الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

جلال ندا يحاور أول طيار مصري هاجم تل أبيب

ننفرد بنشر وتحقيق مذكرات البكباشى جلال ندا

مجلس قيادة الثورة
مجلس قيادة الثورة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قرار القيام بالثورة اتخذه خمسة فقط وهيكل لم يعرف أي واحد منا قبلها خصوصا عبدالناصر لكنه أشاع ذلك كذبا
اختيار نجيب لم يكن لشخصه لكن لرتبته وسمعته الطيبة بين الضباط والناس.. وكنا محتاجين لرتبة كبيرة تجعلنا مقبولين شعبيا
عبداللطيف بغدادي: خميس والبقري تزعما مظاهرات كفر الدوار وكان يجب الضرب بشدة حتى لا تنتقل عدوى الدموية لباقى المصانع
فى يوليو حدثت الثورة، وقبلها بنحو أربع سنوات، حدثت مسببات النكبة العربية، فى يوليو أيضا، لا فى مايو كما يعتقد الذين أرخوا لها ببداية الحرب ومفاوضات الهدنة، فيما الأحداث كلها تشير إلى أن يوليو الذى كان شهرا للنكبة والهزيمة فى 1948، تحول بعد تشكيل اللبنة الأولى للضباط الأحرار بعدها، ليكون شهر الثورة التى غيرت مجرى الأحداث فى مصر.. فى هذه السلسلة من الحلقات نتحدث عن الحرب وذكرياتها، من خلال أوراق الراحل البكباشى جلال ندا الذى استودعها أمانة لدى الكاتب، وفيها أيضا الكثير من الوقائع التى ذكرها على لسانه باعتباره شاهدا على مجريات الأحداث، أو على ألسنة قادة الثورة أنفسهم، كاشفا ما غم على كثير ممن أرخوا للحدث العظيم فى تاريخ مصر الحديث، ومع تتابع الحلقات سنتعرف على ندا شخصيا مصحوبا بذكرياته عن الحرب التى شارك فيها، وكيف أنقذ جمال عبدالناصر من الموت، بينما هو قعيد مصاب لا يجد منفذا لعلاجه، وكيف كانت قيادة البطل أحمد عبدالعزيز للفدائيين، وعن الهدنة التى خربت التاريخ المعاصر للعرب، وتسببت فى هزيمتهم بالشكل الذى يؤرخ له المؤرخون باعتبارها النكبة العربية، ودور الإخوان المسلمين فى هذه الهزيمة، وخطة القائد عبدالعزيز لاحتلال القدس، ونتيجة رفض القيادة لها، وبعدها نستمع لشهادته عن بدء تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، وكيف تشكلت علاقة محمد حسنين هيكل بعبدالناصر، ثم الحوارات التى أجراها مع بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة، وتحقيقنا لكثير مما ورد فيها، عبر شهادات أخرى لم ترد فى مذكراته، سعيا للبحث عن حقيقة ما حدث فى مصر منذ العام 1948 إلى قيام الثورة لنصل إلى ذهاب السادات إلى القدس، ورأى المعاصرين لعهده فى هذه المبادرة، كل هذا وأشياء أخرى ستمثل مفاجآت نتركها لوقتها.
