الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مجددون جدد.. عثمان عبدالرحيم القميحي "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونمضى فى متابعة كتاب «تطبيق مفاهيم الجودة الشاملة على منظومة الدعوة الإسلامية» وهو كتاب كلما تواصلنا معه أمتعنا بقدر ما أدهشنا.
ويواصل الدكتور القميحى دعوتنا إلى التأمل.. فالدعوة إلى تطوير الخطاب الدينى وتجديده وإعمال العقل وحرية الفكر فى التعامل معه لم تأت من فراغ، وإنما كما يقول «بعد أن تأثر مجال الدعوة الإسلامية بالحال العام الذى تعيشه الأمة الإسلامية من إهمال وتخلف وجمود، حيث لم تعد للمسلمين القدرة على إبداع معايير جودة لمجال الدعوة الإسلامية» (ص٦١)، هذا بالإضافة إلى توهم البعض أن مفاهيم الجودة فى وقتنا الحاضر أصبح ينسب إلى الفكر التغريبى، على اعتبار أن مبادئ الجودة الشاملة ومدارسها المختلفة قد جاءت من الغرب، ومن ثم لا يتم التعامل مع هذا العلم الوافد بمعزل عن نظرية المؤامرة، أو بمعزل عن قضية التقليد والاستلاب الحضارى، علما بأن مبادئ الجودة هى فى أساسها إسلامية.
عملا بقول الرسول «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» (أخرجه أبويعلى والطبرانى)، وقد تكون الجودة على أى حال مشتركا حضاريا تلاقت عليه الشرائع، كما أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها» (ص٦٢). 
ثم يحدد المؤلف نقطة الانطلاق لفكرته التجديدية فيقول «إنها إعادة الاعتبار للعملية الدعوية باعتبارها عملا عظيما يقوم فيه الدعاة بأدوار أشبه بالمجددين والمجتهدين الذين يدرسون واقع مجتمعاتهم»، وهم أصلا على اطلاع دقيق بمقاصد شريعتهم ليصوغوه فى النهاية، برامج فكرية وتجديدية لكل شرائح المجتمع، لكى يعيشوا الإسلام غضا طريا كما كان (ص٦٦)، ثم يقدم لنا المؤلف ملاحظة مهمة هى «أن الأهداف الدعوية المنصوص عليها فى كتب أصول الدين أهداف عامة لا تبرز فيها الخصوصية المجتمعية الخاصة بكل مجتمع إنسانى، إذ لكل مجتمع خصوصياته التى تفرز نمطا من المشكلات والقضايا التى تختلف عن غيره من المجتمعات، كأن تعانى بعض المجتمعات مثلا من الفقر والعوز، والبعض الآخر يعانى من المشاكل الطائفية والعرقية، فيكون دور البرنامج الدعوى التصدى لتلك الإشكاليات والتعاطى معها بمناهج دعوية متخصصة (ص٦٨)، وهكذا يلقننا الدكتور القميحى فكرة جديدة، فالدعوة لا يكفى أن تكون نظرية أو تجديدية أو عقلانية، وإنما يتعين عليها أن تكون ظهيرا للمسلمين فى أى مجتمع تناقش مشاكلهم وتساندها فيكون الدين سندا للفقراء والمعوزين، وداعيا لإنهاء الخلافات الفارقة بين الفرق. 
ويدعونا المؤلف إلى تأمل «خطاب الأنبياء لأقوامهم بحسب معاناتهم، ذلك أن خطاب النبوة وثمرته وخلاصته وأصوله تنوعت مواصفاته بحسب هدفه وموضعه ومحله.
