الخميس 30 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

هل تنجح "الدولة الأمنية" في ضرب الأحزاب الديمقراطية؟ ( ا- ٢)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ترددت كثيرًا قبل أن أكتب هذا المقال، ولا أخفي عليك عزيزي القارئ أنني تشاورت مع بعض الأصدقاء قبل أن أبدأ الكتابة حول فكرة المقال وموضوعه، وقد رفض بعضهم الفكرة جملة وتفصيلاً استنادًا إلى أن الموضوع يتعلق بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وما يدور داخله من حوارات وخلافات، وهي أمور قد تكون من وجهة نظرهم “,”حزبية داخلية“,” لا يجوز الخوض فيها أمام الغرباء لأنها أسرار حزبية، ولا أود أن أخفي عليكم أن بعضًا من هذا البعض لديه وساوس أمنية قديمة، ويخشى أن يعرف الأمن أسرار الحزب وخفايا ما يدور داخله، وفي المقابل شجعني البعض على كتابة هذا المقال استنادًا إلى أن الأمن “,”عارف كل حاجة“,” بل هو على الأغلب طرف في الموضوع بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي النهاية ما يود هذا المقال أن يطرحه هو أمر لا يتعلق بإفشاء أسرار، وإنما يتعلق بتعميم خبرة علينا داخل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وخارجه أن نتعلم منها الكثير.
هناك طرفان للقصة التي أود أن أحكيها لكم بغرض استخلاص الدروس والعبر كما أوضحنا، الطرف الأول، ولنبدأ به هو الطرف الديمقراطي، وأود أن أحدثكم عن جهود هذا الطرف من خلال التطرق إلى أدائه وممارساته ومواقفه خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبالطبع لن يستطيع هذا المقال أن يحصر ويرصد كل هذه الجهود سواءً للقوى والأحزاب الديمقراطية أو حتى للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي تتنوع هيئاته وأماناته ما بين نوعي وجغرافي، ويصعب جدًّا حصر ما قام به الحزب خلال الأسابيع الثلاث الماضية، ولذلك سأكتفي هنا بذكر ما قمت به أنا شخصيًّا من نشاط وجهد سياسي، وأنا بالقطع ليس أكثر الناس حركة ونشاطًا، لكي أعطي مجرد مثال على ما قام به عشرات أو مئات من أعضاء الحزب، وكذا أعضاء الأحزاب والقوى الديمقراطية الأخرى ردًّا على المقولات الشائعة “,”الأحزاب مبتعملش حاجة“,”، أو “,”الأحزاب مش موجودة على الأرض“,”... إلخ.
في إطار الجهود المبذولة لمخاطبة الرأي العام العالمي حول ما يحدث في مصر شاركنا في لقاء نظمه وأداره د. حسين جوهر أمين لجنة العلاقات الخارجية بالحزب، مع ممثلي 13 بعثة دبلوماسية أجنبية في القاهرة؛ حيث قمت بالاشتراك مع أحمد فوزي الأمين العام ود. هدى الصدة نائب رئيس الحزب في شرح ما يدور في مصر، والتأكيد على أن الإخوان مارسوا العنف وحرضوا عليه، وأن 30/6 هي ثورة دعمها الجيش وليست انقلابًا عسكريًّا، وأن الحزب وكذا كافة القوى التي شاركت في خارطة الطريق متمسكة بالمسار الديمقراطي... إلخ.