يستمر جلال ندا فى الحصول على شهادات أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو، فبعد أن حصل على شهادة كل من محمد نجيب وعبدالمنعم أمين ثم خالد محيى الدين، يلتقى فى هذه الحلقة مع قائد الجناح عبداللطيف بغدادى نائب رئيس الجمهورية الأسبق فى منزله بمدينة نصر الذى اشتهر بكونه قائد تنظيم الطيران قبل الثورة وأول طيار مصري ألقى قنابله فوق تل أبيب إبان حرب فلسطين، أو كما بدأ ندا تقديمه: «على ربوة عالية بمدينة نصر بالقرب من استاد القاهرة يمكنك أن تشاهد فيلا من طابقين وسط حديقة منسقة، حيث يقيم السيد عبداللطيف بغدادى مع زوجته وابنته الصغرى فى هذه الفيلا، تم اللقاء فى غرفة مكتب مؤثثة تأثيثا متوسطا لا يدل على أن صاحبها كان فى أعلى مراكز السلطة، وخلال حديثنا فوجئت به يقوم بنفسه ويحضر فنجان القهوة الذى طلبه لى، وقد فهمت أنه لا يوجد بالمنزل أحد من الخدم فقد تعذر عليه أن يعثر على من يساعده نظرا لقلة الأيدى العاملة حاليا بالقاهرة لهروبهم وراء الأجور العالية فى البلاد العربية».. بعد أن تناولنا القهوة جرى الحديث التالى.
■ حضرت أستوضح بعض نقاط بسيطة؟
- بس قبل التسجيل نعرف الموضوع.
■ إذا كان هناك شيء لا ينال رضاك نلغيه، لكن أولا من كان صاحب قرار القيام بالثورة؟
- ٥ هم: جمال عبدالناصر، عبدالحكيم، حسن إبراهيم، خالد محيي الدين، عبداللطيف بغدادي.
■ كثير من الشباب هذه الأيام لا يعرفون من هم الضباط الأحرار حدثنا عن هؤلاء الضباط وكيف تعارفوا؟
- الحكاية كما وردت فى مذكراتى التى سأحكى لك جزءا منها تبدأ باتصال جمال عبدالناصر بقلة من ضباط الجيش والطيران المعروفين بوطنيتهم وجديتهم وشعبيتهم وسط زملائهم من الضباط، إما لدورهم البطولى فى حرب فلسطين أو لسابق نشاطهم الوطنى، فاتصل قبل قيام الحرب بالطيار عبدالمنعم عبدالرؤوف، وعبدالمنعم قدّم له كمال الدين حسين وخالد محيى الدين وحسن إبراهيم، وكانت بعض اللقاءات تتم بينهم قبل الحرب، وبعدها اقترح جمال على المجموعة ضم عبدالحكيم عامر وصلاح سالم وأنا، فأصبح العدد ثمانية، جمال كان صديقا لعبدالحكيم من أيام خدمتهم مع بعض فى السودان، جمال كان اتعرف على صلاح سالم وقت حصار الفالوجة، أما أنا فكنت أعرف جمال قبلها، لكن كانت دى أول مرة نتقابل فيها كعمل وطنى من خلال تنظيم سرى، كمان كانت معرفتى بعبدالمنعم عبدالرؤوف سببها وجودنا فى سلاح واحد.
أما خالد فتعرفت به فى نهاية عام ١٩٤٢م لما كان حارسا على الطيار حسن عزت بعد القبض على الجاسوس الألمانى وتعرفه عليه هو وأنور السادات، أما كمال وصلاح وعبدالحكيم فكانت دى أول مرة ألتقى بهم، وقبل نهاية ١٩٥١ انضم إلى هذه المجموعة الطيار جمال سالم، بعدها اقترح جمال عبدالناصر ضم السادات للجنة بعد ما سألنا عن رأينا فيه لأنه كان معانا فى تنظيم عام ١٩٤٠، ووافقنا كلنا على انضمامه ولم يعترض عليه إلا عبدالمنعم عبدالرؤوف، وبكده بقى العدد بعد ضم جمال سالم وأنور السادات ١٠ ضباط، أما زكريا محيى الدين وحسين الشافعى فتم ضمهما إلى مجلس القيادة قبل قيامها بفترة بسيطة، ثم انضم عبد المنعم أمين من المدفعية ويوسف منصور صديق من المشاة بعدها لدورهما ليلة قيام الثورة، واستمروا بالمجلس لفترة بسيطة ثم استقال يوسف وأبعد عبدالمنعم وعين سفيرًا لمصر فى بلجيكا.
