الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"النبي محمد" يحاكم "داعش": أشرار ويرتكبون أبشع الجرائم

كاتب هندى يكشف رأى الرسول فى "البغدادى"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التنظيم يحاول اختطاف الإسلام وقياداته مجموعة من «السفهاء والحمقى»
ليسوا مسلمين وإن كانوا يكثرون الصلاة والصوم وقلوبهم صلبة مثل الحديد
خونة يخرقون العهود وكاذبون لا يتحدثون بالحقيقة ويثيرون الفتنة والفوضى فى بلاد المسلمين

فى ٢ يوليو الجارى نشر كاتب هندى مقالًا تحت عنوان: «هل حذرنا النبى محمد من تنظيم داعش»، كشف فيه حقائق مهمة عن التنظيم وأهدافه وخصائصه وأسباب تجذر الفكر المتطرف فى المجتمعات الإسلامية، وكيف تنبأ سيدنا رسول الله، «صلى الله عليه وسلم»، بهذه الفتنة بل إن سيدنا على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وصف زعيم هذا التنظيم وصفًا دقيقًا، ومسئولية علماء الدين عن تغلغل مرضى التطرف فى جسد المجتمعات الإسلامية، وفى البداية سنعرض ترجمة نص المقال، ثم سنعلق عليه.
لا أختلف على أن جزءًا من دوافع التطرف الدينى ترجع جذورها إلى التأويل الخاطئ، وتحريف معانى آيات القرآن بواسطة المتطرفين الراديكاليين، وعلى أى حال فإنه ليس من الأمانة أن نطلق على كل المسلمين بأنهم غير مؤمنين ومسلمين بالاسم فقط.
إن دراسة نزيهة للقرآن تظهر أن جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية داعش تعمل بطريقة مخالفة تمامًا للشريعة الإسلامية.. فالقرآن على سبيل المثال يقول إن من قتل نفسًا واحدة بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعًا، كما يعتبر القرآن أن إثارة الفتنة والفوضى فى الأرض من أبشع الجرائم حيث يحثنا القرآن على السلام والعدل ومراعاة حقوق الإنسان كما يعلى القرآن من قيم مراعاة الضمير، وعدم الاعتداء على المرتدين والكفرة.
وتكشف لنا دراسة عن سنة سيدنا رسول الله، «صلى الله عليه وسلم»، أن حضرته حذرنا من ظهور التطرف الدينى فى هذا العصر بل وبكل وضوح وتفاصيل مذهلة، فمنذ ١٤٠٠ عام تنبأ بأنه «يوشك أن يأتى على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهى خراب من الهدى» - «مصابيح المشكاة» - ثم يضيف حضرته بما معناه أنه فى هذه السنوات الأخيرة سيفقد الإسلام جوهره الحقيقى، وسيقتصر الدين فى معظم ممارساته على ظاهر العبادات فقط، كما تنبأ لنا حضرته أيضا أن السبب فى ذلك يرجع إلى فساد رجال الدين وأنهم سيكونون مصدر الشقاق خلال هذه الأيام، وهو ما يكشف عنه ويؤكده باقى الحديث الشريف فى قول حضرته مبينًا سبب هذه الكارثة «علماؤهم شر مَن تحت أديم السماء، مِن عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود».
كما تطرق سيدنا رسول الله، «صلى الله عليه وسلم»، إلى الحديث عن الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وأنها ستحاول اختطاف إيمان المسلمين، وأنه فى هذا الزمن الذى ستسوده الفتن، سيظهر مجموعة صغار السن يتسمون بالسفاهة والحماقة، وسيتحدثون بكلمات جميلة، ولكنهم يرتكبون أبشع الجرائم، وإن كانوا سيكثرون من الصلاة والصيام بما يفوق عبادة المسلم العادى، كما سيدعون الناس إلى القرآن، ولكنهم فى الحقيقة لا يطبقون شيئًا من تعاليمه، وأن القرآن لن يتعدى حناجرهم، وبما يعنى أنهم لن يفهموا جوهره أبدًا، مرددين آيات منتقاة يحرفون معانيها بما يخدم أهدافهم ويبرر ممارساتهم الدموية.
