السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

اعترافات سيد القمني "الممنوعة من النشر"

قنابل المفكر "المزعج" فى تسجيل صوتى حديث

سيد القمنى
سيد القمنى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شباب الملحدين يملأون الدنيا نورًا
إسلام بحيرى «ركن القرآن على جنب»
«الدولة لها يد فى قتل فرج فودة».. هكذا قال لى نصر حامد أبو زيد
الصحفيون مغرضون ومش فاهمين حاجة
بلال فضل مجرد سيناريست مبتذل وأفكاره مسروقة وهارب من حكم
خلافى مع إبراهيم عيسى لأنه قال لي: «الإخوان فصيل وطنى»

لا يزال سيد القمنى يتكلم، ولا يزال يقول آراءه وأفكاره طالبًا ألَّا تخرج إلى النور.
إذا جلست إلى «القمني» تجرى حوارًا صحفيًا لن يستسلم إلى خوفه ورعبه من الاتهامات التى تلاحقه بالإلحاد، وازدراء الله، وسبّ الدين، سيترك صوته مسترسلًا وغارقًا فى أفكاره «الملغومة» التى تعبر عنه تماما، فالرجل يقصد ما يقوله، ولا يتبرَّأ منه فى لقاءاته الخاصة.. ثم يستوقفك قليلًا، ويقول: «ممكن أطلب منك طلب.. هذا الكلام ليس للنشر.. اعتبره دردشة جانبية».
للمفكر «المثير» تاريخ من الهروب من فتاواه وآرائه الدينية والفكرية.. ربما تلمس له عذرًا يشفع له، فقد هدَّدوه بالقتل، وأحلّ دمه فى مساجد السلفيين، وأطلق «الإخوان» كلابهم عليه، وأرسل تنظيم «القاعدة» إلى «روز اليوسف» بيانا – حمل عنوان «رسالة تحذيرية» - يتوعَّده فيه بالتمثيل بجثته فى شوارع القاهرة عقابًا له على «دماغه». وضع «القمني» أفكاره على كفه، وألقى بها فى أقرب صفيحة زبالة، وفى رواية أخرى: «خلع كتبه وآراءه ومقالاته كما يخلع ملابسه الداخلية يوميًا».. هل كان أمامه طريق آخر؟ بالطبع لا.
من وجهة نظر إنسانية بحتة لن تعترض من انتقدوه، وعارضوه، وصلبوه على قبر حرية الرأى والتعبير واليسار، وقف «القمني» طريدًا من كل بيت فى مصر، كان على وشك أن يصبح «شهيد الفكر»، فقد تجلّى أمامه شاهد قبر فرج فودة، وذكريات «تكفير» و«نفي» نصر حامد أبو زيد.. فاختار حياته الخاصة، وأولاده الذين اختاروا - أيضًا – الحياة فى سلام. لماذا؟
لأن لا أحد يريد أن يعرف، ولا أحد يفكر.. وحين تقف بنته الجميلة «إيزيس» بلا أب ولا أم عارية فى ميدان عام، لن تكرمها الدولة.. سيشير إليها المارّة قائلين: «بنت الكافر».
لهذا كله، اختار «القمني» أن يصدر بيانا يقول فيه: «إننى أعلن براءة صريحة من كل ما سبق وكتبته، ولم أكن أظنه كفراً فإذا به يفهم كذلك، لذلك أعلن توبتى وبراءتى من كل الكفريات التى كتبتها فى مجلة (روز اليوسف) وغيرها براءة تامة صادقة يؤكدها عزمى على اعتزال الكتابة نهائياً من تاريخ نشر هذا البيان».
هذه حكايات من التاريخ تقف عند حدود أن تروى للمتعة، والمعرفة لا أكثر، فقد عاد بأفكاره وكتبه ومذكراته، وحصل على جائزة الدولة التقديرية عن مجمل كتبه، ودخل معارك وشد وتقطيع «هدوم» مع كتاب وصحفيين وشيوخ وسلفيين وجماعات، وخرج محمَّلًا بتراب المعركة، ومجموعة تلاميذ انضموا إليه.. كان اللافت إن كلهم ملحدون، أو ما يفصل بينهم وبين الإلحاد خطوة.
هل كان مقصودًا؟
الإجابة تحمل قصص وصور وأقوال شخصيات.. وتفتيشا وراء خطوط الملحدين العرب.. وليس تفتيشًا تحت جلد سيد القمنى وحده.
لأن هواة البحث عن المتاعب فى دروب الصحافة ليسوا أسرى الأرشيف وتجميع المعلومات من مقالب الإنترنت، عاد «القمني» يطلّ برأسه من جديد، لكن هذه المرة تحمل خصوصية وأسرارا ليست للنشر.
طلب «المفكر» المثقل بـ٧٠ عاما من الفكر والكتب والتاريخ من محدثه: «أرجوك لا تنشر هذا الكلام، اعتبره حوارًا خاصًا بينى وبينك.. لا أريد دخول معارك جديدة».
■ ■ ■
فى بداية الحوار كانت القنابل تنساب من فم المفكر الكبير بلا حساب.. قال: «الأديان كلها ذكورية تزعم أن المرأة ملك للرجل ومتعة له فقط، رغم أن المرأة كانت آلهة ومعبودة فى أزمنة قديمة».. ثم تراجع، وانسحب من أرض المعركة فى هدوء وعجز لا يليق به، مطالبًا بـ«عدم النشر».
