الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

متسكعون وزبالون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى مدينة تعج برجال الأعمال ومكاتب الشركات والبنوك العالمية، كل دقيقة فيها بثمن، الكل يسرع، الكل يجلس على شبكات الكمبيوتر، الكل يتكلم في الموبايلات، الكل يأكل وجبات سريعة، لا وقت يضيع هنا سواء فى الصواب أم فى الخطأ، كل شىء يسير «برتم» سريع رن جرس تليفون رجل الأعمال الذى كان فى انتظار هذه المكالمة على أحر من الجمر، فإذا مدير البنك يقول: مبروك يا سيدى لقد تمت الموافقة على القرض الذى طلبته من البنك فعليك بالإسراع إلينا لأن غدًا وبعد غد عطلة رسمية كما تعلم رد رجل الأعمال فورًا: سأكون عندكم اتصل بالسائق لتجهيز السيارة نزل مسرعًا بالأسانسير ليجد السائق جاهزًا بالسيارة طلب منه سرعة التوجه إلى البنك، أسرع السائق من شارع إلى شارع حتى وصلوا أحد الشوارع المزدحمة وسيارة إسعاف تطلق لصفارتها العنان، طلب رجل الأعمال من السائق أن يبحث عن شارع جانبى بعيدًا عن الزحمة، بسرعة دخل السائق إلى الشوارع الجانبية الضيقة، حتى وجد سيارة جمع الزبالة فى الشارع وتمنع مرور أى سيارة بجوارها والزبالون يلقون بأكياس الزبالة فى السيارة ويجمعونها من البيوت. وضع سائق رجل الأعمال يده على الكلاكس بدون انقطاع وهو يسب سائق عربة الزبالة، ورد السباب بالسباب كما قال الشاعر العربى «ومن لا يتقى الشتم يشتم»، ورفض أن يحرك سيارة الزبالة من مكانها، وقال لهم ليس من حقكم المرور من هنا وكلمة من هنا وكلمة من هناك، تطور الأمر للاشتباك بالأيدى، فخرج رجل الأعمال من السيارة واشتاط غضبًا يلعن الزبالين، وبصق على وجه سائق سيارة الزبالة وصفعه بالقلم، فقام أحد الزبالين بإفراغ حمولته على رأس رجل الأعمال الذى اشتد غضبه وأخرج مسدسه وأطلق عدة طلقات فى الهواء لتفريق جموع الزبالين، إلا أن إحدي الطلقات استقرت فى بطن أحد الزبالين، ولم يذهب رجل الأعمال إلى البنك، بل ذهبوا جميعًا إلى قسم الشرطة وبعد ورود تقرير الطبيب عن حالة المصاب بأنه توفى نتيجة الإصابة، قال رجل الأعمال إنه أطلق طلقاته فى الهواء، لتفريق جموع الزبالين، إلا أن هذا الزبال حاول انتزاع المسدس من يده، فخرجت طلقة فى بطنه دون قصد منه، فى نهاية المطاف أخلى وكيل النيابة سبيل الجميع بضمان محل إقامتهم على ذمة هذه القضية، فجلس المتسكعون على الفيس بوك ليقولوا إن رجل الأعمال واصل وله ضهر وخرج بعد أن قتل الزبال جهارًا نهارًا وتضامن عدد من متسكعى صفحات التواصل الاجتماعى والنت وصنعوا منها قضية وطنية، واستجاب لهم نقيب الزبالين وأخرج لأول مرة فى حياته بيانا يعلن فيه إضراب الزبالين، حتى يتم القبض على رجل الأعمال وتلقفت الفضائيات ومتسكعو الفيس بوك ومن فضائية لأخرى، وظن نقيب الزبالين أنه جيفارا محرر الشعوب وأضرب الزبالون عن العمل وامتلأت طرقات المدينة وشوارعها بشنط الزبالة خاصة عند مقرات الحكومة، إذ تعمد الناس إلقاء الزبالة أمام المصالح الحكومية والبنوك ومكاتب الشركات واستمر الإضراب، فأصدر رئيس المدينة قرار بأن كل من يلقى زبالة أمام المصالح الحكومية سوف يدفع غرامة كبيرة، فقام الناس بركوب المواصلات العامة ويتركون الزبالة فيها حتى امتلأت المواصلات العامة بشنط الزبالة، فأصدر رئيس المدينة قراراً بمنع ركوب المواصلات العامة بالشنط السوداء وعلى الزبالين عودتهم للعمل وإلا سوف يتم فصلهم عن العمل فغير الناس ألوان الشنط ووضعوا الزبالة فى شنط الهدايا وتركوها فى المواصلات ومنهم من تفتق ذهنه ووضع الزبالة فى كراتين، وكتب عليها اسم المصلحة الحكومية، وأرسلها بالبريد ووصلت المصالح الحكومية الآلاف من كراتين الزبالة، وخرج تاجر من تجار الأزمات على الفضائيات يبسمل ويحوقل ويقول إننا متضامنون مع قضية الزبالين، والمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى من عضو تداعى له سائر الأعضاء. هذا هو الرقم الحسابى للتضامن مع إخوتنا الزبالين، وكفالة الزبال واجب يا أخى الحبيب، واستمرت الأزمة والزبالة تعفنت، وانتشرت القطط الضالة والفئران، وكل أنواع الحشرات فى المدينة، وبعد أيام ظهر نقيب الزبالين فى الفضائيات يشكو الحالة الاجتماعية والفقر بعد توقف مرتبات الزبالين ويصف شيخ التكافل بأنه نصاب، وقال نحن مستمرون فى الإضراب حتى يتم إنصاف الزبالين وأصدرت «هيومان رايتس ووتش» لحقوق الإنسان بيانًا تطالب رئيس المدينة بالاستجابة لحقوق الزبالين، وكذلك عدد من جمعيات حقوق الإنسان التى وصل بها الأمر لطلب التدخل الأجنبى لإنصاف الزبالين ووصف رئيس المدينة بالديكتاتور وظهر شيخ التكافل على قناة الجزيرة هاربًا من المدينة، بحجة أنه تعرض للتهديد بسبب كفاحه ومساندته لقضية الزبالين وأنه اضطر للهرب إلى دولة شقيقة يواصل منها كفاحه وأصبح مناضلًا يجمع التبرعات لقضايا الزبالين، وكل يوم يتدهور حال البلد ويهجرها سكانها وأصبحت رائحة المدينة لا تطاق والحشرات من كل لون والفئران والكلاب والقطط الضالة تثير الرعب للسكان، حتى ضاق أحد السكان بحال الشارع الذى يسكن فيه، فقرر أن يأتى بالليل ويسكب البنزين على الزبالة ويشعل فيها النيران وبالفعل أحرق الزبالة التى أمام بيته وانصرف فانتشر الحريق بفعل الرياح والفئران المحترقة فى كل أركان المدينة واحترقت المدينة عن بكرة أبيها.