رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أمّا فقراء الوراق.. فلا بواكي لهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يمكنك وببساطة شديدة التعامل مع ما جرى فى مركب الفرح الغارق بناسه فى نيل الوراق على أنه حادث عابر، مثله مثل حوادث الطرق التى يضيع ضحية لها العشرات كل يوم، ويمكنك بنفس البساطة أن تغطى الأمر كله بغطاء دينى، فما حدث ليس إلا قضاء وقدرا، ولو لم يمت هؤلاء الذين غرقوا فى قاع النهار، ولاتزال قوات الإنقاذ تبحث عن جثثهم، لماتوا فى فراشهم، فلا أحد يتأخر عن موعده، ولا يتقدم ساعة إلا بأمر الله.
بعد ذلك كله يمكنك أن تذهب إلى فراشك وأنت مرتاح الضمير، فما أتى هو أمر الله، وأمره سبحانه وتعالى لا راد له ولا اعتراض عليه.
لكن هناك حالة من البكاء المصطنع على فقراء الوراق، أعقبه بكاء على فقراء الوطن، وحديث مطول عن الإهمال الذى جعل هؤلاء يموتون «فطيس»، وكأنهم حيوانات نافقة لا يهتم لأمرهم أحد، ورغم أن هذا صحيح، فليس من المفروض أن يموت الناس هكذا بلا سبب، إلا أننا وكالعادة نبالغ فى كل شىء، ونقيم مناحة بعد كل كارثة تلم بفقراء هذا الوطن، الذين يبدو أن السماء تختارهم وحدهم ليكونوا ضحايا لمثل هذه الحوادث العبثية، للدرجة التى تدفعك إلى السؤال، الذى يعتبره البعض تجاوزا، وهو: لماذا تكره السماء فقراء الأرض كل هذه الكراهية؟
يبكى بحرارة وإخلاص من يصدرون أنفسهم على أنهم مسئولون عما يجرى فى هذه الأرض، سواء بالمسئولية المادية المباشرة، مسئولون حكوميون، أو المسئولية المعنوية غير المباشرة، إعلاميون ومثقفون وكتاب وصحفيون، يظهرون فى حالة من الشجن التى تستغربها عليهم.
لكنهم بعد أن يؤدوا أدوارهم أمام الكاميرات، ينسحبون إلى حياتهم يمارسونها بشكل عادى جدًا، وكأن شيئًا لم يحدث من الأساس، ليبدأ الفقراء رحلة جديدة فى البحث عن الشقاء والكوارث، فلا أحد يقدم شيئا حقيقيا للذين تطحنهم الحياة بلا رحمة، لا نملك إلا الكلام، والكلام فعليًا لا يسمن ولا يغنى من جوع.
هل يزعجكم أن أقول إننا جميعا منافقون؟
لو كان هذا يزعجكم، فإننى أقوله بلا تردد، نحن جميعا منافقون، نساهم فى قتل أبرياء لأننا لا نقدم لهم ما يحتاجونه، لا أتحدث عن السلطة فقط، أتحدث عنى وعنك، كم واحدًا منا ذهب إلى الوراق بعد الحادث؟! كم واحدًا منا حمل مما يملكه وتوجه إلى بيوت الضحايا ليقدم لهم العون، كم واحدًا وقف وقفة حقيقية أمام الأزمة... وكم واحدًا من المسئولين فى هذا البلد قدم حلا جذريا للإهمال الذى يضرب فى كل مكان، ويروح ضحيته الكثيرون كل يوم؟
كل ما جرى أننا جميعا نتبادل الاتهامات عن حادث الوراق - وهى عادتنا ولن نشتريها - نتبادل الاتهامات بعد كل حادث تضيع أرواح أبرياء على هامشه، لا يهمنا أن يحصل الفقراء على حقوقهم، بقدر ما يهمنا أن نزيح التهمة عن أنفسنا، وزارات تتصارع لإثبات أنها ليست مسئولة، ونظام يتفاعل بشكل نظرى بحت مع ما يحدث.. وفى النهاية تبقى الأحزان فى بيوت من رحلوا دون سبب، ودون أن يقدم أحد لأهاليهم مبررًا منطقيا لما يحدث. هل تريدون اعترافًا آخر، إننا لسنا منافقين فقط، إننا فاشلون وعاجزون، وليس أمامنا إلا أن نعترف بذلك، فلا شىء سينصلح فى هذا البلد، إلا إذا اعترف كل منا أنه مقصر، وأبدى استعداده لأن يعمل، لكن إحساس «ما أجملنا وإننا أروع ما نكون، وإن ما نفعله ليس أفضل منه»، فلن ينتهى بنا فعليًا إلا فى قاع الجحيم... هذا الجحيم الذى نقف الآن على حافته دون أن ندرى.