الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مخاطر النقد الاجتماعي غير المسئول

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يفطن الكثيرون من الكتاب والإعلاميين إلى أن هناك تقاليد راسخة لما يطلق عليه النقد الاجتماعى.
والنقد الاجتماعى هو الأداة الرئيسية التى يستخدمها الكتاب باعتبارهم مثقفين نقديين لكشف الأخطاء والتركيز على السلبيات، ليس بغرض التشهير بنظام حكم ما، ولا بوزارة محددة، ولا بوزير معين، ولكن بغرض تجويد الأداء والدفع إلى الأفضل.
وفى هذا المجال لدينا ما يطلق عليه النقد الاجتماعى المسئول. ويعنى بذلك ممارسة نقد السياسات العامة للكشف عن السلبيات وإعطائها التكييف الصحيح، وتقديم البدائل لو كان ذلك متاحًا.
وقد حاولنا ممارسة النقد الاجتماعى المسئول لنظام الرئيس السابق «مبارك» قبيل ثورة ٢٥ يناير، وقد جمعت مقالاتى فى هذا الصدد فى كتابى «ما قبل الثورة: مصر بين الأزمة والنهضة: نقد اجتماعى ورؤية مستقبلية» الصادر عن دار نهضة مصر عام ٢٠١١.
وقد صدرت كتابى بمقدمة بعنوان «حوار قديم جديد» قلت فيها:
منذ سنوات بعيدة وبالتحديد فى عام ١٩٩٢، جمعت سلسلة مقالات كنت أنشرها بانتظام فى مجلة «الأهرام الاقتصادى» فى كتاب جعلت له عنواناً هو «مصر بين الأزمة والنهضة، يوميات باحث مصرى».
كنت قد قررت أن أتعرض لعديد من الظواهر السلبية فى المجتمع المصرى بأسلوب ساخر، وقررت فى تمهيد الكتاب أن المقالات التى يضمها بين دفتيه والتى نشرت فى الفترة من ٢١ نوفمبر ١٩٨٨ إلى ٢٧ أغسطس ١٩٩٠ «أشبه ما تكون بيوميات باحث مصرى متخصص فى العلوم الاجتماعية، تتضمن تحليلات للوقائع والظواهر التى سادت هذه الفترة، بالإضافة إلى كتابات علمية موجزة لتأصيل عدد من المفاهيم، أو للتحليل المنهجى لبعض المشكلات المصرية التى برزت فى إطار مسيرة التنمية.
والحقيقة أن الباحث الأكاديمى فى بلادنا عليه مسئوليات متعددة، عليه - إن كان واعياً حقاً بدوره الثقافى الاجتماعى - أن ينهض بها.
وعليه أن يقوم بدور الناقد الاجتماعى، لكى يسهم فى ترشيد الخطاب السياسى والثقافى فى المجتمع، وهذه المهمة تدعوه إلى اصطناع خطاب يختلف عن خطابه العلمى التقليدى الذى يزخر عادة بالمصطلحات الفنية التى لا يستطيع استيعابها جمهور القراء. ومن هنا أهمية إنشاء وتأسيس خطاب علمى جماهيرى - إن صح التعبير - ينهض على أساس توفير المعلومات، والدقة فى التعبير، والسلاسة فى الأسلوب، كل ذلك فى إطار رؤية نقدية، تركز على السلبيات وتشخصها، وتطرح البدائل، مع عدم إغفال الإشارة إلى الإيجابيات. لأن الإشارة إلى الإيجابيات تكتسب أهمية مضاعفة، فى مناخ يسوده الإحباط، نتيجة تراكم المشكلات. وذلك لأن هذه الإشارة يمكن أن تثبت اليقين فى نفوس جماهيرنا أننا قادرون على الفعل والإنجاز، لو توافرت الشروط الضرورية لذلك. وهذا الاتجاه ينبغى أن يقاوم الاتجاه السلبى الذى يحترف دعاته التركيز على الأخطاء فى النظرية أو الممارسة، والذى بلغ بعض محترفيه إلى حد تجريح الشعب المصرى، والتشكيك فى قدرته على مواكبة العصر.
لقد حاولت فى هذه المقالات أن أقوم بهذا الدور النقدى.
أكتب هذا بمناسبة الضجة الكبرى التى قامت بصدد ما اعتبره الدكتور «أسامة الغزالى حرب» سبًا وقذفًا ارتكبه فى حقه الإعلامى الأستاذ «أحمد موسى».
والواقع - إذا ما استعرضنا وقائع القضية - لاكتشفنا أنها تقوم على سببين رئيسيين. الأول سب وقذف فى حق شخصية الدكتور «أسامة الغزالى حرب» بصدد استقامة سلوكه السياسى من ناحية، وهجوم «أحمد موسى» على ثورة ٢٥ يناير ومن أشعل فتيلها من الناشطين السياسيين.
فيما يتعلق بالتهمة الأولى فلا شك - لو فحصنا محتوى البرامج التليفزيونية والمقالات الصحفية - أن النقد السياسى المشروع يتحول فى كثير من الأحيان، إلى تهم غير مقبولة من قبيل التخوين أو الاتهام بالفساد السياسى أو الشخصى.
ولا شك أن ذلك لا يدخل إطلاقًا فى مجال حرية التعبير، بل إنه يدخل فى مجال السب والقذف غير المشروع.
أما نقد ثورة ٢٥ يناير والاتهام بأنها مؤامرة فهو فى الواقع نقد اجتماعى غير مسئول، لأنه اتهام غوغائى يفتقر إلى المنهج العلمى فى التفرقة بين الانقلاب والهبة الجماهيرية والثورية الشبابية.
بعبارة أخرى هى أوصاف مرسلة تصدر من بعض الإعلاميين بدون إحساس بأهمية تطبيق المنهج العلمى والتحليل السياسى الرصين.