الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الله على الزعيم.. "الله على الخلايا النايمة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذا العام لم يتمرد على النمط التقليدى في زحمة مسلسلات رمضان سوى عدد قليل من الأعمال التي استحقت المتابعة والتحليل. لعل أبرز ما يستدعى الملاحظة تفاقم حالة «الفقر» في التأليف الدرامى إضافة إلى افتقاد الحس الفنى في اختيار الإطار الأنسب لظهور الورق كعمل فنى سواء كان يصلح للسينما أو التليفزيون.
الزعيم عادل إمام اختار مع المؤلف يوسف معاطى رصد مرحلة يبدو أنها ستبقى الأكثر جدلا.. بعيدا عن التعامل مع مسلسل «أستاذ ورئيس قسم» وفق اعتبارات كونه فيلما تسجيليا يتضمن توثيقا لأحداث ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو نجح معاطى بواقعية شديدة في تشريح الكثير من أعراض السلبيات والإيجابيات التي واكبت ثورة ٢٥ يناير.. بداية من الاندفاع نحو الرغبة في التغيير وحالة الثورة والغليان بين الشباب تحديدا مقابل إظهار العفوية والبراءة التي يمارس في إطارها الشباب الحالة الثورية على حساب رؤية عقلانية تضع في الاعتبار ضرورات ما بعد الحالة الثورية.. الأمر الذي حاول «فوزى جمعة أو عادل إمام» تنبيه الطلاب له أثناء إحدى محاضراته واعترف به «فتحي» هيثم أحمد زكى و«تامر» طارق الأبيارى في مشهد السجن الذي جمع بين شباب الثورة. كشف معاطى مع بعض الخطوط والأضافات التي تفرضها الكتابة للدراما عورات النظامين السابقين وكل الأطراف التي ساهمت في سرقة ثورة يناير سواء بنهمها أو تخبطها أو حتى فهمها القاصر.
عادل إمام حالة نجومية خاصة اتفقت عليها حتى أشد الأقلام التي تناولته بالنقد.. لم يدعِ يوما تقديم شخصية حقيقية ضمن فيلم تسجيلى.. اقترن أداؤه بلمسات كوميدية خاصة قد يقبلها البعض كونها أصبحت ضمن شخصية عادل الفنية وسحر الأداء الذي لا يخفت بريقه.. نقبلها كجزء من مخزون الحب الذي يحتله الزعيم في قلوبنا.. البعض الآخر يرى أنها تحمل مبالغات.. الزعيم اختار عالم السياسة هذا العام خصوصا أن الحدث ما زال يستحوذ على اهتمام الشارع.. وهو ما يؤكد أن الذكاء الفنى الذي اعتمد عليه عادل في كل اختياراته لم يخذله.. كما أن الزعيم - بكل تاريخ مواقفه- ليس بحاجة إلى «صك وطنية» من أحد.
من الماضى القريب استدعى المؤلف مدحت العدل «حارة اليهود» بكل ما تمثله من صيغ التسامح الدينى.. أو «حارة مصر» القادرة على احتضان مجتمع متعدد الأعراق.. رغم أن انشغال المؤلف بالخطوط الكلاسيكية والإفراط في المشاهد الميلودرامية جاء أحيانا على حساب قوة الخط الدرامى بكل الإسقاطات التي يحملها من هذه الفترة على الكثير من أحداث الحاضر.. التأكيد على دور جهات التطرف المتمثلة آنذاك في المنظمات الصهيونية وجماعة الإخوان نحو شق النسيج الاجتماعى المصرى وخلق العداء بين أطيافه. يتشابه الأمس كثيرا مع اليوم حين يمارس تنظيم الإخوان ذات الدور بعدما كان أشعل التفرقة بين مسلم-مسيحي-يهودى.. أصبح التمييز حاليا بين «مسلم إخواني» مقابل «مسلم فقط». تظل أحد عناصر قوة المسلسل صياغة مدحت العدل وبراعته في رسم صور التسامح الفطرى في الشخصية المصرية.. والتأكيد على مسئولية جماعة الإخوان عن تخريب هذا التعايش وفقا لحقائق التاريخ غير القابلة للتكذيب.. وهو ما جعل العمل أقرب إلى «لوحة فنية» رسمت بالكلمات وليس رصدا تسجيليا لتاريخ أو حارة.
من الأعمال التي غابت عن المشاهد المصرى هذا العام المسلسل السورى «العراب» للمخرج حاتم على.. والذي يمثل نموذجا لتحدٍ فنى صعب خصوصا أن الاقتباس عن عمل أدبى ملحمى للمؤلف «ماريو بوزو» بنفس العنوان وحقق أعلى درجات النجاح عند تقديمه في السينما العالمية. إعادة تشكيل هذا العمل الرائع في صياغة شديدة الواقعية من المجتمع السورى.. في إطار الصراعات والمصالح المتشابكة داخل كواليس النفوذ والسلطة والمال سواء بين أفراد عائلة «العراب» –جمال سليمان- أو بين العائلة كنموذج للنفوذ والقوة وبين العائلات الأخرى. مسلسل العراب يكشف الفرق الشاسع بين مستوى المهنية في اقتباس فكرة عالمية وتطويع كل عناصرها من البيئة المحلية ومسلسلات أخرى عبارة عن موضوعات مسروقة من كلاسيكيات السينما المصرية خضعت للتشويه تحت مسمى الدراما. العراب في صياغته السورية انسلخ تماما عن عالم المافيا الإيطالية وغرس جذوره داخل المجتمع السورى بكل تفاصيله.. رغم الإيقاع البطىء الذي غلب على المسلسل. أداء جمال سليمان ظهر أكثر تألقا وهو يجتاز بنجاح تحديا قد يعتبر الأصعب على أي فنان في إيجاد مفاتيح أداء خاصة به لشخصية العراب خصوصا أن الأداء العظيم الذي قدمه مارلون براندو في أحد أهم كلاسيكيات السينما العالمية هو جزء راسخ في ذاكرة المشاهد.