وفي هذا الاتجاه أيضا التقيت مع صحفية تركية تنتمي للتيار الديمقراطي الاجتماعي بتركيا؛ حيث أوضحت لها أن الشعب المصري حريص على علاقته بالشعب التركي، وأن أردوغان أضر كثيرًا بالمصالح التركية لا في مصر وحدها ولكن في العالم العربي كله، وناشدت من خلالها الشعب التركي لكي يعبر عن احتجاجه ورفضه لتصريحات أردوغان الاستفزازية، وأخيرًا، وعلى صعيد مخاطبة الرأي العام العالمي أيضًا التقيت- وعلى مدى ساعتين- صحفيًّا أمريكيًّا من صحيفة الوول ستريت جورنال، وهي صحيفة من كبريات الصحف الأمريكية، وقد تحاور معي الصحفي حول الوضع السياسي بصفة عامة؛ حيث شرحت له وجهة نظرنا في 30/6 وغيرها من الأمور، ولكن كان اللافت لي بحق في هذا اللقاء أن الصحفي سألني عن الخلافات في الحزب بخصوص مبادرة د. زياد بهاء الدين التي تبناها مجلس الوزراء، واستند في معلوماته على مصادر متنوعة منها انتقادات وجهها بعض قيادات الحزب للمبادرة عبر شاشات الفضائيات، وذلك في الوقت الذي أصدر فيه الحزب بيانًا يدعم المبادرة التي دعمها مجلس الوزراء بالكامل، وبالذات الفريق السيسي الذي انحاز للمبادرة منذ اللحظات الأولى، على الرغم من اعتراض بعض الوزراء في البداية، وفي الحقيقة كان للحوار مع الصحفي الأمريكي أثر بالغ في كتابتي لهذا المقال؛ لأنني أدركت “,”إن مفيش حاجة بتستخبا“,”، و“,”إنه مفيش أحسن من الصراحة“,”، حيث شرحت له أننا حزب ديمقراطي نختلف فيما بيننا كثيرًا لكننا ننجح في تجاوز هذه الخلافات؛ لأننا نحرص على وحدة الحزب من خلال الأخذ بأساليب الإقناع والاقتناع، وامتثال الأقلية لرأي الأغلبية، ولا نتعمد تسفيه آراء بعضنا... إلى آخر هذه الممارسات الناضجة والديمقراطية التي مكنت الحزب من المضي قُدمًا رغم أجواء التوتر والاستقطاب والاحتقان بأقل الخسائر الممكنة.
على الصعيد السياسي الداخلي حرصت على عرض وجهات نظر الحزب في القضايا المختلفة من خلال أكثر من منبر إعلامي كان أهمها قناة “,”أون تي في“,” التي يحرص جمهور الشرائح العليا من الطبقة الوسطى المدنية على مشاهدتها، وقناة “,”سي تي في“,” التي يتابعها السواد الأعظم من أقباط مصر، وأخيرًا قناة “,”أزهري“,” التي تقدم الإسلام الوسطي الأزهري إلى جمهور واسع من المتدينين، وعبر كل قناة من هذه القنوات كنت أحاول شرح أفكار الحزب ومواقفه إلى قطاعات واسعة من الجمهور، وهو أمر لا يمكن أن ينجح بنفس القدر إلا من خلال هذا الظهور المتكرر على الفضائيات، ولعل ذلك يفسر كيف أن هذا الظهور للقوى الديمقراطية على شاشات التلفاز يثير إنزعاج البعض، فتراهم يهاجمون ذلك تحت دعوى أن هذا الظهور غير مفيد وليس له علاقة بالعمل على الأرض... إلى آخر هذه الاتهامات التي تحاول إحراج من يظهر على الشاشات لكي يتجنب ذلك وكأن مخاطبة الألوف أو مئات الألوف من الناس في الأحياء والقرى من خلال الشاشات هو أمر معيب، أو كأن الناس الذين نخاطبهم يعيشون في المريخ أو عطارد وليسوا على الأرض، أو كأن كلامنا للناس ومع الناس لم يؤثر على تغيير مواقفهم من الإخوان وغيرهم، نحن القوى الديمقراطية لا نملك من مساحات الإعلام الموجودة إلا مساحات محدودة، وظهورنا في الإعلام محدود، ومع ذلك يبدو أن هذا الظهور ليس مستحب؛ لأنه ببساطة يزيد من قوة القوى الديمقراطية ويثبت أقدامها على الأرض، ولعل ذلك بالضبط هو ما يثير حنق البعض واستياءهم.
على صعيد المساهمة في تغيير الأحوال الاقتصادية والاجتماعية شاركت مع أسامة بسيط أمين المهنيين وعدد من المرشدين السياحيين من قيادات الحزب في بلورة مبادرة من المقرر أن نُعلن عنها خلال أيام لتنشيط السياحة الداخلية؛ بهدف تحسين الأحوال المعيشية لا للمشتغلين في قطاع السياحة فحسب ولكن لكل المصريين أيضًا، لأننا جميعًا نعلم أن قطاع السياحة من الممكن أن يكون القاطرة القادرة على إنعاش كافة المجالات الاقتصادية.
