الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحية لمن دفع عمره فداء لفكرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت ليلة ١٥ يونيو من أجمل ليالى الإسكندرية، احتفى فيها شباب مصر بواحد من أجمل رجال مصر.
٦ شارع جورج أبيض محطة ترام الجامعة، الدور الأرضي، كان المنظم الدكتور محمد دوير.
هو شهدى عطية الشافعى (١٩١١- ١٥ يونيو ١٩٦٠) شيوعى مصرى، ولد في مدينة الإسكندرية عام ١٩١١ م.
كان شهدى قائدا في الحركة الطلابية التي شكلت منطلقا مهما للحركة الوطنية المصرية في ثلاثينيات القرن الماضى، درس الإنجليزية في جامعة القاهرة، وعمل مدرسًا في مدرسة ثانوية لوقت قصير، وحصل على منحة من وزارة التربية والتعليم للدراسة في جامعة أكسفورد في بريطانيا وحصل على الماجستير ثم عاد من بريطانيا ليعمل مفتشًا للتعليم في وزارة التربية والتعليم عام ١٩٤٧. وكان أول مصرى يتم تعيينه مفتشا للغة الإنجليزية بالمدارس المصرية.
انضم إلى تنظيم «إسكرا» الشيوعى في هذه الفترة، وأصبح أحد المصريين الإثنين اللذين وصلا إلى عضوية اللجنة المركزية للتنظيم، وتولى مسئولية «دار الأبحاث العلمية» المنبر الثقافى لتنظيم «إسكرا» الذي استقطب أعدادًا كبيرة من المثقفين المصريين الشبان للحركة الشيوعية. وكتب شهدى عطية بالتعاون مع محمد عبد المعبود الجبيلى وثيقة «أهدافنا الوطنية» التي نشرت عام ١٩٤٥، كما ساهم في تأسيس اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التي قادت مظاهرات فبراير مارس ١٩٤٦ ضد مفاوضات حكومة الأقلية المصرية مع الإنجليز.
عندما اندمجت إسكرا مع الحركة المصرية للتحرر الوطنى (حدتو) لتشكيل الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى (حدتو) تولى شهدى عطية رئاسة تحرير صحيفتها «الجماهير»، كما أصبح عضوا في اللجنة المركزية لـ«حدتو».
صدر ضده حكم بالسجن لمدة سبع سنوات، وعندما خرج من المعتقل كانت الحركة الشيوعية المصرية تواجه موجة أخرى من القمع على يد النظام الناصرى الذي استولى على الحكم عام ١٩٥٢.
وعلى الرغم من تشدده الثورى أصبح شهدى عطية أحد المؤيدين المتحمسين للضباط الأحرار، واعتبر انقلابهم حركة تقدمية معادية للإمبريالية، وعرض آراءه هذه في كتابه «أمريكا والشرق الأوسط» الذي صدر أثناء المقاومة الناصرية لحلف بغداد عام ١٩٥٥. وبسبب آرائه المتعاطفة مع النظام، نشرت العديد من مقالاته في جريدة المساء الحكومية.
عقب تأميم قناة السويس والأزمة السياسية التي نجمت عنها حرب ١٩٥٦، كتب مؤلفه الشهير «تطور الحركة الوطنية المصرية ١٨٨٢ – ١٩٥٦» والذي يعتبر من أهم القراءات الوطنية الماركسية عن تاريخ مصر. كما نشر عددًا من القصص القصيرة «مجموعة حارة أم الحسيني» مسلسلة في جريدة المساء.
اعتقل شهدى عطية مرة أخرى في يناير ١٩٥٩ مع مئات من الشيوعيين لكنه ظل يدافع عن الإصلاحات الداخلية التي أنجزها النظام الناصرى ومواقفه غير المنحازة في السياسة الدولية، وأكد خلال محاكمته في مارس ١٩٦٠ أن على كل وطنى مصرى حقيقى أن يساند النظام الناصرى ويؤيده.
ضمت الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى (حدتو) ضمن من ضمت صلاح جاهين، يوسف إدريس، فؤاد حداد، خالد محيى الدين. زكى مراد إبراهيم، عبده العنتبلى، كمال عبد الحليم وأحمد الرفاعى، وكذلك البطل الأسطورى لليلة ٢٣ يوليو الضابط الشجاع يوسف صديق الذي اقتحم قيادة أركان الجيش المصرى فاتحا الطريق أمام ثورة ٢٣ يوليو.
كان شهدى عطية أحد أبرز كتاب جريدة الجماهير، أبرز الصحف الاشتراكية في الأربعينيات، وكتب فيها مقاله الشهير «الشعب يريد حزبا من نوع جديد» في إشارة مبطنة لتنظيم «حدتو». تم إلقاء القبض عليه في عام ١٩٤٨، وحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة ٨ سنوات..وقيد بالأغلال وفى قفص المحكمة هاتفا بحياة الشعب المصرى وحريته، وكانت محاكمته وشجاعته مصدر إلهام للعديد من رفاقه.
