الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

جلال ندا يحاور نائبي عبدالناصر.. الرجل الصامت.. والطيار قائد الأسراب

ننفرد بنشر وتحقيق مذكرات البكباشى جلال ندا

مجلس قيادة الثورة
مجلس قيادة الثورة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زكريا محيي الدين: تزيّد الإعلام فى الدعاية لأي نظام دعاية مضادة
الحكام ليسوا أنبياء ومن يمتلك الحصانة الداخلية منهم يحمي نفسه من غرور السلطة
الترويج للإنجاز «رأسمال» يحتاجه أي نظام ليستقر به.. والسادات عملها واستغل حركة مايو وحرب أكتوبر في ذلك
فى يوليو حدثت الثورة، وقبلها بنحو أربع سنوات، حدثت مسببات النكبة العربية، فى يوليو أيضا، لا فى مايو كما يعتقد الذين أرخوا لها ببداية الحرب ومفاوضات الهدنة، فيما الأحداث كلها تشير إلى أن يوليو الذى كان شهرا للنكبة والهزيمة فى 1948، تحول بعد تشكيل اللبنة الأولى للضباط الأحرار بعدها، ليكون شهر الثورة التى غيرت مجرى الأحداث فى مصر.. فى هذه السلسلة من الحلقات نتحدث عن الحرب وذكرياتها، من خلال أوراق الراحل البكباشى جلال ندا الذى استودعها أمانة لدى الكاتب، وفيها أيضا الكثير من الوقائع التى ذكرها على لسانه باعتباره شاهدا على مجريات الأحداث، أو على ألسنة قادة الثورة أنفسهم، كاشفا ما غم على كثير ممن أرخوا للحدث العظيم فى تاريخ مصر الحديث، ومع تتابع الحلقات سنتعرف على ندا شخصيا مصحوبا بذكرياته عن الحرب التى شارك فيها، وكيف أنقذ جمال عبدالناصر من الموت، بينما هو قعيد مصاب لا يجد منفذا لعلاجه، وكيف كانت قيادة البطل أحمد عبدالعزيز للفدائيين، وعن الهدنة التى خربت التاريخ المعاصر للعرب، وتسببت فى هزيمتهم بالشكل الذى يؤرخ له المؤرخون باعتبارها النكبة العربية، ودور الإخوان المسلمين فى هذه الهزيمة، وخطة القائد عبدالعزيز لاحتلال القدس، ونتيجة رفض القيادة لها، وبعدها نستمع لشهادته عن بدء تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، وكيف تشكلت علاقة محمد حسنين هيكل بعبدالناصر، ثم الحوارات التى أجراها مع بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة، وتحقيقنا لكثير مما ورد فيها، عبر شهادات أخرى لم ترد فى مذكراته، سعيا للبحث عن حقيقة ما حدث فى مصر منذ العام 1948 إلى قيام الثورة لنصل إلى ذهاب السادات إلى القدس، ورأى المعاصرين لعهده فى هذه المبادرة، كل هذا وأشياء أخرى ستمثل مفاجآت نتركها لوقتها.
اختلف تحاور جلال ندا فى هذه الحلقة عن الحوارات السابقة، حيث حاور نائبى الرئيس الأسبق زكريا محيى الدين وقائد الأسراب حسن إبراهيم، على هيئة الحوار الذى يخلو من السؤال والجواب، لكنه من طرف واحد، ربما يكون جلال ندا قد سبق به الصحافة العربية، والتحق بالعالمية التى أنهت التعامل بهذا النسق من الحوارات، حتى أنه قال لى عندما سألته لماذا الاختلاف؟ رد بقوله: «ده انتهى من العالم كله وأنا تعلمته مما قرأته مؤخرا من حوارات بالإنجليزية، ثم خفض من صوته قليلًا وقال: أجبرتنى الظروف عليه، فالأول كان متحفظًا، والثانى ستعرف قصته من الحوار نفسه، قالها وكأنه يستخدم «رحمه الله» أسلوب التشويق معى، الأهم أن الحوار مع العضوين الأخيرين دار ربما على نفس نسق الأسئلة دون ذكرها، والإجابات وإن أتت كلها على لسان ندا شخصيا دون تغييب للمصدر.
