الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

تمرد الجماعة الإسلامية تواصل كشف إرهاصات مبادرة وقف العنف عام 1997

 وليد البرش منسق
وليد البرش منسق حركة تمرد الجماعة الإسلامية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
*سياسات الاحتواء الرسمية سمحت للجماعة بالتمدد خارجيًا واكتساب أرضية في السودان والجزائر وأفغانستان
*السماح للإسلامبولي وطه ورشدي بالسفر كان أبرز خطأ لأجهزة الأمن.. وملايين إيران مكنتها من إنشاء معسكر الأنصار بأفغانستان وتشكيل جناح مسلح
*الدولة أفرجت عن حافظ وحبيب وعبدالظاهر رغم تورط الجماعة في اغتيال رفعت المحجوب
*أحداث صنبو واغتيال عرفة درويش فتحت أبواب المواجهة بين الدولة والجماعة على مصراعيه

يستكمل وليد البرش فصول دراساته حول "إرهاصات مبادرة وقف العنف" ما بدأه في الحلقة السابقة عن استمرار سياسة الدولة في احتواء الجماعة بعد أحداث عام 1981 الجماعة الإسلامية، حيث يركز في الحلقة الثانية على استمرار الدولة فى مهادنة الجماعة والعمل على احتوائها، حيث بدأ الأمن يعي خطورة الجماعة فأراد أن يخفف عن كاهله عبء الصدام مع الجماعة، فخيّر قيادات الجماعة المطلق سـراحهم كمحمد شوقي الإسلامبولي ورفاعي طه وأسامة رشدي، وغيرهم، بين دخول السجن أو الخروج من مصـر، فخرجوا جميعًا، لم يكن يعلم الأمن أنه قد أخطأ الخطأ الذي لا يغتفر، فبدلًا من التعامل معهم بالقانون، أخرجهم من البلاد، وظن أنه بذلك قد أراح واستراح.
ويرى "البرش" هذا التعامل المهادن من جانب الدولة تجاه الجماعة أنها لم تنجح في احتوائها أو محاصرة مخاطرها ولكن العكس هو الصحيح إذ استغلت الجماعة هذه المهادنة واعتبرتها فرصة ذهبية لتنشـر فكرها أكثر خارج مصـر، فانتقلت إلى السعودية، ومنها إلى أفغانستان، وهناك أقامت معسكرًا لتدريب أعضاء الجماعة عسكريًا، وقد أنفقت على هذا المعسكر ملايين الدولارات من أموال المخابرات الإيرانية وأثرياء الخليج، وكان محمد شوقى لاعبًا أساسيًا في جمع التبرعات باعتباره الشقيق الأكبر لقاتل السادات خالد الإسلامبولي.
ويتابع: كانت هذه فرصة لتحقيق الامتداد الخارجي للجماعة التي سنحت لها الفرصة لعقد لقاءات مكثفة بقيادة الحركات الإسلامية في السودان، وظهر ذلك جليًا في الدعم السوداني لعملية أديس أبابا في عام 1995م.
ونسقت الجماعة مع جبهة الإنقاذ في الجزائر، وقبل الانتخابات الشهيرة في عام 1991م كان هناك لقاء جماهيري في استاد الجزائر، وحضـر الآلاف من أنصار الجبهة، وحضـره من قيادات الجبهة عباس مدني وعلي بلحاج، وحضـره من مصـر محمد شوقي الإسلامبولي ووالدته أم خالد الإسلامبولي "قاتل السادات"، وأعطت يومها الشيخ عباس مدني منديلًا، قالت إنه يخص ابنها خالد، فامتلأ الاستاد حماسة.
وانتشـر وقتها بين أعضاء الجماعة أن قيادات الجماعة الذين التقوا قيادات الجبهة في الجزائر، أقنعوهم ببطلان طريق الانتخابات للوصول للحكم، وأن الطريق للدولة الإسلامية يمر عبر فوهات البنادق، وأن رؤية الجماعة أكدتها الأحداث هناك، وجاء اغتيال الرئيس الجزائري محمد بو ضياف، ليؤكد لأعضاء الجماعة في مصـر تأثير الجماعة على الجبهة هناك.