■ ما تأثير انتخابات نادى الضباط على التنظيم؟
- الانتخابات نجح فيها جميع مرشحينا وده أكد فعالية التنظيم، لكنها من جانب آخر كانت نقطة ضعف، بعد ما تخلينا لأول مرة عن الأسلوب السرى الذى كنا ماشيين عليه، وكان نشاطنا علنيا فى الانتخابات وده كشفنا، وخلى من الطبيعى أن الملك يسعى مع أجهزة الأمن للبحث عن اللى وراء هذا التنظيم، ومين أفراده بغرض القضاء عليهم قبل استفحال خطرهم واستبعادهم من الجيش، ومن هنا كان لعامل الوقت أهمية قصوى، وكان علينا أن نسبق فى التحرك وأن نضرب ضربتنا ونقوم بما اتفقنا عليه، قبل أن يعمل الملك على تصفيتنا نهائيًّا.
■ قلت وكل ضباط يوليو أن الخطة سرية.. فكيف علم الملك بميعاد الثورة؟
- لم نعلم إلا فى صباح اليوم التالى ٢٣ يوليو.. لما أبلغنى عامل التليفون بمطار مصر الجديدة أن قائد اللواء الجوى «صالح محمود صالح» طلب منه فى مساء ليلة الثورة، توصيله تليفونيًّا بياور الملك النوباتجى فى سراى رأس التين بالإسكندرية لأن الملك كان موجودا فيه، العامل سمع الحديث واللى أبلغ فيه صالح الياور علمه أن فيه وحدات من الجيش ها تقوم فى نفس الليلة بعمل انقلاب عسكرى، وطبيعى الياور يبلغ قيادته فى السراي، و«صالح» كان عرف بالأمر لما شك فى تصرفات شقيقه اليوزباشى بالمدفعية، اللى كان مشترك معانا فى تنفيذ العملية.
■ هل كان السادات متهربا بالفعل من المشاركة كما قيل عن موضوع ذهابه للسينما؟
- أقولك مافيش حد يقدر يجزم بده لكن القصة إنه بعد السيطرة على مبنى القيادة، والتحفظ على القيادات اللى تجمعت بها، سمعنا شخص بينادى باسم عبدالحكيم من الشارع الموازى لشارع الخليفة المأمون، وده كان أنور السادات. وكان العساكر التابعون لنا فى المنطقة منعوه من عبور الكوبرى الموصل بين الشارعين، وعلى ما يظهر إنه التبس عليه الأمر وفهم خطأ الموعد للتنفيذ عندما أبلغه حسن إبراهيم به فى العريش، علشان كده راح مع زوجته السينما فى نفس ليلة التنفيذ، وجمال كان راح له مع كمال الدين حسين فى منزله ليلة ٢٢ يوليو، وعرفوا من البواب إنه راح السينما، فجمال ساب له رسالة كتب بها «إن المشروع سيتم الليلة وفى انتظارك الساعة ٢٢٠٠ فى بيت عبدالحكيم»، أنور لما رجع قراها وفهم المقصود منها فحضر للمشاركة، ولكن ساعتها إحنا لم نكن فى حاجة لتعطيل شبكة التليفونات بعد أن سيطرنا على القيادة!
■ فى إجاباتك السابقة لم تذكر اسم محمد نجيب فما كان دوره؟
- يعنى كفاية قوى إن إحنا انتخبناه رئيسا للنادى على أساس سمعته وكمان كان معروفا أنه وطنى وضد السرايا وبعدين اتعرض عليه تزعم الثورة وكان بداية العرض يوم ١٩ يوليو، وكنت أنا وهيكل عند نجيب وبعدين إحنا كنا مجتمعين وعبدالناصر وعبدالحكيم فى بيتنا وقررنا، وبعدين راحوا يعرضوا على محمد نجيب الاشتراك لأن فؤاد صادق كان اعتذر قبل كده لصلاح سالم، فوجدوا هيكل والحديث عن موضوع رفع القضية بتاعة انتخابات النادى يدور فخرجوا وقعدوا فى العربية.
