الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الإعجاز العلمي في القرآن "11".. قوله تعالي "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ" يوضح الإعجاز البياني للقرآن..فمن الغرابة أن يكون القتل مُفَوّت للحياة..الأمير: حتى لا يظن الناس أن القصاص متروك للعدوان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
القرآن الكريم كان-ولا يزال- له الراية العالية التي ترفرف وتخفق في سماء البلاغة والبيان فوق قوم قد بلغوا في فنون الكلام مبلغاً ، ومع ذلك لم يُذكر أو يُنقل عن واحد منهم أنه حاول أن يُنكس الراية فافلح، أو يعارض النور السماوي فنجح ، بل وقف الجميع مشدوهين أمام كلام الله وبيان الكتاب الكريم.
ويجدر بنا أن نضرب مثالاً علي هذا الوجه من وجوه الإعجاز حتى يظهر مدي ما في القرآن من إعجاز يبهر العقول ، ويوجب علي الإنسان أن يؤمن إيمان لا يشوبه ريب ولا زيغ ويمكن رؤية ذلك إذا تفكرت في إعجاز بياني في قوله تعالي{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } [البقرة: 179].
فالحياة أعز شيء على الإنسان ، ومن حكمة ذلك: تطمين أولياء القتلى بأن القضاء ينتقم لهم ممن اعتدى عليهم فلو ترك الأمر للأخذ بالثأر ـ كما كان عليه في الجاهلية ـ لأفرطوا في القتل وتسلسل الأمر كما تقدم، فكان في مشروعية القصاص حياة عظيمة من الجانبين، حيث قال تعالى: { وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً }[الإسراء:33] أي: لئلا يتصدى أولياء القتيل للانتقام من قاتل مولاهم بأنفسهم؛ لأن ذلك يفضي إلى صورة الحرب بين روحين فيكثر فيه إتلاف الأنفس.
بداية الأمر الدكتور أحمد الأمير، أستاذ التفسير المساعد بكلية الدراسات الإسلامية بأسوان جامعة الأزهر ، يؤكد أنه تشير معاني الآية "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ" إلي أنَّ سافك الدم إذا همَّ بالقتل فلم يَقتل خوفاً على نفسه أنْ يُقتل، فكان في ذلك القصاص حياة وهو القتل، مشيرا إلى إنه يوجد هنا في الآية الكريمة بديع التركيب وروعة الترتيب، ومن المطابقة بين معنيين متقابلين، وهما: القصاص والحياة، ومن الغرابة بجعل القتل الذي هو مُفَوِّت الحياة ظرفاً لها ومن البلاغة أيضا حيث أتى بلفظ سهل يتضمن معان كثيرة، فالإنسان إذا علم أنه إذا قَتل اقتُصّ منه أعاد التفكير في الأمر ودعاه ذلك إلى الردع والمنع عن القتل من البداية ، فكأنه حفظ نفسه وأحياها لمّا منعها من موجب إزهاقها، كما عصم نفساً أخري هم بقتلها ، فيرتفع بالقصاص التقاتل والتدافع بين الناس، ويكون القصاص حياة لهم مع ما في القصاص من زيادة الحياة الطيبة في الآخرة.
لافتا إلي أنه ما يدل علي إعجاز القرآن الكريم البياني أنه علي مدار العهود القديمة نقل عن العرب بعض العبارات التي تدل علي أهمية القصاص في مجتمع البشر لعصمة دمائهم لكنها أبداً لا تساوي ما ورد في هذه الآية الكريمة من جميع وجوهها من البلاغة الظاهرة، حيث نُقل عنهم قولهم : (القتل أنفى للقتل) و: (قتلُ البعضِ إحياءٌ للجميع) ، فلا مشابهة ولا مقاربة بين ما قالوه وما ورد في الآية الكريمة في قلة المباني، وكثرة المعاني، وعدم تكرار اللفظ المنفر، وفي الإيماء إلى أنَّ القصاص -الذي بمعنى المماثلة- سبب للحياة دون مطلق القتل بالمقابلة، إذ ربما يكون سبباً لفتنة فيها قتل فئة وفساد جماعة.
مضيفا أنه رغم اختلاف العلماء في وجوه الإعجاز القرآني إلا أنهم اتفقوا علي أن الإعجاز البياني من الوجوه المهمة التي لا يمكن إغفالها عند الحديث عن إعجاز القرآن، ولذلك فقد اعتنوا بهذا الجانب أكثر من غيره، فدونوا في مؤلفات الإعجاز ما تضمنه القرآن من إعجاز بياني يرجع إلي بديع نظمه، وجمال أسلوبه، وبلوغه الغاية في الفصاحة والبلاغة والبيان، وصنوف شتي مما ذكره غير واحد من العلماء.
مشيرا إلي أن القرآن الكريم اشتمل علي ضروب من البلاغة والفصاحة والذوق، فكل حرف من حروفه، وكل كلمة من كلماته لا تصلح إلا أن تكون في مكانها وموضعها الذي وقعت فيه ، وهذا شيء لا يدركه إلا من وهبه الله ذهناً ثاقباً ،وقدماً في الإدراك راسخاً، وممارسة لعلوم البلاغة ، وتحقيقاً لأسرار كلام العرب، وتدقيقاً من ضروب فنون الأدب، بالإضافة إلي إمعان النظر في المعاني والبيان.