فخطاب العقيدة غير خطاب الدعوة، وخطاب الدعوة غير خطاب الدولة، وخطاب المعركة غير خطاب الحوار، وخطاب العلاقات الاجتماعية غير خطاب الولاء والبراء» ثم هو يحذرنا من «صور التدين المغشوش والفقه الحسير والمبتسر التى بدأت تطفو على الساحة وتعبث بالأحكام الشرعية وتختلط عندها مواصفات الخطاب، فيكون نفس الخطاب ذاته فى كل الأحوال والمواضع والمجالات، فتحدث النكبات ونسيء إلى الإسلام ودعوته ونعجز عن إيصاله إلى المسلمين والآخرين ونحن نحسب أننا نحسن صنعا» (ص٧٢). وبهذا يصل بنا المؤلف إلى مبتغاه.
فإذا كنا قد تأملنا العنوان والمقدمات فى دهشة فهو يقتادنا إلى الهدف.. وهو مواجهة ما سماه «الإسلام المغشوش»، وما نسميه نحن التأسلم الذى ينتشر كالوباء على أيدى أمثال الجماعة الإرهابية والقاعدة وداعش وبوكوحرام وغيرها.. وهو فى نفس الوقت يلقننا أن «الثقافة العقلانية المعاصرة لها تأثير على عقول كثير من الناس فى هذا الزمان فتجعلهم ينفرون بشدة مما يتنافى مع معطيات الثقافة المعاصرة»، ثم يأتى إلى ما سماه مصدر الخلل عند كثير من المتصدرين للدعوة «وهو الخلط بين ما هو مقدس وشرعى وبين ما هو محاولة بشرية اجتهادية قد تكون خطأ وقد تكون صوابا»، وكذلك «ليس كل خطاب يصلح لأى مكان، فلكل مكان خصوصيته ومشكلاته وطبيعته، كما هى طبيعة الناس الذين يعيشون فيه».
«فالخطاب فى بلد مسلم يفهم الناس فيه دينهم من منطلق التصديق والاستسلام يختلف تماما عن خطاب قوم لا يؤمنون إلا بالوقائع والدلائل العلمية» (ص٧٢)، ثم هو يعود ليذكرنا «أن العقلية الدعوية الغوغائية، أو الثقافة الغوغائية كلفت المسلمين الكثير، وأسهمت إلى حد بعيد فى عجزهم عن التعامل مع القيم الإسلامية الصحيحة، فاكتفوا بالنشوة والفخر بالإنجاز التاريخى، إضافة إلى الاقتصار فى الحديث عن عظمة الإسلام فقط دون التعرف على أسباب سقوط وتخلف المسلمين» (ص٧٤)، ثم يواصل الدكتور القميحى مواجهته الهادئة والحاسمة فى آن واحد لقوى التأسلم التى تحاول فرض إرادتها على عقول الكثيرين عبر العودة إلى وهم الخلافة والزعم بأنها جزء من الشريعة الإسلامية والسبيل إلى ذلك هو إعلاء شأن الوطن والمواطنة فيدعو «لتأكيد تنمية وعى حب الوطن والانتماء إليه، فالوطن فى المفهوم الإسلامى هو السقف الذى يجمع المسلمين وغير المسلمين الحاملين لجنسية الدولة فى لحمه تفرض عليهم جملة من الحقوق والواجبات، فالمواطنة بالمفهوم الشرعى ترتفع عن كل الفوارق مما تمايز به الإنسان وتفاخر به على أخيه الإنسان على مر العصور» (ص٧٧)، وهكذا يوجه القميحى سهمين فى عبارة واحدة. 
أولهما رفض إنكار الوطن كسبيل لفرض وهم الخلافة، أما السهم الثانى فهو تأكيد حقوق المواطنة المتكافئة التى ترفض بشدة نهج المتأسلمين فى التعامل مع غير المسلمين وأيضا مع المسلمين من غير المنضوين تحت لوائهم، والرافضين لمبايعة خلفائهم الوهميين.
ويبقى أن نمنح المؤلف والهيئة التى يتولى أمانتها العامة وهى «الهيئة العالمية لضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء» خالص التحية هم والناشر دار سنابل التى نتمنى أن تواصل النشر للمجددين الجدد.