الأسد، وقد تسفر السياسات الجديدة عن تخلى تركيا عن عدائها لمحور (السعودية - الإمارات - مصر)، فى مواجهة الخطأ الإيرانى، وهذا ما يفسر دعوة الرئيس التركى السابق عبد الله غول بلاده إلى اتباع سياسات متقاربة مع مصر، فقد يجد أردوغان نفسه أمام خيار التقارب مع مصر أقرب من التقارب مع السعودية والإمارات، وقد تضطر تركيا للتخلى عن دعمها السياسى للتنظيمات الإرهابية فى المنطقة، خاصة جبهة النصرة بسوريا والإخوان المسلمين فى مصر، وقد تضطر أن ترفع الغطاء السياسى لهذه التنظيمات بعد أن اكتوت تركيا فى الفترة الأخيرة من نار الهجمات الإرهابية، سواء من داعش أو غيرها، وفى النهاية نجح الأمريكان والقوى الكبرى من خلال تفاصيل الاتفاق النووى من إحكام السيطرة على إيران، حيث ينص ملف رفع العقوبات على التعامل بالتجزئة والربط بين رفع العقوبات بتنفيذ إيران للتعاهدات المنصوص عليها، وفى نفس السياق كسبت إيران شرط موافقتها المطلقة على عمليات التفتيش على المنشآت العسكرية، مما يتيح لها المزيد من الموافقة على طلباتها، وداخليا سيظل توقيع الخلاف النووى محل خلاف بين القوى السياسية داخل إيران، وأن التقارب الأمريكى الإيرانى الذى سيصل للتمثيل الدبلوماسى الدولى بين إيران والغرب سيقلص فرصة الخطاب العدائى حول الشيطان الأمريكى الإسرائيلى، والذى تستغله الجماعات الموالية لإيران فى خطابها الإعلامى خاصة حزب الله فى لبنان وأنصار الله فى اليمن (الحوثيين).