■ معنى كلامك إن نجيب لم يشارك فعليا فى التخطيط.. ده حقيقي؟
- طبعا نجيب قبل المهمة ودى شجاعة تحسب له، لكن إحنا بنتكلم فى تاريخ، فبعد تنفيذ الجزء الأول من الخطة اتصلنا بنجيب فى بيته، وأبلغناه بما تم ونجاحنا فى السيطرة على القيادة، وتفاصيل ما قمنا به، وطلبنا منه الحضور ليتولى القيادة فقبل المهمة، وأرسلنا له سيارة مصفحة لمرافقته وحراسته أثناء الطريق من منزله إلى مبنى القيادة، ولما وصل قال إن مرتضى المراغى وزير الداخلية اتصل به قبل حضوره تليفونيا من الإسكندرية، ليستفهم عن طلبات المتمردين على حسب تعبيره، وطلب من نجيب العمل على تهدئة الأوضاع فنجيب قال له: «أنا معرفش حاجة عن اللى حصل».
■ إذن ما سبب اختيار نجيب؟
- مش نجيب بشخصه، لكن الرأى أننا لازم نختار واحدا من الضباط أصحاب الرتب العالية فى الجيش، من المعروفين للناس بسمعتهم الطيبة، لتولى القيادة لأننا زى ما أنت عارف كلنا من أعضاء الرتب الصغيرة (بكباشية وصاغات)، والناس ممكن لا تقتنع بينا لما يعلن عن الثورة وأعضائها، وكنا فى أشد الحاجة إلى ثقة واطمئنان الشعب خصوصا فى المراحل الأولى من الثورة، ومحمد نجيب كان معروفا للرأى العام من وقت معركة انتخابات نادى الضباط، وكان معروفا كمان لضباط الجيش من خلال أنه قد قاتل بشجاعة فى حرب فلسطين وجرح مرتين.
■ نعود إلى يومياتك وكما قلت إنك كنت تدونها يوما بيوم.. ماذا حدث فى أول أيام الثورة؟
- فى يوم ٢٥ يوليو سافر محمد نجيب إلى الإسكندرية ومعه جمال سالم، وحسن إبراهيم وأنور السادات وزكريا محيى الدين وحسين الشافعى ويوسف منصور صديق وعبدالمنعم أمين ليتولوا قيادة الوحدات التى ستقوم بحصار قصر رأس التين وقصر المنتزه الساعة السابعة صباح يوم ٢٦ يوليو، للضغط على الملك وإجباره على التنازل عن العرش لصالح ابنه أحمد فؤاد، وده حصل بالفعل، وكان الطيران يقوم بعملية استكشاف فوق البحر لمنع فاروق من الهرب، على يخته الخاص (المحروسة) أو أى قطعة بحرية، تمت السيطرة الكاملة على المدينة وحصار القصرين، فطلب من فاروق التوقيع على الوثيقة المعدة من جانبنا بالتنازل عن العرش، قبل الساعة الثانية عشرة ظهرًا من نفس اليوم – ٢٦ يوليو- وبعدها يغادر البلاد على ظهر يخته الخاص قبل الساعة السادسة من مساء نفس اليوم، ويسمح له بنقل احتياجاته الشخصية هو وأفراد عائلته على ظهر اليخت.
