الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

مصطفى عمار يكتب: هل تصلح الدراما المصرية للاستخدام الآدمي؟!

مصطفي عمار
مصطفي عمار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لن يختلف معي أحد على أن الكثير من أشكال الفن الذي يُعرض علينا الآن في السينما والتلفزيون والمسرح لا يدخل تحت اسم الفن، وإنما هو إهانة للفن وهو يستفز المشاهد بتفاهته وهزله وبعض أفلام الفيديو المصرية تكاد تدخل في اختصاص بوليس الآداب، وبعض الأغاني هي كباريه درجة ثالثة، وبعض الهزليات المسرحية هي رقص مواخير.. وإسفاف وتهريج وبذاءات.. يمكن أن تشطب عليها الرقابة وتمنعها الدولة ليس بسبب الدين ولكن بسبب الحياء.
مثل هذه المشاهد مع المعاناة الموجودة ومظاهر الغنى الفاحش والفقر المُدقع يمكن أن تستفز شابا متهوسا وتدفعه إلى الجريمة، ولم يحدث في تاريخ مصر أن تحالف عليها هذا الكم من المشاكل التي تأخذ بالخناق .. الجفاف والديون والجراد والتصحر (هجوم الصحراء على الرقعة الخضراء وردمها) والتآكل (هجوم البحر المالح على الشواطئ وغمرها) والنحر (هبوط نهر النيل بسبب نحر الماء الخفيف الخالي من الطمي للمنشآت والشط)، وأزمة الطاقة (بسبب نقص الكهرباء)، وأزمة الغذاء بسبب ضعف الإنتاج.. والانفجار السكاني 54 مليون فم يأكل ولا يعمل !
والبطالة بسبب عدم استيعاب المشروعات الموجودة للأيدي العاملة.. والدعم الذي يذهب إلى البالوعة.. ومجانية التعليم التي تحولت إلى اللامجانية واللاتعليم .. والإرهاب والمخدرات والتطرف والفتنة الطائفية .. وفوق كل هذا انقسام الصف العربي وتنامي قوة إسرائيل وتفاقم عدوانها وتحولها إلى قوة نووية وحيدة عابثة في المنطقة.. ثم أسوأ من كل هذا.. انهيار الأخلاق وفساد الذمم وضياع القيم وتفشي الكذب والغش والتزوير والرشوة والسرقة.
وفي مواجهة كل هذا جبهة مثقفة منقسمة بين يمين ويسار وأحزاب ومهاترات وأفكار مستوردة وجدل بيزنطي وقلة من شباب متهوس تتصور أن الحل هو الثورة والانقلابات، وأن تخلع الجالس على الكرسي وتجلس مكانة، ولا يوجد حل أكثر سذاجة من هذا، وهو أشبه بحل أزمة المرور بإلغاء الإشارات وحل مشكلة الظلم بالفوضى.
مشكلة مصر لا يحلها استبدال شخص بشخص، والمسألة غير هذا تماماً، فالعيب في المناخ العام وفي مستوى الوعي، العيب في الناس صغارهم وكبارهم، العيب في التعليم الهابط وما يُفرزه من لياقات هابطة وعقليات هابطة، العيب في النمط الاستهلاكي من الحياة وما يفرزه من جشع مادي وتهالك وسلوكيات أنانية، العيب في روح السلبية والكسل وعدم المبالاة وعدم الانتماء، العيب في ثقافة التسلية وقتل الوقت والإعلام الترفيهي ومسرح الهزل وصحافة المهاترات وأغاني الكباريه ورقص المواخير.
أعتقد أنك ستصاب بالدهشة إذا ما علمت أن السطور السابقة، ما هي إلا صفحات من كتاب "قراءة للمستقبل "للدكتور مصطفي محمود، والذى صدر عن دار أخبار اليوم مع بداية التسعينيات، حاول فيه الكاتب أن ينتقد الحال التى وصل إليه المواطن والدولة المصرية ككل، ورغم كل هذه السنوات، التى مرت علي كتابة هذا المقال ، إلا أنك تشعر وأنت تقرأه للمرة الأولى، أن الدكتور مصطفى محمود يكتب وينتقد ويعري هذه الايام التى نعيش فيها، كل شئ باقي كما هو من عشرات السنوات، ربما يكون قد تغير للأسواء ، ولكن الحقيقة الثابتة أننا نعيش نفس الأزمات والمشاكل، التى دمرت هويتنا، وحولتنا إلي أنصاف بني آدمين، كيف مرت كل هذه السنوات ومازال الوضع علي ما هو عليه، كيف تأخرنا وتدهورنا لدرجة تشعرك وأنت تقرأ مقال كتب منذ أكثر من عشرين عاماً، أن لا شئ تغير، هل من المعقول أننا وصلنا إلى هذه الدرجة من السقوط والفشل، كنت أتمني أن أجحد سطراً واحداً مما كتب عنه وأنتقده الدكتور مصطفي محمود، قد اختفى أو تبدل حاله، ولكن للأسف كل شئ باقي كما كان، فساد، جهل، فقر، مرض، لا مبالاة، لا شئ تغير، ويبدو أنه لن يتغير!