يموت المفكر - فعليًا – حين يتوقف عن صناعة وإطلاق أفكاره.. فاقتحام الطرق والجبال المزروعة بالألغام - فقط – ما يحافظ له على الحيوية والحياة.
هل مات القمنى إكلينيكيًا؟
ليس هذا هو السؤال.. لا يزال قادرًا على الفكر.. ولا يزال خائفًا من الأفكار.
الحالة الصحية للمفكر الحاصل على جائزة الدولة التقديرية تبدو على ملامحه، متهالكة، تعبة، وتقترب من الوفاة.. يتحدث - الآن - وهو فى أيامه الأخيرة، إذ ربما يكون حواره الأخير، هو الذى بين يديّ تسجيل منه الآن.
■ ■ ■
دوَّن محاوره مجموعة ملاحظات تؤكد أنه لا يريد نشر بعض الفقرات، يخاف أن يدخل معركة من الأزهر، يطلب شطب ما يقوله عن «المشيخة»، يحتفظ به سرًّا خاصًا لا يكشف عنه، ولا يريد له أن تدور عليه ماكينات المطابع الساخنة.. التى يعتقد أنها تنتظر كلماته كما تنتظر «فرقعات القنابل» على حدود سيناء.
ولكن ما الذى دفع به فى طريق «المشيخة»؟
يقول «القمني» ساخرًا ومهاجمًا: «الأزهر ليس شريفًا.. والطيب زى أى أزهرى بعمامة لا أمل فيه».
يتقدّم «المفكر الضال» خطوة، يروى ما دار بينه وبين «الطيب»، يقول: «أنا شخصيا كنت بحاول آجى على نفسى وأقول الأزهر الحلو والجميل، وقلت له أنت رجل عظيم، وطلب منه أن يغير المناهج ويبطل يعلم العيال الإرهاب، لكن الحقيقة اكتشفت أنه لا أمل فى الأزهر كله».
■ ■ ■
ينتقل الحوار إلى دفة أخرى.. ولكن هل نشتبك مع «القمني» قليلًا؟
كان الجميع على خط النار ضد الأزهر لأنه لا يزال ينشر التخلف ويعلّم الإرهاب ويدرّب رجاله على القسوة والجهل، وضد أخونة المشيخة، وتسرَّب طلاب الجماعة الإرهابية إلى صفوف كليات الجامعة فى مدينة نصر، إلا أنه، وهو من أشدّ المعارضين للأفكار الدينية المتخلفة وقف صامتًا، لم يشتبك، ولم يشارك ضد «الجماعة المحظورة».
ربما أدرك أن الأمر متجاوزه، فاللعبة سياسية، ولا طاقة له بالسياسة.. ربما منح نفسه استراحة محارب منعزلًا بها إلى الفكر.. لكن الأمور خرجت من فلكه، ودارت فى دوائر أخرى.
ثم علق الآن على شعار الإخوان.. «الإسلام هو الحل».. متجاوزًا الجماعة إلى الدين نفسه.. يقول: «الإسلام مجرد دين وليس حلاً لأى شىء».
ملحوظة لا بدّ أن تظلّ مسجلة.. على الأقل للتاريخ.
■ ■ ■
يدخل «القمني» جانبًا آخر من الحوار، يتحدث عن إسلام بحيرى قائلًا: «عمل جهدا عظيما، ونشيط، اختار بذكاء يتكلم فى إيه، وترك القرآن على جنب».
ويضيف: «بيقول كلامى اللى قلته من ٢٠ سنة وماحدش صدقه».
دار الحوار حول كل شيء، فقط التقط «القمني» منطقة الألغام، موجِّهًا كل سهامه لها، قال جملة طلب ألّا تنشر، وألا تخرج من حدود بيته، مادحًا تلاميذه: «شباب الملحدين يملأون الدنيا نورًا».
تفاصيل أخرى عن علاقة «القمني» بالملحدين فى مصر تستحق أن تروى، هم لا يعتبرونه مجرد مفكر أو ناقدا إسلاميا هاجم التراث والقرآن، إنما رجل «وضع ألغامه» فى المصحف.. هو الأستاذ إذن.
لا يخفى حنينه إلى أيام شبابه التى قادته إلى الإلحاد، ويرى نفسه فى كل هؤلاء.. صورة فى مكتبه مع أحمد حرقان، السلفى المتحوّل، وأيمن رمزي، المطرود من وزارة «التعليم» لدعوته الطلاب إلى «هجرة الدين»، حيث حلّ ضيفًا على قناة «العقل الحرة» المموّلة ذاتيًا من جيوب شباب الملحدين لعرض فكره، هل كان نقيًا وخالصًا لله حين ظهر على قناة «إلحاد»؟
كان خالصًا لرأيه وفكره.. وليس لله وحده.
■ ■ ■
لا يفوّت «القمني» فرصة مهاجمة الدولة.. كان ينتظر أن تقف بجوار المفكرين والمحلّقين دينيًا، أو المحلّقين فوق الدين، إلا أن الحكومة طاردتهم فى الشوارع، هذا الأداء الحكومى مسّ وترًا حساسًا لديه، فتذكر فرج فودة.. وقال: «الدولة تكره المفكرين.. بحثت أنا ونصر حامد أبو زيد وراء من قتل فرج إذن، إذا كان الجميع يدين مقتل مفكر مصرى بحجمه، وتوصلت إلى إن الدولة لها يد فى الموضوع.. وقتلت فرج.. هكذا قال نصر».