■ بدأ جلال ندا بقوله وهو هنا يقول لى: أكثر من أتعبنى بعد رشاد مهنا هو زكريا محيى الدين الذى قالى لى: والله أنا قافل على نفسى حاليا.. ساكت وسايب الأحداث تتكلم والتاريخ لن يرحم.. صدقنى لن يرحم، وما يضايقنى أن فيه حاجات بتجرح كثير وأنا ماسك أعصابى ولا أتكلم عن الثورة، وده خط أنا ملتزم به ومصمم عليه وكفاية على الكام يوم اللى بروحهم البلد أشوف شغلى وأرجع تانى هنا.
■ ثم يضيف ندا: «زكريا وهو عضو مجلس قيادة ثورة يوليو ونائب سابق لرئيس الجمهورية، وهو كما قال زملاؤه شريك أساسى لناصر فى وضع الخطة النهائية لليلة الثورة، قال لى: «إن المرحوم جمال عبدالناصر هو الذى تحمل العبء الأكبر فى الثورة وأنه خطط قبل تنفيذها، لتكون هناك مجموعة أخرى بديلة غير معروفة للبوليس، المباحث العامة - عندما أشيع أن أسماء اللجنة التأسيسية أصبحت معروفة، تنجح فى القبض علينا تظهر هذه المجموعة التى اختار الأخ حسين الشافعى وهو لم يكن قد ضم للهيئة التأسيسية ليتولى قيادتها، ويضمن تنفيذ العملية فى حالة القبض على المجموعة الأساسية، وتم اللقاء بيننا وبينه فى منزل خالد محيى الدين.
■ وردًا على سؤاله حول مشاركة محمد نجيب فى تشكيل الضباط الأحرار قال زكريا: نجيب كان فعلا ضمن تشكيل الضباط الأحرار، لكنه لم يكن يعرف موعد الثورة إلا بعد قيامها، فقد أرسلوا له سيارة مصفحة لإحضاره، وأمريكا كانت تطمع أن تحل محل بريطانيا، بعد قيام الثورة وجلاء الإنجليز عن مصر بوسيلة أو بأخرى، وهو ما لم تنجح فيه، وتم الصدام بعد مسألة تمويل السد العالى، لذلك علينا أن نحاول تحسين علاقتنا بالدول الكبرى، بحيث نحقق الاستفادة باعتبارنا دولة صغيرة، فى حاجة ملحة للتنمية الاقتصادية مع المحافظة على كرامتنا وقوميتنا وكل شيء بدون أن نعطى فرصة لسيطرة الأجنبى على مقدراتنا.
■ تناولنا أيضا موضوع الديمقراطية فى مصر فى أزمة مارس ٥٤، فقال الأخ زكريا إن المرحوم جمال انسحب واعتكف بمنزله لأنه صمم على عودة الحياة النيابية فى مصر، بينما كان رأى الجماعة فى مجلس القيادة، هو استمرار فترة الانتقال إلى ثلاث سنوات، وعملا بمبدأ ضرورة خضوع العضو لرأى الأغلبية عاد جمال ورضخ لرأى الجماعة والدليل على هذا استقرار مجلس الثورة فى الحكم حتى عام ١٩٥٦.
■ وعن حربى ٥٦، ٦٧ قال زكريا محيى الدين إن المرحوم جمال هو الذى أصدر أمر الانسحاب، وكان أمرا حكيما وطبعا بعد موافقة عبدالحكيم عامر باعتباره القائد العام، لكن تنفيذ الأمر عام ١٩٦٧، كانت به أخطاء رهيبة، كما أن كثيرا من عمليات الانسحاب لم تنفذ، وظلت الأوامر على مكتب محمد فوزى، وهو ما أدى إلى أن الانسحاب تم بأسلوب عشوائى كانت النتيجة وقوع الكارثة التى أطلق عليها البعض لقب النكسة.