ونص هذا الحديث الشريف: «يخرج فيكم حْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ولَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، وفى رواية أخرى «تَنْظُرُ فِى النَّصْلِ، فَلا تَرَى شَيْئًا، وَتَنْظُرُ فِى الْقَدَحِ، فَلا تَرَى شَيْئًا، وَتَنْظُرُ فِى الرِّيشِ، فَلا تَرَى شَيْئًا، وَيُتَمَارَى فِى الْفُوقَةِ»، ولذلك وصف رسول الله، «صلى الله عليه وسلم»، هؤلاء الناس بأنهم «أسوأ الخلق».
ولدينا تراث آخر يزيد حديث سيدنا رسول الله إيضاحًا، أخبرنا به الخليفة الرابع لحضرته سيدنا على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وذلك فى كتابة «كتاب الفتن» وصف فيه سيدنا على هؤلاء بأن شعورهم طويلة ويحملون أعلامًا سوداء، وأن قلوبهم صلبة مثل الحديد، ويريدون أن يكونوا «أصحاب الدولة»، ومن المثير للاهتمام أن تنظيم الدولة الإسلامية داعش يهتمون بأن يشيروا إلى تنظيمهم بأنه «الدولة الإسلامية»، كما يشير «كتاب الفتن» أيضًا إلى أن هولاء الناس خونة يخرقون عهودهم، وكاذبون لا يتكلمون بالحقيقة، ويطلقون على أنفسهم أسماء تشير إلى بلدانهم كما هو الحال مع الخليفة الداعشى أبوبكر البغدادى، وقد وصف رسول الله، وهو غاضب ومتألم هؤلاء بأنهم أشرار، وحث المسلمين على أن يكونوا على حذر من شرورهم، والتصدى لهؤلاء الإرهابيين ومحاربتهم وذلك فى قول حضرته «من لقيهم فليقتلهم فإن لقتلهم أجرا عند الله».
اعلموا جيدًا أن سيدنا رسول الله، «صلى الله عليه وسلم»، قد سبق أن حذرنا بوضوح من هؤلاء الدجالين المحتالين، وكلفنا باقتلاع جذورهم نهائيًا، إن من يرفض من الناس التمعن والتفكر فى هذه النقطة، هم داعشيون مثلهم ومن المتعاطفين مع الداعشيين، والمتطرفين المعادين للإسلام والذين يريدون من العالم أن يعتقد بشرعية تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
فى نفس الوقت نرى العاقلين من المسلمين الذين يؤمنون بحكمة سيدنا رسول الله يظلون متحدين وقوة واحدة ضد كل من ينشر الجهل والتطرف.
التعليق
أولًا: الرسول وعلمه بالغيب
بداية يتعين علينا أن نعلق على عنوان المقال «هل حذرنا النبى محمد من داعش؟» وهو عنوان فى صيغة سؤال قد يحمل هواجس لدى البعض بما يحمله العنوان من سؤال آخر فى طياته عن علم الرسول بالغيب؟ باعتبار ما هو معلوم من أن الغيب فى علم الله وحده. ولرفع وإزالة مثل هذا الهاجس ينبغى أن نرجع لآيات القرآن ومنها قوله تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا».
ثانيًا: الرسول يحدثنا عن أئمة الضلال
كما أنبأنا رسول الله أيضًا، وحذرنا من أئمة الضلال الموجودين بيننا... وذلك فى حديثه الشريف: «يكون دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها» فسأله أحد الصحابة عن وصفهم فأجاب: «هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا.
