الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سيد النقشبندي... "مولاي إني مُتيم"

ألحان السماء

سيد النقشبندى
سيد النقشبندى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مشهد استقبال الملائكة لقارئ القرآن الكريم والأمر «النوراني» الموجه إليه: «اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا» ليس مقتصرًا فحسب على حياة «البرزخ أو الخلود»، فهناك شيوخ كلما شدت حناجرهم الربانية حفتهم أجنحة الملائكة ورددت: «إن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» على رأسهم جميعًا «أستاذ المداحين» الشيخ «سيد النقشبندى».
لماذا الحديث عن «النقشبندى» ضمن حلقات «دولة التلاوة وألحان السماء»؟.. هو منشد ومرتل وأستاذ «تواشيح» والحديث ههنا عن قارئى القرآن.. الإجابة عريضة عرض الصوت الذى يصنفه الموسيقيون وأساتذة المقامات كأحد أقوى وأوسع الأصوات مساحة، نلخصها فى سببين..
أولهما أننا فى رحاب شهر رمضان المرتبط لدى المصريين جميعًا بعظيمين من عظماء القرآن «محمد رفعت وسيد النقشبندى» الأول «تمر الشهر وكنافته» بتلاوتى الفجر والمغرب والثانى «قمر دينه وقطايفه» بتواشيحه قبل كل صلاة منهما، وثانيهما تلاوته للقرآن أيضًا فى بعض التسجيلات النادرة.
«دميرة» إحدى قري مركز طلخا بمحافظة الدقهلية كانت «مسقط رأس» أعظم من مدح خير البرية، تحديدًا عام ١٩٢٠، تلك القرية التى انتقل منها إلى مركز طهطا بمحافظة سوهاج، بين رحاب عائلة «صوفية» جعلت إتمامه حفظ القرآن فى الثامنة من عمره أمرًا يسيرًا، خاصة أن جده هو الشيخ محمد بهاء الدين النقشبندي القادم من مسقط رأس الإمام البخارى بأذربيجان، ذلك «الولى» الذى علم حفيده الإنشاد الدينى فى حلقات ذكر «الطريقة النقشبندية».
ولأن الصوفية ترمى حبالها إلى السابحين فى بحورها، ندهته موالد أولياء الصعيد «أبو الحجاج الأقصرى، عبد الرحيم القنائى، جلال الدين السيوطى»، والتى حفظ خلالها أشعار «البوصيرى، ومولانا ابن الفارض» عن ظهر قلب وسحر بها الدراويش والمريدون، ما جعل «شيخ العرب» مولاى أحمد البدوى يأتيه ـ
كما يروى محبو النقشبندي ـ فى رؤيا طالبًا منه القدوم إلى طنطا ليستقر بها عام ١٩٥٥ وتذيع شهرته فى محافظات مصر والدول العربية ويسافر بعدها إلى سوريا لإحياء الليالى الدينية بدعوة من الرئيس حافظ الأسد.
تستمر سفينة «النقشبندى» فى الإبحار يسيرها الله بين جنبات أمواج «الأولياء والأقطاب» ليأتى عام ١٩٦٦ إلى مولد «سبط النبى» سيدنا الحسين ويحيى ليلته الختامية بأداء أسال «دموع العاشقين» وأمال قلوبهم بأكثر من «شاهد ودليل». هناك التقى بالإعلامى الكبير أحمد فراج الذى اتفق معه على تسجيل بعض الأدعية الدينية لبرنامجى «فى رحاب الله» و«دعاء»، ثم البرنامجين التليفزيونيين «فى نور أسماء الله الحسنى» و«الباحث عن الحقيقة».
التقطته آذان الموسيقيين العظام، وقرروا تلحين إبداعاته «النورانية»، فى مقدمتهم العظيمان: «بليغ حمدى وسيد مكاوى»، فالأول لحن إلى جانب الأنشودة الخالدة: «مولاى إنى ببابك» تواشيح: «أشرق المعصوم، أى سلوى وعزاء، أنغام الروح، رباه يا من أناجى، يا ليلة فى الدهر، أيها الساهر»، فيما لحن الثانى: «أسماء الله الحسنى، فايت على الورد» وغيرهما الكثير.
نختار من تلك التواشيح «مولاى إنى ببابك» الأشهر والأعظم والأحق خلودًا تلك الأنشودة التى جمعت «بليغ والنقشبندى» بأمر من الرئيس الراحل أنور السادات.. لا تسألن عن السبب واستمع إلى قصة تلك الأنشودة من الإذاعى الكبير وجدى الحكيم الذى قال فى أحد لقاءاته الصحفية، إنه فى بداية السبعينيات كان «السادات» يحتفل بخطبة إحدى بناته، ومن ضمن الحضور «النقشبندى» وبليغ حمدى، الذى ناداه الرئيس الراحل وقال له: «عاوز أسمعك مع النقشبندى».
توجه «الحكيم» للنقشبندى وعرض عليه الأمر فرد الشيخ: «ماينفعش.. ألحان بليغ راقصة، على آخر الزمن يا وجدى عايزنى أغنى»، طالبًا منه الاعتذار لبليغ حمدى، لكن «الحكيم» أقنعه بالاستماع إلى اللحن من «بليغ» وقال له: «سأتركك نصف ساعة مع بليغ وسأعود إليك بعدها.. إذا وجدتك خلعت عمامتك فتلك إشارة إلى إعجابك باللحن والموافقة، إن وجدتك لا تزال ترتديها سأعرف أنك غير موافق».
يواصل «الحكيم» روايته فيقول إنه رجع ليجد «النقشبندى» خالعًا العمامة والجبة والقفطان، ويستقبله بالقول: «يا وجدى بليغ ده جن!» لتخرج «مولاى» إلى النور وتُخرج أفئدتنا قبل أسماعنا من الظلمات إلى النور مع مجموعة من الابتهالات الأخرى التى لا تقل «عظمة» وأهمها: «جل شأن الإله، تبتلت مشتاقًا، أغيب، أيا من كلما نودى أجاب، تلطفى يا ريح، إلهى لا تعذبينى، لما بدا فى الأفق نور كل شىء وهداه».
يمكن تشبيه علاقة «النقشبندى» بكوكب الشرق أم كلثوم بالقول «لحنان سماويان تعانقا على الأرض»، فهى لم تخف إعجابها بصوت الشيخ وتفرده، وهو لم يرد الرحيل قبل مشاركتها فى إنشاد بعض الأجزاء من «رباعيات الخيام» التى شدت بها من قبل، إلى جانب أدائه لأحد مقاطع قصيدة «سلو قلبى» وتحديدًا ذلك القائل: «أبا الزهراء قد جاوزت قدرى بمدحك بيد أن لى انتسابا.. ما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتابا.. مدحت المالكين فزدت قدرا وحين مدحتك اجتزت السحابا».
ولهذا المقطع وأداء «النقشبندى»، له حكاية أخرى تقول إن «النقشبندى» حل ضيفًا على الإذاعى الكبير طاهر أبو زيد، وخلال ذلك اللقاء لم يخف إعجابه وطربه بأداء كوكب الشرق، ليطلب منه «أبو زيد» إنشاد أحد أعمالها ليختار ذلك المقطع من قصيدة «سلو قلبى»، لتجمعهما بعد ذلك صورة شهيرة سويًا داخل ساحة مولاى «أحمد البدوى» فى طنطا، وليرحل عن دنيانا بعد عام واحد من رحيل أم كلثوم عام ١٩٧٦.