الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ما أحوجنا للعدل!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


ما أحوجنا- ونحن في رحاب هذه الأيام العطرة التي نستقبل فيها نفحات شهر رمضان المعظم- لاستحضار القيم الإنسانية النبيلة التي تقوم على أساسها أرقى الحضارات وفي مقدمتها قيمة العدل الذي يبني ولا يهدم يجمع ولا يفرق وهو أساس الملك.
والعدل من القيم الإنسانية الأساسية التي جاءت بها كافة الديانات وجعلتها من مقومات الحياة الفردية والاجتماعية والسياسية.
فالعدل لا يجب أن يتأثر بحب أو كره وألا يفرق بين حسب أو نسب ولا بين جاه أو مال.. كما أنه لا يفرق بين مسلم وغير مسلم بل يتمتع به جميع المقيمين على هذه الأرض أياً كان لونهم أو جنسهم أو دينهم.
وحقيقة العدل أنه ميزان الله على الأرض به يأخذ الضعيف حقه ويرد الظلم عن المظلومين وبه أيضاً يتمكن صاحب الحق من الوصول إلى حقه من أقرب الطرق وأيسرها وهو واحد من أهم القيم التي تقرها كافة الأديان يهودية ومسيحية وإسلامية.
وبقدر ما أمرت الديانات بالعدل بقدر ما حرمت الظلم أشد التحريم ووضعته في الدرك الأسفل من المحرمات، سواء ظلم النفس أم ظلم الآخرين، وخصوصاً ظلم الأقوياء للضعفاء والأغنياء للفقراء والحكام للمحكومين، فكلما اشتد ضعف الإنسان كانت عقوبة ظالمه أشد تأثيماً.
فعندما تختفي أنوار العدل عن البشر يتفشى الظلم بينهم فيفتك القوي بالضعيف ويسلب القادر حق العاجز ويلهف الراعي الرعية ويقهر الكبير الصغير ولا يخرجهم من هذا الوضع المشين إلا العدل.. فهو سعادتهم وقاعدة أمنهم واستقرارهم.
وفي المقابل نجد الظلم الذي يهدم ولا يبني يفرق ولا يجمع وهو وراء كل شر.. فالجريمة ظلم والمجرم ظالم.. والظلم بمثابة حرب لخالق هذا الكون الذي أنشأه من عدم وجمله ليكون زينة لخلقه إذا انتفى الظلم عنهم.
وكما يقال عن الخمر أنها مفتاح كل شر فإن الظلم أيضا وراء كل داء في المجتمع.. فالسرقة وراءها ظلم.. والإرهاب يرعاه ويغذيه الظلم.. والفساد هو عين الظلم حيث يأخذ من لا يستحق ممن لا يملك .. والقتل هو أقسى درجات الظلم.
وليس العدل والظلم مفهومان مجردان عن الإدراك بل أنهما يتجليان في كافة تعاملاتنا مع من حولنا وما حولنا أيضاً.
فإذا وضع كل منا ميزان العدل والظلم نصب عينيه، وعمل به في سلوكياته كافة، فلا شك أننا سنصل إلى درجة عظيمة من الرقي والتحضر في كافة مناحي الحياة.. فالصانع إذا كان عادلاً ستجده يتقن صنعته فيقبل عليها الناس وبذلك نقضي على الفقر.
والحاكم إذا ما حرص على تطبيق العدل بين الناس في الأرض فإنه سيضمن ولاء المحكومين وإخلاصهم وتفانيهم في خدمة وطنهم وبذلك يصل إلى مصاف الدول المتقدمة.
لن نقول أو نتوقع وجود عدل مطلق على وجه الأرض، فهذا يجافي حكمة الخالق في جعل الدنيا دار ابتلاء، وإنما نطمح أن يضع الحاكم والمحكوم، الراعي والرعية، هذه القيمة الغالية نصب أعينهم فهذا مفتاح النجاة من الهلاك.
ويعتبر شهر رمضان محطة مهمة لكل مسلم ينوي التقرب إلى الله بالعمل الصالح لذلك لا نتصور أن يصوم إنسان وفي قلبه ذرة من الظلم .. فلزاماً عليه ليتقبل الله صيامه أن يحاسب نفسه هل ظلمت أحداً .. فإن كانت الإجابة بنعم، فعليه أن يستشعر الخوف ويعمل على تصويب قبلته قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا تجارة إلا من أتى الله بقلب سليم.