ثالثا: أحاديث الرسول تتعدى الزمان والمكان
ولأن رسول الله، «صلى الله عليه وسلم»، كما وصف نفسه «أوتيت جوامع العلم» فإن بصر حضرته يمتد عبر القرون ولا يحده زمان ولا مكان، فنجده ينبؤنا أيضًا عن هذه الفتن ويحذرنا منها وحديثه الشريف: «إن بين يدى الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسى كافرًا ويمسى مؤمنًا ويصبح كافرًا القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشى والماشى فيها خير من الساعى فكسروا عصيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا سيوفكم الحجارة»، حيث يحذرنا حضرته فى هذا الحديث الشريف من السعى فى هذه الفتن وتجنب كل صور الانخراط فيها، كما ينهانا عن كل صور وأشكال الاقتتال بين المسلمين.
رابعًا: أحاديث الرسول تتطابق تماما مع آيات القرآن
وتنطبق أحاديث سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع الكثير من الآيات القرآنية التى تحذر من الوقوع فى براثن الفتنة وتنبه من خطورتها.. منها قوله تعالى: «الفتنة أشد من القتل» «البقرة ١٩١» وحذرت أيضا من مصير مشعلى الفتنة فى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ» (البروج ١٠).
خامسًا: داعش يرفض مقاتلة إسرائيل لأن مهمته إقامة الخلافة
أبرز دليل على ذلك رد أحد زعماء داعش على سؤال بديهى طرحه عليه أحد الصحفيين عن سبب عدم قتالهم الإسرائيليين وانصرافهم فقط لقتال المسلمين، فكانت إجابته أن اليهود لم يقاتلونا ولكننا نقاتل المسلمين لإقامة دولة الخلافة أولًا، وهذه هى مهمتنا الأولى.
سادسًا: الرسول يحذرنا من الدجالين وخوارج العصر
فى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خوارج هذا العصر، والسابق الإشارة إليه.. «يخرج فيكم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام...» إلى آخر الحديث، وصف دقيق لسلوك هؤلاء الخوارج، بداية أنهم من صغار السن، أمثال كوادر جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية والقاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس وغيرهم من تنظيمات جماعات خرجت كلها من عباءة الإخوان.. وعندما قال حضرته «يخرج فيكم» أى أنهم من الخوارج المتواجدين على الدوام والاستمرار وفى كل العصور وعبر القرون. أما لماذا وصفهم حضرته بالخوارج، وذلك لأنهم خارجون عن الحق، ساعون بالباطل، مكفرون لغيرهم دون وجه حق، مكرهون غيرهم على ما يعتقدون ومستحلون للحرمات.
سابعًا: الزعم الباطل بوجود الناسخ والمنسوخ فى القرآن
وعندما عجز أئمة الضلال عن الطعن فى آيات القرآن لأن الله تعالى هو الذى تكفل بحفظه، اخترعوا فكرة شيطانية باطلة أطلقوا عليها «علم الناسخ والمنسوخ»، حيث يزعم هؤلاء ومعهم دعاة الإرهاب والتطرف أن كل الآيات التى تتعارض مع دعاويهم فى التكفير والقتل والإكراه والعنف باسم الدين منسوخة بما يسمونه آية السيف.
ثامنًا: خطورة عدم التأويل الصحيح للمتشابه من آيات القرآن
الله تعالى أنزل القرآن على قلوب سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» على قسمين: القسم الأول وهى آيات محكمات تتحدث عن أمور العقيدة والعبادات والمعاملات، وعددها ٣٣٠ آية، أما القسم الثانى، فهو الآيات المتشابهة، وهى باقى آيات القرآن، وتشمل القصص القرآنى والأمثال والأخبار الإلهية، وعددها ٨٩٥ آية، إذا اعتبرنا أن عدد آيات القرآن كلها ٦٢٢٥ آية، تزيد أو تنقص قليلًا على آراء مختلفة، وإزاء هذه الحقيقة ينبغى أن تدرك أهمية قضية تأويل القرآن، وخطر تجاهل حقيقة وحتمية تأويل الآيات المتشابهات، وهو ما نص عليه المولى عز وجل نصًا صريحًا فى الآية المشار إليها آنفًا.