■ وردًا على سؤال بخصوص حركة التصحيح فى ١٥ مايو قال ما معناه أن النظام الحالى - يقصد نظام السادات - يفسر حركة التصحيح تفسيرا نفعيا، فمن الناحية السياسية يستفيد من ترويج هذا المعنى منذ ١٩٧١، كما يستفيد الآن من عملية حرب أكتوبر، لأن أى نظام سياسى محتاج إلى «رأسمال» يستقر بيه ثم صمت زكريا برهة، ثم قال: «قامت ثورة ٢٣ يوليو فى ظروف معينة ومناخ مناسب، أما ١٥ مايو فكانت عملية بسيطة، وهو كان معاصر وعارف الناس دول كلهم مجموعة من الموظفين، بدليل اللى حصل لهم فقد أخذوا موقفا غوغائيا بالنسبة للسادات، لأنهم كانوا متصورين فيه صورة معينة، وبعدين أنور بيدافع عن نفسه أو عاوز يضع الأمور فى نصابها - أو حس إنهم تجاوزوا الحدود ففصلهم»، ثم قال زكريا: «ودول أنا كان لى رأى فيهم وكانوا سبب متاعب ومحل شكوى من إخواننا أعضاء مجلس الثورة كلهم، خاصة اللى استمروا مع المرحوم جمال فترة طويلة اللى كان ابتدا يثق فى ناس، ويستبعد أعضاء مجلس الثورة من الصورة لحساسيات الزمالة أو لشيء من هذا القبيل».
■ وهنا سأله جلال ندا قائلا: «إزاى؟» فرد زكريا: «مش عارف اهو هوه ده اللى حصل، وبدأ يعتمد فى نظامه على مجموعة من الموظفين بمن فيهم سامى شرف وشعراوى جمعة، ودول مش ثوار دول كان فى إيديهم يعملوا كتير قوى لو كان عندهم كل شيء، ما عملوش ليه؟ لأنهم موظفين ومش ثوار.. وكون النظام يرى أن أى ثورة جديدة أو نقطة أخرى فى مسار الثورة، يقول عنها ثورة ده لأنه محتاج طبعا إلى رصيد سياسى يشتغل بيه، لأن أنور اتوضع فى ظروف صعبة جدا، الموقف كان صعب فعلا».
■ استوقفه جلال ندا بقوله: «ده كان سبب المذكرة الشهيرة؟»، فرد زكريا: «إحنا لما كتبنا المذكرة كنا شايفين هذه الصورة - وعشان ما نبقاش متخلفين عما يحدث، وكمان إحنا مش مترددين رغم الظروف اللى مرت، صحيح إحنا لا نرغب فى العودة للسلطان - لكن ما نبقاش متخلفين ولا متخاذلين عن الواجب، وفى حالة ما يكون اللى عنده السلطة الشرعية رغبة فى إننا نساعده إحنا فى خدمة الوطن، لكن بغدادى لما راح لأنور وأعطاه المذكرة بتاعتنا رجع وقال أنا شعرت إنه عايز ينفرد بالحكم - وإنه قادر على مواجهة الموقف - فإحنا وجدنا أن مهمتنا انتهت عند هذا الحد - وبعد كده حصل كلام كتير وتشنيع وده اتسبب فى إنى ما اشتركتش فى المذكرة الثانية اللى اتكتبت وأنور اعتقد برضه إنى وراها».
■ وعندما تناقشنا فى حرب رمضان قال: «اللى انكتب فى هذا الموضوع خاصة من الجانب الإسرائيلى كلام كثير، وفيه كُتُب وأنا أعتقد إن بعض الآراء منها منطقية، وذلك على قدر ما فهمت من القراءات - أنا ما أعرفش الموقف من جانب مصر إيه - لأنه للأسف فى الناحية المصرية ما انكتبش موقف علمى ولا تحليل عسكرى بالنسبة للى حصل، بيعتمد على دعاية سياسية أكثر منها تحليل عسكرى، زى هم ما عملوا - بالعكس هم فى كتاباتهم - ده هم فى حساباتهم يعتقدوا رغم المحصلة النهائية للمعركة، إنهم منتصرون رغم الأخطاء الأولية إلى حصلت ويعتبروها أخطاء - وانا أعتبر أن ده شيء طبيعى نتيجة عنصر المفاجأة».