في تلك الأثناء كان رد فعل أمن الدولة تجاه انتشار الجماعة هو مهاجمة لقاءات الجماعة التي تقام في المساجد واعتقال أعضائها بعد تعذيبهم، ثم إذا حصلوا على حكم قضائي بالإفراج ينفذ فورًا.
وبعد فشل الجماعة في محاولة اغتيال وزير الداخلية الراحل اللواء زكي بدر، قرر الأمن اتباع سياسة جديدة وهي اعتقال القيادات المؤثرة في المناطق التي بها انتشار كبير للجماعة، ثم جاءت عملية اغتيال الجماعة للدكتور رفعت المحجوب رحمه الله في أكتوبر 1990م لتعلن عن وجود تنظيم مسلح للجماعة، وانتظرت الجماعة رد فعل الدولة تجاه هذا التغير النوعي في سلوك الجماعة.
فلم توسع الدولة الاعتقالات لتشمل كل أعضاء الجماعة على مستوى الجمهورية، وإنما اقتصـر تعامل الأمن على كل مَن ارتبط بهذه المجموعة التي قامت بهذه العملية، وقدمتهم للمحاكمة الجنائية أمام القاضي الطبيعي.
ولم تقدمهم للمحاكمة العسكرية، وأتاحت لهم محاكمة عادلة، وبها صدر التصـريح الشهير لصفوت عبد الغني: أن الجماعة سوف تقتل حسني مبارك، وكان ذلك متداولًا في شـريط كاسيت.
ووقتها انتظرت الجماعة رد فعل الأمن، هل سيخرج المحكوم عليهم في قضية 1981م ممن أمضوا فترة عقوبتهم وهي الأشغال الشاقة أم لا، وكانت الجماعة تقيس دائمًا رد فعل الدولة تجاهها بمدى تنفيذ الدولة قرارات الإفراج عن أعضائها ممن أمضوا فترة العقوبة في قضية 1981م، وجاء رد فعل الأمن على غير المتوقع، فقد نُفذ القانون، وأفرج عن قيادات الجماعة ممن أنهوا فترة عقوبتهم وهم: أسامة حافظ وهشام عبد الظاهر وكمال حبيب.
يروي "البرش" في دراساته تفاصيل حوار دار بينه داخل سجن العقرب وبين المهندس أسامة حافظ رئيس مجلس شورى الجماعة الحالي، حيث أكد له حافظ: "إن الجماعة أخطأت بحملها السلاح في مواجهة الدولة، وأنه كان يجب عليها أن تكتفي بعملية اغتيال المحجوب، فقد أوقعت – على حد قوله – الرعب في الداخلية، مما دفع الداخلية لتغيير نهجها العنيف مع الجماعة، ولكننا اغتررنا بقوتنا، فذقنا وبال أمرنا".
غير أن مفاجآت الجماعة الإسلامية لم تتوقف عن عملية اغتيال المحجوب، حيث تلتها أحداث دمياط كمفاجأة غير سارة للأمن، ثم جاءت أحداث صنبو ومقتل 14 قبطيًا في يوم واحد، فكان رد فعل الأمن بقتل قيادي الجماعة عرفة درويش على منبر المسجد بديروط، مما دفع الجماعة هناك إلى حمل السلاح، فقد جاءت اللحظة التي تنتظرها، وتستعد لها فهي التى كانت تتشوق للمواجهة وتسعى إليها سعيًا حثيثًا، فاشتعلت أسيوط، وبدأت المواجهة المسلحة بين الأمن والجماعة، فأرادت الجماعة نقل صـراعها إلى العاصمة، فكانت عملية اغتيال فرج فودة.
