الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

روشتة لإنقاذ العقل والروح من طوفان الغث

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وحتى لو كانت الروشتة لا تحتوى إلا على دواء واحد لدرء خطورة تأثير هجمة (الجراثيم) المدمرة للعقل والروح، فهو دواء قوى وفعال وممتع وطيب الأثر.
أتحدث هنا عن دواء تحويه روشتة أنعم الله بها علىّ صدفة ودون توقع، وأشكره وأحمده على نعمته التى أنعم بها علىّ وجعلتنى فى اكتفاء بها عمن سواها.
والقصة تبدأ مع بدايات قدوم شهر رمضان المعظم أعاده الله على الأمة بأجمعها بالخير والبركات.
وما يسبق قدوم الشهر الكريم من إعلانات تحاصرنا ليلا ونهارا سواء على الشاشات أو على صفحات الجرائد أو حتى فى الطرق ونحن نتحرك داخل سياراتنا من مكان إلى آخر، إعلانات عن المسلسلات الرمضانية والبرامج الرمضانية و(بانرات) ضخمة واضح أنها مدفوع فيها العشرات من الألوف!!
ولأننى ذات باع طويل فى عالم النقد بحكم الدراسة الأكاديمية العليا، فعادة لا أتعب كثيرا فى فرز الصالح من الطالح، وأعتمد فى المقام الأول على معايير تتعلق بأسماء صانعى العمل، ويأتى فى المقدمة اسم الكاتب والمخرج وبعدها أنظر فى أسماء النجوم المشاركين وإن كانت هذه المعايير فى بعض الأحيان ما تكون مخيبة للتوقعات، وأتحدث هنا فى المقام الأول عن المسلسلات، لأن البرامج الرمضانية المقدمة فى العادة لا أتوقع منها (رجا) فهى للأسف فى أغلبها لا تحترم لا عقلية المشاهد ولا طبيعة الشهر، ولا تهتم لا فى المطلق ولا بشكل استثنائى يتعلق بالآونة والظروف الأخيرة التى تمر بها البلاد، لا تحترم الحالة الاستثنائية التى نعيشها، إنها برامج تبدو كأنها متعمدة لتغييب العقول وتسطيحها والعمل على تشويه القيم والعادات، برماج كأنها تقول للمشاهد كن غبيا وصدقنا واضحك لتفاهتنا وكن تافها معنا!!

■■ أتى الشهر الكريم.. ووجدت أمامى كم المعروض كما السيل، لكننى وباستخدامى لما لدى من خبرة أكاديمية جعلت حاستى ورؤيتى النقدية تعينانى سريعا على الفرز، خرجت بأن هذا الكم من المعروض يعادل فى قيمته كما من التراب، وأنه لا برنامج سوف أشاهده طيلة شهر رمضان.. وفيما يخص المسلسلات سوف أكتفى بمسلسل (حارة اليهود)، حيث الاسم وحده يجعلنى أقف منه وقفة ترقب لا تتعلق بسرد الأحداث ولكن تتعلق فى المقام الأول بالمعالجة الدرامية، فإما أن تأتى المعالجة بشكل يرضينا أو العكس، وعليه قررت اختيار المسلسل لمتابعته، وها أنا أتابعه وسوف أكتب عنه فى حينه وأعطيه حقه كافيا.

■■ وأعود إلى الروشتة والدواء الممتع الجميل الذى عوضنى وحمانى من كم الغث المقدم على الشاشات، والذى أتانى من اليوم الأول من شهر رمضان، وبالصدفة وأنا أجلس مقررة التفتيش بين القنوات فقد يأتينى الغوث من الله، وبدأت بقناة صوت الشعب لأن ترتيبها فى القائمة يأتى فى البداية تقريبا، وإذا بالغوث يأتينى لينقذنى من الغث.. دواء هو هدية ثمينة فيه غذاء للعقل ومتعة للروح والوجدان.. دواء مكوناته ومواده الفعالة هى مزيج من الرقى والجمال والإمتاع الممزوج بالإفادة والتثقيف الجذاب الممتع.
إذا بى وأمامى يجلس المذيع التليفزيونى الكبير (طارق حبيب) رحمه الله فى برنامجه القديم من زمن الأسود وأبيض (أوتوجراف) يجلس بكل احترام ورقى يحاور ضيوف حلقاته مثريا الحوار بأسئلته السلسة الراقية والقوية فى ذات الوقت نتيجة لكم المعلومات الذى هو ملم بها عن ضيوفه وطبيعة أدوارهم فى الحياة.
وهكذا وبالصدفة البحتة أصبحت يوميا وعقب صلاة المغرب مباشرة أجلس أتناول إفطارى وآخذ معه جرعتى اليومية من الدواء الغوث المضاد للغث المنقذ للعقل والشافى والممتع للروح والوجدان.
حلقة كل يوم تغنينى عن رؤية أى شىء ولا أرتضى بعدها وبعد شعور الاستمتاع العقلى والروحى أن أزيله وألوثه برؤية برامج أو مسلسلات السفه التى تضخها القنوات ضخا، وأعتذر عن القول يذكرنى بضخ الصرف الصحى!!
■■ على قناة (صوت الشعب) ومع (أوتوجراف) الإعلامى القدير.