■ سمعت أن كان هناك اتجاه لمحاكمة فاروق وإعدامه.. هل هذا صحيح؟
- صحيح، وكان جمال سالم هو صاحب الاقتراح.. صحانا جميعا من النوم فى نص ليل يوم ٢٥ يوليو بعد ما حضر من الإسكندرية وأثار موضوع محاكمة الملك وإعدامه، وأن فى الإسكندرية مطالب باتخاذ هذه الخطوة، وتناقشنا فى الأمر واستقر الرأى على أنه من الأفضل أن يترك الملك وشأنه وللتاريخ أن يحكم عليه، وليس عليه إلا أن يغادر البلاد فى الموعد الذى سبق واتفق عليه بعد أن يوقع على وثيقة التنازل عن العرش، التى قدمها محمد نجيب لعلى ماهر مصحوبة بإنذار، لكن على ما ظهر على ماهر أبلغ الملك شفويا بفحوى الإنذار تجنبا للإحراج لأن الإنذار كان به كلام شديد اللهجة، فكلف المستشار سليمان حافظ للقيام بتلك المهمة، فكانت المفاجأة أن فاروق لم يعترض لكن طلب زيادة كلمة بإرادتنا بعد جملة بناء على إرادة الأمة، لكن سليمان حافظ رفض التعديل ونفذ توجيهاتنا، فقام الملك بالتوقيع وهو يرتجف حتى إن توقيعه كان مهزوزا فى المرة الأولى، فوقع مرة تانية، لذلك تلاحظ أن وثيقة التنازل بها توقيعان للملك، هو نفسه قال لسليمان بعد التوقيع الأول: «أعتذر فالموقف عصيب».
■ هل كانت وثيقة التنازل من إعداد المجلس أقصد مجلس قيادة الثورة؟
- لا لكن الذى أعدها هو الدكتور عبدالرازق السنهورى رئيس مجلس الدولة فى صيغة أمر ملكى يستلهم ديباجته من الدستور – وكانت كلماتها موجزة، ذكرتها فى يومياتى وأحفظها عن ظهر قلب، قال فيها السنهورى: «أمر ملكى رقم ٦٥ لسنة ١٩٥٢ نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان، لما كنا نتطلب الخير دائمًا لأمتنا ونبتغى سعادتها ورقيها – ولما كنا نرغب رغبة أكيدة فى تجنيب البلاد المصاعب التى تواجهها فى هذه الظروف الدقيقة ونزولاً على إرادة الشعب – قررنا النزول عن العرش لولى عهدنا الأمير أحمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس الدولة للعمل بمقتضاه»، صدر بقصر رأس التين فى ٤ ذي القعدة ١٣٧١ (٢٦ يوليو ١٩٥٢).
■ كان من مبادئ الثورة القضاء على الإقطاع وإقامة عدالة اجتماعية فماذا حدث فى كوليس تنفيذها؟
- كانت الخطوة الثانية بعد تنظيم أوضاع الجيش، إننا نشتغل بسرعة على إجراءات لازمة وضرورية لإعادة توزيع الأرض الزراعية، بإصدار قانون يحقق تلك الأهداف فكان «قانون الإصلاح الزراعي»، وقوانين العمل اللى بتؤمن العامل وتوفر له الحماية من تعسف صاحب العمل وتحدد العلاقة بينهما، كانت قناعتنا جميعا أن ده هو حجر الزاوية فى نجاح الثورة، فكلف مجلس القيادة جمال سالم أن يتولى أمر إعداد مشروع القانون، بالاستعانة ببعض الفنيين الزراعيين من ذوى الخبرة فى هذا الميدان وكمان بعض القانونيين، وكان على رأسهم الدكتور عبدالرزاق أحمد السنهورى رئيس مجلس الدولة فى ذلك الوقت، ومجموعة أخرى من الشباب المصرى من أصحاب الخبرة بشئون الزراعة، وكان على رأسهم المهندس سيد مرعى والمهندس سعد هجرس والمهندس عزت عبدالوهاب، كمان جمال سالم نفسه كان عنده فكرة عامة عن الموضوع، وحاول أيام علاجه فى لندن دراسة بعض جوانبه، وللحقيقة بذل جمال ومساعدوه جهدا كبيرا لإعداد القانون فى وقت قصير رغم تعدد مشاكله وجوانبه.
