الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبراهيم بن أدهم.. أمير الزاهدين (أعلام الصوفية 19ـ 30)

مسجد السلطان براهيم
مسجد السلطان براهيم في جبله
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: زياد إبراهيم
إشراف: سامح قاسم

إبراهيم بن أدهم، هو إبراهيم بن منصور بن زيد بن جابر التميمي البلخي، ويكنى بأبي إسحاق، وهو أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الثاني الهجري من أهل بلْخ وهى مدينة تقع في افغانستان، ولكن مسقط رأسه في مكة، حين كان أبوه يحج مع زوجته، وقيل إنها طافت به على الخلق في الحرم، وطلبت من كل من رأته أن يدعو الله له أن يكون صالحًا.
كان من أبناء الملوك والمَياسير، وفي ذات الأيام خرج في رحلة صيد، فهتف به هاتف يقول له: "والله! ما لهذا خلقت!، ولا بهذا أمرت!"، وتكررت الهتافات عدة مرات فتيقن انها أتت له من السماء، ونزل من دابته وصادف راعيًا، فأخذ جبته فلبسها، وأعطاه ثيابه وقماشه وفرسه وترك طريقته، في التزين بالدنيا، ورجع إلى طريقة أهل الزهد والورع. وخرج إلى مكة، وصحب سفيان الثوري، والُفضيل بن عِياض، وتعلم منهم، ثم ذهب إلى بلاد الشام وشارك في الجهاد، فكان يعمل فيها، ويأكل من عمل يده، واستقر زمنا في البصرة وذاع صيته بين الناس.
ترك إبراهيم بن أدهم المُلك والجاه فكان يلبس في الشتاء فروًا ليس تحته قميص، وفي الصيف شقة بدرهمين، ولم يكن يلبس خفين ولا عمامة، وكان كثير الصيام في السفر والحضر، قليل النوم كثير التفكر، وكان يأكل من عمل يده في حصاد الزرع وحراسة البساتين، ولقب بأمير الزاهدين.
وروى أبو نعيم عن أبي إسحٰق الفزاري أنه قال: كان إبراهيم بن أدهم في شهر رمضان يحصد الزرع بالنهار ويصلي بالليل، فمكث ثلاثين يومًا لا ينام بالليل ولا بالنهار.
وعن ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَدْهَمَ، قَالَ: أَخَافُ أَنْ لاَ أُؤْجَرَ فِي تَرْكِي أَطَايِبَ الطَّعَامِ، لأَنِّيْ لاَ أَشْتَهِيهِ.
وَكَانَ إِذَا جَلَسَ عَلَى طَعَامٍ طَيِّبٍ، قَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَقَنَعَ بِالخُبْزِ وَالزَّيْتُوْنِ.
من جملة حِكَمه التي أُثرت عنه ما قاله في رسالة إلى سفيان الثوري يقول فيها: مَنْ عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، ومن أطلق بصره طال أسفه، ومن أطلق أمله ساء عمله، ومن أطلق لسانه قتل نفسه.
ومن درره الحِكَمية قوله: قلة الحرص والطمع تورِث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجزع.
وعن أحمد بن خضرويه أن إبراهيم بن أدهم قال لرجل في الطواف حول الكعبة: اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات: أولاها أن تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة، والثانية أن تغلق باب العز وتفتح باب الذل، والثالثة أن تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد، والرابعة أن تغلق باب النوم وتفتح باب السهر، والخامسة أن تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر، والسادسة أن تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت، وكان عامة دعائه: اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك.
وروي أن إبراهيم بن أدهم حج مرة مع جماعة من أصحابه فشرط عليهم في ابتداء السفر أن لا يتكلم أحدهم إلا لله تعالى، ولا ينظر إلا لله، فلما وصلوا وطافوا بالبيت رأوا جماعة من أهل خراسان في الطواف معهم غلام جميل قد فتن الناس بالنظر إليه، فجعل إبراهيم يسارقه النظر ويبكي. فقال له بعض أصحابه: يا أبا إسحاق، ألم تقل لنا: لا ننظر إلا لله تعالى. فقال: ويحك، هذا ولدي وهؤلاء خدمي وحشمي.
وأنشد يقول:
هجرت الخلق طرًا في هواكا....... وأيتمت العيال لكي أراكا
فلو قطعتني في الحب إربا.......... لما حن الفؤاد إلى سواكا
كان إبراهيم ابن الأدهم كثير التفكر والصمت، بعيدًا عن حب الدنيا، وما فيها من شهرة وجاه ومال، حريصًا على الجهاد في سبيل الله لا يفتر عنه.