تاسعًا: الرسول يضع أساس الكشف عن الأحاديث الموضوعة
أدرك سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بحكم البصيرة الإلهية التى منحه الله تعالى إياها.. على حكم قوله تعالى: «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى» بأن من أسباب الفتن التى ستعصف بالأمة الإسلامية فى مستقبل أيامها ما سيعتمد عليه مثيرو هذه الفتن من أحاديث موضوعة تنسب زورًا وبهتانًا لسيدنا رسول الله، وبما يخدم أهدافهم. لذلك وضع حضرته ميزان الحكم بين الحديث الصحيح.
خلاصة القول
يتضح مما سبق أن سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» كان المولى عز وجل يكشف له الغيب ليحدثنا ويحذرنا مما سيقع من فتن، وكيف يمكن أن نواجهها، ونطفئ نيرانها أو نتجنبها أصلًا، وليس بخاف على أحد من المسلمين أن سيدنا رسول الله فى رحلة العروج إلى سماوات القرب الإلهى قد تخطى مكانة ومقام سيدنا جبريل عليه السلام، وارتقى فيما هو غير معلوم لسيدنا جبريل حتى تشرف بالمثول أمام حضرة القدس الإلهى «فأوحى إلى عبده ما أوحى» فهل بعد هذا التشريف الإلهى يمكن القول بأن حضرته لا يعلم الغيب، وحتى أن المولى عز وجل هو غيب الغيب؟ حقيقة إن ما دون المولى عز وجل من علم أو غيب لا يمكن أن يستعصى على سيدنا رسول الله، وهو القائل فى حديثه الشريف «أنا مدينة العلم وعلى بابها»، لذلك عندما تحدث سيدنا على رضى الله عنه عن أحداث المستقبل سواء فى كتابه «كتاب الفتن» أو «نهج البلاغة» أو «الجفر» كان يتحدث بما تعلمه من سيدنا رسول الله «مدينة العلم».
ولأن ما يجوز فى حق رسول يجوز أيضًا فى حق باقى رسل الله، فقد كشف الله الغيب أيضا لجميع رسله الكرام. من ذلك ما كشفه الله تعالى لسيدنا نوح عن أنه لن يؤمن من قومه إلا من آمن، وأن عليه أن يصنع الفلك لينجو منها حضرته والمؤمنون به عندما تحل النقمة الإلهية بالغرق على الكافرين والمعرضين من قومه، كما كشف الله الغيب لسيدنا إبراهيم عندما أخبره الملكان بالنقمة الإلهية التى ستحيق بقوم سيدنا لوط. كذلك كشف الله الغيب لسيدنا موسى عندما كلمه فى الميقات عن الفتنة التى حلت بقومه على أيدى السامرى. وأيضا كشف الله الغيب لسيدنا يعقوب عندما أخبره بالمحنة التى سيتعرض لها سيدنا يوسف على أيدى إخوته، لذلك قال لهم حضرته عندما انكشفت المحنة «ألم أقل لكم إنى أعلم من الله ما لا تعلمون» «يوسف ٩٦» كما أطلع المولى عز وجل سيدنا يوسف على المحنة التى ستمر بها مصر عندما تنخفض مياه النيل ويحل الجفاف ويقل الزرع، وأخبره كيف يتخطى بمصر هذه المحنة. وهكذا كان الأمر مع جميع رسل الله فى اطلاعهم على الغيب بإذن من الله تعالى، لذلك لم يكن الغيب يشكل أدنى مشكلة بالنسبة لحضراتهم لما اختصهم الله تعالى بهذا الفضل.