■ الواضح أن اليهود بالثغرة نهو المعركة، وفى كتبهم بياخدوا على القيادة المصرية عدم استغلالها للنجاح الأول وأنه علشان قلق إسرائيل من الجبهة الشمالية، فهى كانت مركزة جهودها هناك وقرروا بينهم وبين أنفسهم، إنه لو ضغط عليهم فى سيناء يخسروا أرض لكن لا يخسروا قوات وممكن أنهم بعدين يستعيدوها فاحنا كان ممكن على حسب تصورهم نصل إلى الممرات خلال الدفعة الأولى بتاع الهجوم والاستفادة بعنصر المفاجأة».
■ فقاطعه ندا بقوله يمكن الدعاية العسكرية غرضها الحفاظ على السرية؟ فأجاب زكريا: «بغض النظر عن إن الدعايات العسكرية الغرض منها الحفاظ على معلومات الجيش وعلى معنويات الناس - ده موضوع - أنا قلت لك المرة اللى فاتت أن جرعة الدعاية زايدة شويه، بحيث ممكن إنها تنقلب إلى الضد، خصوصا فى ظل الدعايات المضادة الموجودة - فى الاتحاد السوفيتي- وفى ليبيا عاملين حلقة باستمرار بيسموها حقيقة أكتوبر، وبيشرحوا بالتفصيل والناس بتسمع - فيجب أن يكون الكلام الدعائى لرفع الروح المعنوية كلام معقول.
■ ثم سأله جلال: كانت هناك قائمة سوداء قبل قيام الثورة والعجيب أن معظم الأسماء التى قاومت السلطان فى الماضى ظلت مدرجة فى القوائم السوداء، فهل يفهم من ذلك أن النقد لمصلحة البلاد هو الذى يؤدى إلى القائمة السوداء؟.. فأجاب زكريا: «فى حتة مصر بالذات- أنا أصدرت تعليمات بتعديل هذه القوائم وإنشاء فهرس وإيداعه الجهات المسئولة حتى لا تتعطل التأشيرات- والقائمة السوداء موجودة وستظل ورقابة التليفونات موجوده وستظل، وأجهزة التسجيل موجودة النهارده بس تزيد وتقل - بتبقى تحت السيطرة لفترات معينة - بتكون معقولة فى حالات - وبتكون غير معقولة فى حالات أخرى، وتستخدم استخدام سيئ فى حالات أخرى بصرف النظر أنها تكون بأمر قضائى أو بأمر إدارى والمهم الناحية الضرورية اللى دفعت الشخص إلى هذا القرار، البلاد العربية مهددة - والظروف الاجتماعية بتجبر الحاكم فى بعض الأحيان وبتجرفه أن ماكنش يقى نفسه - لازم يكون عنده من المقومات الداخلية ما يحمى نفسه من أن ينزلق وراء غرور السلطة وأطماع السلطة - هو المجتمع يصور للحكام خطوطا فى المجتمعات النامية واللى زى كده - أنا ما أقدرش ألوم المجتمع نفسه لأن الحكام مش أنبياء وأرجع أقول إنهم مش أنبياء، ولازم تكون لديهم من القوى الداخلية ما يحصنهم لأن الحاكم إن ماكنش محصن تحصين كافى ينزلق.
■ سألته عن رأيه فى موضوع إسقاط العضوية عن كمال حسين؟ فرد قائلا: «الموضوع ليس موضوع كمال حسين - الموضوع أن النظام كان راسماله شعار الحرية اللى هوه كان بيتكلم فيها وعلى هذا فالإجراءات اللى مشوا فيها كانت غلط وأحدثت هزة فى النظام كله».
■ وعن رأيه فى أحداث ١٨ - ١٩ يناير قال: «طبعا الشعب عانى اقتصاديا من آثار الحروب الكتيرة - وقد لجأت السلطة التنفيذية لعلاج الموقف بأسلوب تنقصه دراسة وافية عن حالة كل الفئات، ومن ناحية أخرى أهملت وسائل الإعلام قيمة توضح حقيقة الموقف للشعب ليتقبل التضحية، والتضحية يجب أن يشارك فيها الجميع من فوق إلى تحت، الغنى قبل الفقير والكبير قبل الصغير».