وبعدها أعلنت قيادات الجماعة في أفغانستان كطلعت فؤاد قاسم تصـريحًا غريبًا هو "أن النظام المصـري لم يتبق أمامه سوى ستة أشهر فقط ويسقط".
في المقابل، تأكيد "قاسم" يطرح تساؤلًا: هل أعدت الجماعة خطة لإسقاط النظام؟ ولماذا مدة ستة أشهر، وعلى أي أساس بنيت تقديرات السقوط؟، كان رد الأمن المصـري جاهزًا، لقد قبض على كل مَن نزل من أعضاء الجماعة من أفغانستان لتنفيذ عمليات في مصـر وهو ما سمى وقتها بتنظيم العائدين من أفغانستان، وساعتها استشعر الأمن خطيئته بالسماح لقيادات الجماعة بالسفر للخارج، فها هم قد أعدوا تنظيمًا مسلحًا وقد جاء لإسقاط النظام.
اتخذ الأمن سياسة تصفية بؤر الجماعة في القاهرة، فتم في ديسمبر 1992م إنهاء وجود الجماعة في إمبابة وبولاق، فدفعت الجماعة بمجموعات من عناصـرها المسلحة في الصعيد إلى القاهرة، وانضم إليهم عناصـر تم انتقاؤها من مناطق القاهرة والوجه البحري، وإزاء هذا الوضع المتفجر فشلت وساطة العلماء والدعاة في مارس 1993م، فقد قررت الدولة المواجهة، واعتمدت مواجهتها للجماعة على عدة محاور:
الأول: اعتقال كل مَن يشتبه في أنه عضو بالجماعة، ثم تطور إلى اعتقال كل مَن سبق اعتقاله قبل ذلك من كل الاتجاهات الإسلامية، وأصبح الاعتقال بمجرد الشبهة والظن، ولقد توسعوا فيه توسعًا كبيرًا، وكان مجالًا لاستطالة نفوذ أمن الدولة، فكان ذكر اسم "أمن الدولة" يكفي لبث الرعب والخوف، وتحويل كل القضايا إلى القضاء العسكري لسـرعة الفصل، وليتفادى أحكام البراءة نتيجة بطلان الإجراءات.
الثاني: التضييق على السجون وذلك بأمرين:
أحدهما: الفصل بين القيادات والأفراد ليسهل السيطرة على الأفراد.
وثانيها: إغلاق السجون ومنع الزيارات، وعمليات التعذيب لإكراه الأفراد على ترك الجماعة، وباءت هذه السياسة بالفشل.
الثالث: اختراق التنظيم المسلح للجماعة خارج وداخل مصـر، ولهذا الاختراق قصة تذكر في موضع آخر.
بعد هزيمة الجماعة في معركتها في القاهرة، اتجهت لمحاولة اغتيال "مبارك" في سيدي براني عن طريق ضابط احتياط قام بتجنيد مجندين في الجماعة، ووضعا المادة المتفجرة التي تحصل عليها من الأستاذ أحمد حسن عبد الجليل القيادي القادم من السودان في حفرة تحت الطريق الأسفلتي المتوقع أن تسير عليه عربة مبارك حين يذهب لمقابلة القذافي، وانتظرا قدوم مبارك.
ولكن الذي حدث أن قُبض على إخوة صغار السن من قرية هذا الضابط، واعترفوا أنهم أعضاء في الجماعة، وأن هذا الضابط عضو بالجماعة، فقامت أمن الدولة بالقبض عليه.
وأثناء التحقيق أدلى باعترافات تفصيلية عن محاولة اغتيال مبارك، وحُكم عليه بالإعدام، ونُفذ فيه، وحُكم على المجندين بالسجن لمدة عشـر سنوات أشغال شاقة، ثم كانت عملية أديس أبابا في 1995م بالتعاون والتنسيق التام مع السودان وحسن الترابى، وفشلها زاد من شعبية مبارك، ولم يعد للجماعة من تعاطف في الشارع، ولم يعد منها سوى فلول هاربة.