في إطار جهود الحزب أيضًا لتحسين أحوال المهنيين، وهم قطاع مهم من المصريين، شاركت مع أحمد حسين أمين الأطباء وعضو مجلس نقابة الأطباء في اجتماع بغرض الاستعداد لانتخابات نقابة الأطباء المقرر عقدها بعد شهر تقريبًا؛ حيث حرص الحضور على أن يؤكدوا مسئولية القوى الديمقراطية على خوض هذه المعركة وغيرها لأن قيادة القوى الديمقراطية لهذه النقابات ليس معناه إزاحة قوى الإخوان الإقصائية فحسب، ولكن معناه العمل من أجل تحسين الأحوال المعيشية للأطباء من خلال تبني مطالبهم العادلة جنبًا إلى جنب مع رفع مستوى المهنة والأداء المهني للأطباء.
في إطار نفس هذه الجهود حضرت بعض الاجتماعات مع خالد شعبان أمين العمال للحوار حول القانون الجديد الخاص بالحريات النقابية، والتقينا كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة، وحضرت أيضًا مع مها عبد الناصر أمين مساعد الحزب اجتماعا مع الطلبة لضم بعض القيادات الطلابية للجنة والحوار حول كيفية دعم اللجنة، وتمثيل الطلبة في الهيئات العليا.
بخصوص العمل من أجل تفعيل المسار الديمقراطي والمساهمة في بناء المجال السياسي من خلال دعم مبادرة مجلس الوزراء، وبناء آلية لتفعيل المبادرة من خلال التعاون بين الأحزاب والقوى السياسية وبين مجلس الوزراء كان المكتب التنفيذي قد اتخذ قرارًا في هذا الصدد وتشكلت لجنة من كاتب هذه السطور، وكامل صالح نائب رئيس الحزب، وأحمد فوزي الأمين العام، وتامر الميهي أمين اللجنة السياسية، وقامت اللجنة بالفعل بمشاورات مع كل القوى والأحزاب السياسية التي شاركت مع الفريق السيسي في وضع خريطة الطريق، وتوجت هذه المشاورات بلقاء تشاوري انتهى إلى تحديد المجال السياسي بأنه من الممكن أن يتضمن القوى والأحزاب السياسية التي لم تشارك في أي عنف أو إرهاب ولم تحرض عليه وتدينه وتطالب بمحاكمة مرتكبيه والمحرضين عليه، وتوافق على خريطة الطريق، وتقف ضد عودة النظامين السابق والأسبق.
أخيرًا بخصوص النشاط الحزبي الداخلي شاركت في الحوارات المهمة التي دعت إليها أمانات شمال ووسط وشرق القاهرة للحوار حول مبادرة مجلس الوزراء، وكيفية تفعيل المسار الديمقراطي، وطبيعة اللحظة السياسية الراهنة؛ حيث شارك في تنظيم وإدارة الحوار والحديث في هذه اللقاءات أسامة عبد الحي، ومرقس ساويرس، وإسلام هاشم، وإيهاب الخراط، وأسامة بسيط، وبمنتهى الصدق والأمانة كانت الحوارات رفيعة المستوى ومفيدة جدًّا وشديدة النضج، وساعدت كثيرًا على الوصول بهذه الحوارات إلى درجة معقولة من التوحد والتماسك، وأنا نفسي شاكر وممتن لكل الزملاء الذين حضروا هذه اللقاءات.
كان هذا نبذة مختصرة عن ما سهمت به خلال الأسابيع القليلة الماضية، وإذا وضعنا ذلك إلى جوار ما قام به عشرات ومئات من قيادات وأعضاء حزبنا أدركنا أننا نقوم بالكثير، وأنه لا صحة لما يُقال عن أن الأحزاب “,”مبتعملش حاجة“,”، وأغلب الظن أن بعضًا من الذين يروجون هذا الكلام- ولا أقول كلهم- هم من أقطاب ورموز الدولة الأمنية التي لم تكتف باتهامنا بأننا غير موجودين ولكنها قامت بما هو أكثر من ذلك بكثير وأطلقت الشائعات والاتهامات.. كيف حدث ذلك؟
هذا هو موضوع المقال القادم بإذن الله.