الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رسالة حفر "الكنال"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قناة السويس الجديدة، أو كما يحلو لنا أهل محافظات القناة أن نسميها «الكنال» لا يمكن النظر إليها كعملية حفر طويل بعمق ٢٤ مترا في باطن الأرض، ولا يمكن التعامل مع هذا المشروع فقط باعتباره شريانا مائيا يربط العالم ويعمل على تسهيل حركته ويدفع التنمية للأمام، لو كانت الأمور هكذا لهان الأمر، وذلك لقدرة أي مجتمع على تحقيق مثل ذلك الإنجاز المادى.
إذن هناك سر ما يقف خلف الفرحة العارمة التي يعيشها المصريون الآن بعد نجاح الافتتاح التجريبى للقناة الجديدة ومرور ثلاث سفن عملاقة في مجرى القناة التي كانت رمالًا وصحراء قبل عام واحد، ولا يحتاج ذلك السر كثيرا من الجهد لفك شفرته، فالمتابع لما حدث على أرض مصر خلال حفر قناة السويس الجديدة، يعرف أن ذلك الإنجاز تم في أصعب الظروف وأكثرها تعقيدًا، ابتداء من عدم وجود تمويل لتغطية تكاليف المشروع وانتهاء بانشغال الدولة في محاربة التطرف والإرهاب.
الظروف التي عاشتها مصر – ومازالت – كانت غير ملائمة على الإطلاق للتفكير أو الكلام عن أية مشاريع كبرى في حجم شق قناة جديدة، ومن هنا يأتى المعنى الحقيقى لهذه القناة التي ولدت في أحضان الإرادة والعزيمة والتصميم، ولذلك نستطيع فهم فرحة الشعب المصرى بأنها ليست فرحة للمجرى المائى ولكنها فرحة انتصار الإرادة.
وليس خافيًا على أحد أن نجاح الافتتاح التجريبى بمرور السفن الثلاث أصاب الخصوم والمتربصين في مقتل، وكان لذلك النجاح أثر مفعول آلاف الطلقات، وهو ما يؤكد أن معركة المواجهة ليست مطاردات ودماء فقط، ولكن معركة مواجهة شاملة وواحد من أهم جوانبها هو التنمية والانحياز للشعب، وتوفير فرص عمل وتعظيم الكرامة الوطنية وارتفاع اسم مصر إلى عنان السماء.
ولم أتعجب من قبل عندما قال من في نفوسهم مرض عن مشروع القناة إنه مجرد ترعة تكفى بالكاد لعبور مراكب الصيد الصغيرة، وتمادى البعض في غيه ليرصد ثغرة هنا أو خطأ هناك، وكل أمله هو فشل المشروع وانهيار ذلك الحلم، لم أتعجب من ذلك لأننى منذ البدء وضعتهم في خانة الأعداء، ولم يدر بخاطرى يومًا حكايات المصالحة وأكذوبة الفصيل الوطنى.
وبعد ذلك الاستعراض الضخم الذي شهدناه بأعيننا يوم السبت الماضي، وسنرى ما هو أجمل في السادس من أغسطس القادم.. يوم الافتتاح الرسمي، ستصير الفرحة واجبة لكل مصرى وطنى، لأنه انتصر وحقق المعجزة في زمن قياسى، وأرسل رسالته إلى العالم كله، ليقول إن مصر التي علمت العالم فنون الزراعة منذ فجر التاريخ تنهض اليوم لتعلم العالم فنون التواصل والمحبة واختصار الزمن من خلال قناة السويس الجديدة التي هي بالفعل هدية للبشرية لو يعلم المتربصون.
وتقول الرسالة أيضًا إن الهدم والتخريب والقتل والتفخيخ والتشكيك والتآمر والخيانة وكل المفردات المقيتة عمرها قصير جدًا في مواجهة البناء والتقدم والمحبة والتحضر والعدالة، وأن تلك المفردات المقيتة لا تصمد أبدًا في مواجهة الجهد المخلص والعرق الشريف وأحلام المستقبل.
صحيح لم نصل بعد إلى محطة العدالة الاجتماعية التي هي هدف بوصلتنا، ولكننا وصلنا إلى بناء جسور ثقة جديدة مع الدولة التي قالت إنها ستحفر قناة جديدة وأنجزتها بالفعل، جسور الثقة هي التي تمنح القائد شرعية القيادة، وهى التي تمنح المواطن الأمل، وكما نجحنا جميعًا في حفر قناة السويس الجديدة، تعالوا ننجح أيضًا في زراعة الأمل لغد مشرق ينعم فيه أبناؤنا بدولة القانون وقيم المواطنة وعدم التمييز، تعالوا حتى تكتمل رسالة قناة السويس الجديدة، نؤكد معايير الطموح في مواجهة الإحباط، تعالوا فالرسالة مازالت مفتوحة وبها من الصفحات البيضاء الكثير والتي تحتاج إلى الكتابة المتفائلة بالمستقبل.