■ بمناسبة جمال سالم أعلم أنه شارك مع رشاد مهنا فى تأمين العريش وقت قيام الثورة، وحاولت التحاور مع مهنا لكنه رفض وواضح أنه تدين بشكل يمنعه من الحديث.. لذلك أود السؤال عن سبب خروجه من المجلس؟
- بعد خروج الملك كان من الضرورى تشكيل مجلس وصاية مؤقت لابن فاروق القاصر حتى يستكمل الوضع الدستورى بالبلاد، وشكل هذا المجلس من الأمير محمد عبدالمنعم وهو من أسرة محمد على، وبهى الدين بركات باشا وكان من خيرة رجال مصر ومن ذوى السمعة الطيبة، والقائمقام رشاد مهنا من ضباط سلاح المدفعية، اللى ساهموا فى السيطرة على قوات الجيش فى منطقة العريش، صباح يوم ٢٣ يوليو، بالتعاون مع جمال سالم وصلاح، وكان صدر قرار تعيينه فى هذا المنصب، بغرض إبعاده عن الجيش، ولتفادى الصدام معه، وهو كان قد حضر فجأة إلى القاهرة من العريش يوم ٢٧ يوليو، أى ثانى يوم لمغادرة فاروق البلاد ورأيناه يتصرف وكأنه أحد المحركين الأساسيين للثورة، وكان معروفا بطموحه وله شعبية بين ضباط المدفعية، بعد التعيين هدأت نفسه، خاصة أن المجلس عينه وزيرا للمواصلات لمدة ٢٤ ساعة، لاستكمال الشكل الدستورى لتولى مهمة مجلس الوصاية، تصور أنه عبر لنا عن شكره لدرجة أن عينيه دمعت من شدة الانفعال، لكن للتاريخ لم يكن يدرى السبب الرئيسى وراء تعيينه، لكن ده ممنعش الصدام معاه، بعد فترة وجيزة جدا، من توليه المنصب لما ساند على ماهر فى موقفه المعارض لقانون الإصلاح الزراعى، وفى يوم ١٤ أكتوبر قررنا كمجلس قيادة الثورة استبعاد رشاد مهنا، من عضوية مجلس الوصاية مع تحديد إقامته بعد التأكد من أنه كان بيهاجم الثورة وبيحرض بعض الضباط ضدها، ولأنه بقى بيدافع عن مصالح ملاك الأرض بوقوفه ضد قانون الإصلاح الزراعى، وده أبعده عن الثورة وأهدافها، وبقى وجوده كعضو فى مجلس الوصاية لا يمثل اتجاهاتها ولا يعبر عنها.
■ بعد نجاح الثورة هل قابلتكم عقبات خاصة مع الشعب؟
- لم تكن الفترة الأولى من بعد قيام الثورة هادئة، لكن قابلتنا بعض المشاكل، من بعض العمال فى شركة كفر الدوار للغزل والنسيج، وده حصل بعد أقل من شهر من قيام الثورة، وتحديدا فى أغسطس ١٩٥٢، حصل إضراب فى المصنع ده، وكانت الزعامة لبعض الشيوعيين، بحجة طلب رفع أجورهم وتحسين أحوالهم، فهاجموا مكاتب الشركة وسياراتها وحرقوها، وده لأن الشيوعيين كانوا خايفين من الثورة لدرجة إنهم وصفوها بالبرجوازية وإن أمريكا هى اللى حركتها وتقف وراها، العملية خلفت وراها بعض الضحايا قتلى وجرحى، وكان لازم التصرف بحزم ناحية الشغب ده، علشان ما يعديش المصانع والشركات التانية، فقررنا تشكيل محكمة عسكرية، تولى رئاستها يومها عبدالمنعم أمين، وتمت المحاكمة وصدرت الأحكام، وكان من ضمنها إعدام اثنين من المتهمين واحد منهم شيوعى اسمه مصطفى خميس والتانى اسمه محمد حسن البقرى، ودول كانوا المحركين الأساسيين للأحداث، وتم التنفيذ بعد تصديق مجلس قيادة الثورة بالإجماع، لأننا اتفقنا أن أى حكم إعدام لا ينفذ إلا بإجماع الآراء، الحكم جنبنا بعد كده أى مشاكل، لأن ما حدث فى كفر الدوار لم يتكرر.