(طارق حبيب) أجلس أستزيد من المعلومات عن ذكريات الماضى الجميل.. وطارق حبيب يحاور فى أول حلقة عندليب الغناء (عبدالحليم حافظ) جالسا يتحدث حول مشوار حياته منذ بدأ، وعن العلاقات الإنسانية الراقية التى كانت تسود تلك الفترة بين أبناء الفن وعن وعن وعن.. وكانت المفاجأة بالنسبة لى أن أعرف أن أغنية «من غير ليه» التى غناها الموسيقار (محمد عبد الوهاب) كانت مكتوبة وملحنة وأجريت عليها البروفات ليغنيها عبدالحليم، وكذلك أغنية «أحلى طريق فى دنيتى» التى غنتها المطربة صاحبة الصوت الشجى (فايزة أحمد) كتبت ولحنت لعبدالحليم حافظ، لكن موعد الموت كان إليه أقرب من موعد غنائه للأغنيتين!!
وتوالت أيام رمضان - والتى مر منها أسبوع سريع وتوالت مشاهداتى لأوتوجراف.. ومن عبدالحليم إلى حلقة الشاعر الكبير (أحمد رامى) الذى أثرى حياتنا وحتى الآن بأجمل أغنيات الحب، ومزيدا من الروعة والاستمتاع والاستزادة من معلومات شيقة ثمينة القيمة كما الألماس، إلى حلقة الشاعر الكبير (صلاح جاهين) صاحب الشخصة الفريدة المتعددة المواهب والحكاء الجميل والمعايش لفترة هى من أزهى وأجمل وأروع فترات مصر بكل ما فيها من تميز وإبداع، ومن نجاحات وأيضا إخفاقات سريعا ما خرجنا منها وعدنا نقف على أرضنا الصلبة المتماسكة.
ثم إلى الحلقة الفواحة فوح المسك والعنبر، والتى جعلتنى أزداد يقينا وفخرا وزهوا بعظمة وجمال دينى الحقيقى كما أنزله الله بجوهره الرائع السمح الأصيل.. وهى الحلقة التى كان ضيفها الشيخ (مصطفى إسماعيل) هذا المقرئ الحلو الصوت، والجميل الروح، والواسع الثقافة.. كنت أجلس كأننى أجلس فى محراب صلاة وأنا أستمع إلى متعة حديثه عن المقامات الموسيقية رصد وبياتى وحجاز وغيرها من المقامات الموسيقية فى تلاوة القرآن، وتقديم نماذج فى هذا وهو يتلو سورة (الضحى) بصوته الرخيم بمقامات مختلفة.. ثم حديثه عن ما يشاهده فى المسرح الكوميدى، ومطربيه المفضلين وناديه الكروى الذى يشجعه، وعن زوجته وبيته والذى هو كبيوتنا العادية بتقاليدنا وقيمنا السمحة البسيطة بلا تشدد ولا قبح ولا كره.

■■ إنها هدية جميلة أتت بها الصدفة إلىّ، وأنعم الله بها على.. وهى روشتة أهديها لمن يحب أن يحمى عقله من الغث ويغذى روحه ووجدانه بجمال الحوارات المتبادلة بين إعلامى قدير وضيوفه الرائعين من زمن جميل ليتنا نتخذ منه قدوة ونموذجا لنستعيد مصرنا الجميلة من جديد..
وكل عام وأنتم ومصرنا وأمتنا العربية بخير.