.. وحسن إبراهيم: هيكل لم يعرف عبدالناصر إلا قبل الثورة بثلاثة أيام
قائد الأسراب يؤكد: لم أختلف مع عبدالناصر ولما أقمت مصنعًا للأقلام ساهم فيه بماله الخاص
حسن البنا جاء إلىّ محاولًا ضمى للإخوان فقلت له: أنا راجل عايش على كيفى وما قدرش على التزاماتكم دي
تساءلت عن المفاجأة قبل أن يكشفها «ندا» فى بداية تسجيله الحوار، مع قائد الأسراب حسن إبراهيم، كتابة.. حيث قال: وصلت ضاحية مصر الجديدة، وبالقرب من المنزل لاحظت أنى أحضرت جهاز التسجيل لكنّى نسيت الشريط فاتجهت سريعا إلى محل قريب واشتريت واحدا وثبته فى الجهاز، وفى الموعد المحدد طرقت الباب وصحبنى الساعى إلى حجرة الصالون التى لاحظت أنها أقل من العادى، وبعد أقل من دقيقتين حضر الأخ حسن إبراهيم، عضو مجلس قيادة الثورة نائب رئيس الجمهورية السابق، وبعد التحية قلت له حضرت لعمل حديث صحفى بمناسبة العيد الخامس والعشرين لثورة ٢٣ يوليو، فقال لى أنا خلاص طلقت السياسة وماليش دعوة بالصحافة، ثم أردف قائلا: أنا مش فاهم صحافة إيه دى بتاعة اليومين دول، واحد صحفى جالى وقعد يتكلم معايا وبعدين راح مطلع حديث كله غلط، وقال إن ده كلامى، فبادرت بالرد وقلت له - على العموم أنا جايب جهاز تسجيل علشان يبقى شاهد علينا وماحدش يغالط حد ضحكنا ثم قمت بتثبيت الجهاز فى الكهرباء.
■ وبدأ الحوار.. وهات يا أسئلة.. يجيب على البعض ويرفض الإجابة على الآخر وبعد أربعين دقيقة انتهينا وقلت له شكرًا.. فقال سمّعنى إحنا قلنا ايه؟ وأمسكت بجهاز التسجيل وحاولت إرجاع الشريط وكانت صدمتى شديدة حيث لم يسجل شيئا، لعدم وصول الكهرباء إليه، طلعت الفيشة خربانه، ألجمتنى الدهشة بينما هو غارق فى الضحك، معلقا: «شايف ربنا بيحبنى إزاي؟ فقلت له على العموم أنا حافظ الحديث فقال فى الحالة دى اللى ما يعجبنيش أقدر أنفيه على الأقل مافيش تسجيل عليّ.
■ بعد عودتى إلى منزلى جلست ساكنا حتى استعدت الحديث كاملا لدرجة أنى عرضته عليه تليفونيا فكان مندهشا لدقة ما كتبت.. سألته متى انضممت إلى الضباط الأحرار؟ فأجاب: إحنا شكلنا مجموعة خاصة فى الطيران منذ عام ١٩٤٢م وكان من ضمنها بغدادى ووجيه أباظة وسعودى وعبدالمنعم عبدالرؤوف.
■ قاطعته وقبل الثورة ماذا كان نشاطكم؟ فأجاب: «مقاومة الإنجليز عقب حادث ٤ فبراير كنا نقرر ما يجب عمله حول الأحداث، وتطوعنا فى معركة فلسطين قبل الحرب الرسمية، وكنت أنقل الأسلحة بطائرتى، وخلال الحرب بدأت فكرة التوسع فى تشكيل الضباط الأحرار - نتيجة للأحداث - بعد أن لمسنا ضعف الوزارات وعبث السراى، فكرنا فى عمل ثورة وبدأنا الفكرة فى انتخابات نادى الضباط فى ديسمبر ١٩٥١، وكنت أنا عضو عن سلاح الطيران وأنت عن المحاربين القدماء، وبعد أزمة النادى وحسين سرى عامر بدأ التشكيل يتعرف وزاد نشاط القلم السياسى لحصر الضباط الأحرار - وخوفا من القبض علينا أسرعنا وقمنا بالانقلاب فى ٢٣ يوليو وقد وفقنا الله.