في عام ١٩٥٩ حوكم أمام محكمة عسكرية في قضية شيوعية، وكان معه ٤٧ من رفاقه في قضية عرفت بقضية الـ ٤٨. تم نقلهم من سجن الحضرة بالإسكندرية إلى معتقل أبو زعبل، وهناك تعرض الـ ٤٨ معتقلا إلى التعذيب عرايا والسحل بالخيل، والتعذيب الشديد المنظم. قتل شهدى أثناء هذا العمل المنظم.
بعد وفاة شهدى استطاع رفاقه تهريب خبر اغتياله للخارج نشر نعى عظيم في جريدة الأهرام خطأ، مما أدى إلى عزل الرقيب الذي لم يكن يهتم بما ينشر في صفحة الوفيات في جريدة الأهرام، وكان الرئيس جمال عبد الناصر وقتها في يوغوسلافيا، ودعه الرئيس تيتو لحضور مؤتمر وفى الجلسة وقف مندوب يوغوسلافيا ووجه التحية إلى ذكرى الشهيد الذي قتل تحت التعذيب في مصر، وطبعا كانت صدمة لعبد الناصر وأبرق لمصر يطلب وقف التعذيب والتحقيق في الموضوع.
هو أحد الوجوه الناصعة والمشرقة في زيادة الإبداع عموما، وهناك من استمروا وقدموا إبداعات شامخة مثل فؤاد حداد وعبدالرحمن الشرقاوى ويوسف إدريس وعبدالرحمن الخميسى وغيرهم، وهناك من اختطفتهم الحركة السياسية بأشكال مختلفة مثل صلاح حافظ، وإبراهيم عبد الحليم، وشهدى عطية الشافعى، الذي ذهب فداء لنضال شرس ضد الطغيان والظلم والاضطهاد الطبقى، وقد بدأ هذا النضال منذ أن كان طالبا في كلية الآداب، يورد صنع الله إبراهيم موجزا عن تاريخ حياته في كتابه: (يوميات الواحات) قائلا: (ولد شهدى عطية الشافعى سنة ١٩١٣ وحصل على ليسانس الآداب ودبلوم المعلمين واشتغل بالتدريس، ثم تقدم لمسابقة اللغة الإنجليزية، وكان أول الناجحين فاستحق بعثة إلى بريطانيا حيث حصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزى من كامبردج، وبدأ التحضير لدرجة الدكتوراه في الفلسفة، وعند عودته في نهاية الحرب العالمية الثانية شغل وظيفة مدرس أول اللغة الإنجليزية بمدرسة التجارة، ثم تدرج في مناصب وزارة التربية والتعليم حتى وظيفة مفتش أول اللغة الإنجليزية، ويعد من أوائل المصريين الذين شغلوا هذا المنصب، وحتى ذلك الوقت أسس دار «الأبحاث العلمية»، ثم شارك في قيادة اللجنة الوطنية للطلبة والعمال سنة ١٩٤٦، وقبض عليه في العام التالى، وحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات فصار أول سجين سياسي يدخل الليمان، ويقيد بالسلاسل الحديدية، وظل الشيوعى الوحيد به، وخلال ذلك نظم مدرسة لمكافحة الأمية ونجح في تنظيم أول إضراب من نوعه في السجون المصرية للمطالبة بتحسين الطعام وظروف المعيشة، وفى أعقاب الثورة أفرج عنه بثلاثة أرباع المدة، وظل خاضعا للمراقبة القضائية حتى اعتقاله مرة ثانية في أول يناير ١٩٥٩، وكان المتهم الأول في قضية «حدتو» التي قدمت إلى المحاكمة العسكرية في مارس ١٩٦٠.
أما بقية الأحداث التي تعرض لها شهدى عطية، فهى معروفة باستفاضة في عدد من الأدبيات السياسية، والشهادات التي تناولت فترة الاعتقال من ١٩٥٩ إلى ١٩٦٤، وأعد الدكتور رفعت السعيد التحقيقات التي أجريت بعد اغتياله في كتاب واسماه «الجريمة»، ونجد وقائع هذا الاغتيال في كتابات فخرى لبيب وطاهر عبد الحكيم وفتحى عبد الفتاح والهام سيف النصر والسيد يوسف وسعد زحران وآخرين، كما كتب الروائى الراحل فتحى غانم روايته «حكاية تو» عن هذا الحدث، كما كتب أيضا الروائى محمود الوردانى رواية تتناول الحدث عنوانها «أوان القطاف».. وفيها يوازى الوردانى استشهاد شهدى عطية، باستشهاد الحسين.. وقد كتبت قصائد رثاء عديدة في استشهاد شهدي.. منها قصائد فؤاد حداد ورؤوف نظمى، ومحسن الخياط، وعبدالعظيم أنيس (الرفيق سيد)، الذي يبدأها أنيس بقوله:
(صورتك على عيني.. عين ثانية بشوف بيها
الجن والسجان وأيام بآسيها
وكل شومة في إيد سجان ألاقيها
أهم وأجرى ورا السجان استفسر
عن دم واقف على شومته يقول بإصرار
شيوعي؟ طبعا شيوعي..)
يوم ١٥ يونيو.. كان يوما حزينا..