■ طيب باعتبارك كنت من الطيران، فيه ناس قالوا إنه كان فيه طيارة تبع إلى T.W.A جاهزة فى المطار ليلة الثورة، ليستقلها قادة الثورة فى حالة فشلها للهروب بها وأمريكا هى اللى جهزتها؟
- مش ممكن الكلام ده، ده إحنا علشان نتصل بالسفير الأمريكانى ليلة الثورة جبنا على صبرى الساعة ثلاثة الصبح، اتصلت بيه بالتليفون لأنه كان صاحب الملحق الجوى وقلنا له بلغه علشان يبلغ السفير أن الثورة قامت للإصلاح الداخلى وهى حريصة على مصالح الأجانب.
■ لكن زكريا قال إنه وعبدالمنعم أمين ذهبا صباح يوم ٢٣ يوليو إلى السفير الأمريكى مستر كانرى لإخطاره.
- ما افتكرش، وإحنا فهمناهم أنها كلها كانت طلبات خاصة بالجيش.
■ لى سؤال سألته لكل من حاورتهم من السادة أعضاء مجلس قيادة الثورة وهو هل كان هيكل على علاقه بكم قبل الثورة؟
- يعنى إيه بكم؟.. تقصد بأعضائها أم بعبدالناصر؟
■ بكم على العموم وبعبدالناصر خصوصا؟
- بالتأكيد لم تكن لهيكل أى علاقة بأى حد مننا قبل الثورة، لكن هو استمر يشيع إنه كان على علاقة بعبدالناصر وضباط الثورة، ولعلك تذكر يوم ١٩ لما راح جمال وعبدالحكيم ويوسف صديق، لنجيب وكنت أنت وهيكل هناك، وكانوا رايحين يفاتحوه فى مسألة الاشتراك معانا وتولى القيادة لو نجحت، وبعدين هيكل فتح موضوع النادى والجيش ناوى يعمل إيه، فجمال قال له إحنا ما لناش فى الحاجات دى، وقال له السلام عليكم ومشى، وهم كانوا رايحين يفاتحوا محمد نجيب بميعاد الثورة، يعنى لم تكن هناك علاقة بين هيكل وبين جمال عبدالناصر، العلاقة جاءت عن طريق صلاح سالم بعد الثورة.
أنا عارف.. وأنا شرحت القصة دى تفصيلا فى الدستور لأن هيكل ذهب معى إلى محمد نجيب يوم ١٩ يوليو ٥٢ علشان تعرف منه نتيجة مقابلته للدكتور محمد هاشم باشا، لأنه كان عرض عليه منصب وزير حربية، وأثناء وجودنا حضر جمال ويوسف وعبدالحكيم فأنا بدأت أتكلم مع نجيب وقلت له أنا رفعت القضية أمام مجلس الدولة بخصوص حل مجلس الإدارة، قام جمال سألنى عن مصاريف القضية وما تكلفته فقلت له خلاص أنا دفعت، فقال لى لا إحنا بنجمع فلوس علشان الحاجات دى، فقلت له ستة جنيهات فأعطانى المبلغ، فهيكل كان جالسا على يسارى شعر من عبارة احنا بنلم فلوس أن جمال يشكل شيئا مهما فمال عليّ وسألنى مين ده؟ فقلت له البكباشى جمال عبدالناصر فقال لى عرفنى به فقمت بالتعريف هذه هى القصة بالظبط.