وكان برغم زهده يدعو إلى العمل والجد فيه وإتقانه، ليكون كسبًا حلالًا، ولذلك أعرض عن ثروة أبيه الواسعة، وعما كان يصيبه من غنائم الحرب وآثر العيش من كسب يده.
ومن القصص التي تروى دومًا على المنابر، عن إمام الزاهدين وأميرهم، أن أهل البصرة جاءوا يومًا وقالوا له: يا إبراهيم، إن الله تعالى يقول في كتابه: "ادعونى أستجب لكم"، ونحن ندعو الله منذ وقت طويل فلا يستجيب لنا؟!
فقال لهم إبراهيم بن أدهم: يا أهل البصرة، ماتت قلوبكم في عشرة أشياء، فلم يستجب لدعائكم: عرفتم الله، ولم تؤدوا حقه، وقرأتم كتاب الله ولم تعملوا به، وادعيتم حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتركتم سنته، وادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه، وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها، وقلتم نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها، وقلتم: إن الموت حق ولم تستعدوا له، واشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم، وأكلتم نعمة ربكم ولم تشكروها، ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بها.
أما هو فقد كان مستجاب الدعاء. فذات يوم كان في سفينة مع أصحابه، فهاجت الرياح، واضطربت السفينة، فبكوا، فقال إبراهيم: يا حى حين لا حى، ويا حى قبل كل حى، ويا حى بعد كل حى، يا حى، يا قيوم، يا محسن يا مُجْمل قد أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك. فبدأت السفينة تهدأ، وظل إبراهيم يدعو ربه ويكثر من الدعاء. وكان أكثر دعائه: اللهم انقلنى من ذل معصيتك إلى عز طاعتك. وكان يقول: ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا. وكان يقول لأصحابه إذا اجتمعوا: ما على أحدكم إذا أصبح وإذا أمسى أن يقول: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت الرجاء.
ومن ضمن القصص الكثيرة التي تروى عنه، أن جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم.. فقال: يا شيخ.. إن نفسي.. تدفعني إلى المعاصي.....فعظني موعظة!.
فقال له إبراهيم: إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه.. ولا بأس عليك، ولكن لي إليك خمسة شروط.
قال الرجل:هاتها!
قال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه!
فقال الرجل:سبحان الله..كيف أختفي عنه..وهو لا تخفى عليه خافية!
فقال إبراهيم: سبحان الله.. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك.. فسكت الرجل..
ثم قال:زدني!
فقال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله.. فلا تعصه فوق أرضه
فقال الرجل: سبحان الله.. وأين أذهب.. وكل ما في الكون له!
فقال إبراهيم:أما تستحي أن تعصي الله.. وتسكن فوق أرضه ؟
قال الرجل:زدني!
فقال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله.. فلا تأكل من رزقه
فقال الرجل: سبحان الله..وكيف أعيش.. وكل النعم من عنده!
فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله.. وهو يطعمك ويسقيك.. ويحفظ عليك قوتك ؟
قال الرجل:زدني!
فقال إبراهيم: فإذا عصيت الله.. ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار..فلا تذهب معهم!!
فقال الرجل: سبحان الله..وهل لي قوة عليهم.. إنما يسوقونني سوقًا!!!!!
فقال إبراهيم: فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك.. فأنكر أن تكون فعلتها!
فقال الرجل:سبحان الله.. فأين الكرام الكاتبون...والملائكة الحافظون.. والشهود الناطقون
ثم بكى الرجل.. ومضى.. وهو يقول:أين الكرام الكاتبون.. والملائكة الحافظون.. والشهود الناطقون
توفي إبراهيم بن أدهم سنة 162 هـ، وهو مرابط مجاهد في إحدى جزر البحر المتوسط، ولما شعر بدنو أجله قال لأصحابه: أوتروا لي قوسي. فأوتروه. فقبض على القوس ومات وهو قابض عليها يريد الرمي بها، وقيل إنه مات في حملة بحرية على البيزنطيين، ودفن في مدينة جبلة على الساحل السوري، وأصبح قبره مزارًا، وجاء في معجم البلدان أنه مات بحصن سوقين ببلاد الروم.
أقيم في موضع وفاته مسجد سمي جامع السلطان إبراهيم وهو أهم مساجد جبلة اليوم.