■ فسألته هل كان عزل فاروق من ضمن مخطط الثورة؟.. فأجاب: «أيوه ولكن لم نحاول أن نعلن هذا فى البداية حتى لا يلجأ الملك إلى الإنجليز لمعاونته».
■ تذكرت حكاية الطائرة التى قيل إنها تبع شركة الـT.W.A وكانت واقفة بالمطار لنقل أعضاء مجلس القيادة فى حالة فشل الثورة فسألته عن صحة هذه الأقوال.. فكان رده السريع الحاسم: «بتاتا - معنى هذا أن أميركا كان لديها علم مسبق بالثورة؟ يبقى ليه إحنا أرسلنا فى صباح ٢٣ يوليو الباكر زكريا محيى الدين وعبدالمنعم أمين لمقابلة السفرى الأمريكى لإخباره بالثورة وحسن نوايانا من جهة الأجانب؟ ده كلام غير حقيقى ولا منطقى بالمرة».
■ سألته السؤال المتكرر حول هيكل وهل كان كما أشاع حلقة الاتصال بين المجلس وأمريكا قبل الثورة؟ فرد بسرعة: «لم يحدث ذلك، وكانت معرفة هيكل بجمال يوم ١٩ يوليو فى منزل نجيب ولم يتقابل مع أى عضو منا قبل الثورة».
■ سألته أيضا هل كان منضمًا إلى أى من الأحزاب؟ فقال: «معظمنا لم يكن له حزب معين، فنحن ثوار على أوضاع البلد، وحتى الشيخ حسن البنا هو والحاج بهجت مصطفى وده دفعتك جولى فى هذا البيت، وكان جالس على الكرسى ده وحاول أن يضمنى إلى الإخوان فقلت له - يا سيدى أنا راجل عايش على كيفى وما أقدرش على التزاماتكم دى - أما المرحوم جمال فكان فى مصر الفتاة وبعد ذلك كان بيحضر بعض اجتماعات مع الإخوان».
■ قيل إنك فى بداية الثورة عندما عينت وزير دولة الشئون رئاسة الجمهورية كنت رقيبا على نجيب وكنت تباشر أعمال الرئاسة منفردا، فرد مسرعا: «على العموم نجيب كان رمز الثورة».
فسألته عن سبب استقالته من مجلس الثورة؟ فأجاب: «والله أنا رجل ثائر واشتركت فى الثورة، ولكن تقاليد الحكم أنا ماليش فيها - أنا رجل أحب الانطلاق ولا أرتضى بالقيود التى تتطلبها مثل هذه المناصب».
فعدت مجددا لسؤاله هل حدث خلاف بينك وبين جمال؟ فرد: «لم يحدث خلاف والدليل على ذلك عندما استقلت، وعملت مصنع الأقلام بادر وساهم معى فى المصنع بأسهم من ماله الخاص».
من جمال نقلت السؤال عن فكرة المذكرة التى رفعها مع زكريا وبغدادى وكمال حسين للسادات فى أكتوبر ١٩٧٠؟ فقال: إحنا وجدنا أننا كلنا مسئولين عن مسيرة ثورة ٢٣ يوليو، وسبق واستقلنا لأسباب جانبية، لأننا لمسنا أن جمال أراد أن ينفرد بالحكم والتف حوله مجموعة كانت تشكل مراكز قوى وفرضت حوله ستارًا حديديًا، ورأينا أن نتعاون مع السادات باعتباره الرئيس الشرعى، وأردنا أن نكون مجلسا استشاريا لإنقاذ البلاد من المحنة التى كانت تمر بينا فى أعقاب النكسة».
** فقاطعته ماذا كان الرد؟ فرد قائلا: «والله الرئيس أنور أعلن عن رأيه فى مجلس الشعب وفهمنا إنه ليس فى حاجة لينا».