أما سؤال كاتب المقال عما إذا كان سيدنا رسول الله قد حذرنا من داعش؟
وهو ما أوضحنا الإجابة عنه آنفًا بنعم فى كل الأحاديث التى أشار فيها حضرته للفتن التى ستحيق بالأمة الإسلامية فى مستقبل الأيام، بل وحذر منها وأوضح كيفية تجنبها والنجاة منها، إلا أنه بجانب ذلك ينبغى أن نؤكد على أن العديد من آيات القرآن تشير بوضوح إلى الواقع الذى نعيشه اليوم، والذى ستحياه الأجيال المقبلة إلى ما شاء الله، وذلك على حكم قوله تعالى: «لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون» «الأنبياء - ١٠»، أى واقعكم يا من تقرأون القرآن اليوم، ويا من ستقرأون القرآن فى القرون المقبلة ما دامت السماوات والأرض، وهذا هو معنى واقعية الدين الذى تشير إليه الآية الكريمة «إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع» «الذاريات ٥١»، وليس معنى «ذكركم» أى تشريفكم وهو تفسير خاطئ ورده فى كل كتب التفاسير، لأن ذكركم تعنى فى الحقيقة «واقعكم» بكل ما يحمله هذا الواقع فى كل زمن من أمور تتعلق بالدين والدنيا وما تحويه من فتن وصراعات ومشاكل، ولأن المخاطب فى جميع آيات القرآن حاضر وموجود ومكلف فعلًا، فإنه يخاطبنا الآن بنفس خطاب السابقين ويحذرنا نفس تحذير السابقين ويعدنا وعد السابقين، وكيف كانت عاقبة الكافرين والمكذبين فى كل عصر، ويكفى من القرآن فى هذا التساؤل الوارد فى ختام هذه الآية بقرع أسماعنا «أفلا تعقلون» أى أفلا تعقلون يا من أوقفتم القرآن على عصر دون عصر، ومناسبة دون أخرى، وقوم دون قوم، وحولتم القرآن بذلك إلى كتاب تاريخ لأحداث مضت وانتهى زمانها فى حين يشير القصص القرآنى إلى تكرار سيرة الأقوام السابقة وتكرار العقاب الإلهى ضد كل من لا يستجيب لدعوة الرسل.. من ذلك قوله فى شأن النقمة الإلهية التى حلت بقوم سيدنا لوط «فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود موسمة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد» «هود - ٨٢» أى أن نفس النقمة الإلهية التى حلت بقوم سيدنا لوط ستحل مستقبلًا وعلى مدار القرون على من يسلكون نفس المعصية، يصدق ذلك مع قوله تعالى «أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها» «محمد - ١٠»، يؤكد أيضًا هذا المعنى حديث سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: «ستتبعون سنن من قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».
ولقد كان كاتب المقال صادقًا عندما ذكر أن أحد أسباب التطرف الدينى ترجع جذوره إلى التأويل الخاطئ وتحريف القرآن على أيدى المتطرفين ولأهمية تأويل التشابه من آيات القرآن وهى الأكثرية فيه، والتحذير من مخاطر التأويل الخاطئ لها، فقد اختص الله رسله ومن وصفهم بالراسخين فى العلم بعلم التأويل.. منهم على سبيل المثال ابن عباس الذى دعا له الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل»، ومعنى هذا الدعاء أن حضرته طلب له من الله أن يفقهه فى الدين، أى الآيات المحكمات ويعلمه التأويل أى الآيات المتشابهات، ولابد أن ابن عباس كان أيضا معلمًا لغيره من الصحابة ممن كانوا أهلًا لهذا العلم، ولكن للًاسف سلك معظم علماء الدين أسلوب التفسير متناسين عن جهل أو عمد حتمية تأويل المتشابه من آيات القرآن.
وأخيرًا لعل ما أوردناه فى السطور السابقة من أمثلة من تسلل الدس والافتراءات والروايات الباطلة والإسرائيليات إلى الكتب الدينية لم يعد يخفى على أحد.. وإذا كانت الأمة الإسلامية تعانى اليوم أشد المعاناة من فتنة الإرهاب والتطرف التى تستهدف تمزيق أوصال الأمة الإسلامية، والقضاء على جيوشها ووحدتها ومصادر قوتها وثرواتها على أيدى الجماعات المتطرفة والإرهابية التى ترفع الشعارات الدينية وتستند إلى الأحكام المدسوسة والرؤية الباطلة.. فإن تنقية الكتب الدينية من الدس والافتراءات والإسرائيليات والروايات الباطلة تصبح فريضة على العلماء العاملين فى الأمة الإسلامية.