السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الإخوان في ألمانيا.. لماذا هذا النفوذ؟!

الدكتور عبد الرحيم
الدكتور عبد الرحيم علي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كانت ألمانيا الغربية هي الدولة الوحيدة، بعد المملكة العربية السعودية، التي استقبلت كوادر جماعة الإخوان الفارين من مصر وسوريا عندًا في ثوار يوليو الذين أقاموا علاقات وثيقة مع ألمانيا الشرقية، آنذاك.

فقد قَدِم أعضاء الجماعة والمتعاطفون معهم في أفواج متتالية في ستينيات القرن الماضى إلى ألمانيا، وأسسوا شبكة واسعة من المساجد، والجمعيات الخيرية والمنظمات، وهو ما يفسر قوة الإخوان وانتشارهم في هذا البلد، بالنظر إلى أي مكان آخر في أوروبا، الأمر الذي دفع بجميع التنظيمات الإسلامية في البلدان الأوربية الأخرى إلى أن تحتذى بنظيراتها الألمانية ؛ لما لها من مكانة ذات أهمية كبرى في أوربا.


الجيل الأول:

سعيد رمضان

سعيد رمضان هو أحد الرواد الأوائل من كوادر الجماعة الذين وصلوا مبكرًا إلى ألمانيا، كان سكرتيرًا شخصيًا لمؤسس الجماعة، حسن البنا، رحل إلى جنيف في عام 1958 ودرس الحقوق في كولونيا، وأسس في ألمانيا «التجمع الإسلامى في ألمانيا» الذي أصبح فيما بعد واحدة من المنظمات الإسلامية الثلاث الكبرى هناك، والتي ترأسها من 1958 إلى 1968.

أسهم رمضان كذلك في تأسيس «رابطة العالم الإسلامي»، وعمل من خلال علاقة جيدة بالمملكة العربية السعودية، التي كانت في حالة عداء تام مع نظام عبد الناصر آنذاك، على تمويل عدد من المراكز الإسلامية في مقدمتها المركز الإسلامى في جنيف و«التجمع الإسلامى في ألمانيا» وعدد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية الكبرى، الأمر الذي يضعه في التاريخ الإخوانى بمثابة مؤسس الفرع المصرى للإخوان في ألمانيا.


على غالب همت

خلف سعيد رمضان في رئاسة التجمع الإسلامى في ألمانيا، وهو رجل أعمال سورى يحمل الجنسية الإيطالية، وخلال إدارته الطويلة «للتجمع» 1973- 2002 تنقل همت بين إيطاليا والنمسا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة، وقد بحثت أجهزة الاستخبارات من كل دول العالم طويلًا في صلات همت بشبكات الإرهاب خاصة تنظيم القاعدة، باعتباره أحد مؤسسى بنك التقوى، الذي اعتبرته الولايات المتحدة أحد الأوعية التي مولت الإرهاب طويلا.


عصام العطار

اختار الفرع المصرى للإخوان «ميونيخ» لكى تكون منطلقًا لعملياته في ألمانيا، بينما اختار الفرع السورى «آخن»، وهى مدينة ألمانية تقع قرب الحدود الهولندية، لتكون مقرًا له، وهى المدينة التي يسكنها الآن، عدد كبير من مسلمى سوريا، بينهم عائلة «العطار» الإخوانية البارزة، كان أول من انتقل إلى «آخن» من آل العطار هو عصام العطار، الذي فرَّ من سوريا في الخمسينيات، بعد صدام مع الحكومة السورية، وسرعان ما تبعه أعضاء آخرون من الجماعة، ومع الوقت اتخذ إسلاميون من بلدان أخرى من مسجد العطار الذي أطلقوا عليه، «مسجد بلال»، في «آخن» قاعدة لعملياتهم.


إبراهيم الزيات وجيل الشباب

هو ابن لإمام مصرى يخطب في مسجد ماربورج، وأم ألمانية ومتزوج من صبيحة أربكان بنت أخت نجم الدين أربكان، وقد خلف يوسف ندا أحد أهم العقول المالية المدبرة لجماعة الإخوان في رئاسة «التجمع الإسلامى في ألمانيا». وبعد وصول إبراهيم الزيات إلى رئاسة «التجمع»، أدرك أهمية التركيز على الشباب «الجيل الثانى من المسلمين في ألمانيا»، وأطلق حملات تجنيد لهم في المنظمات الإسلامية. وتربط شرطة ميكينهايم، في تقرير لها، الزيات بـ«المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية»، وهو معهد فرنسى يُعدّ أئمة أوروبيين، وفيه يُلقى العديد من رجال الدين المتطرفين محاضراتهم، ويتهم عدد من الوكالات الاستخباراتية المعهد بنشر الكراهية الدينية.


منظمات الإخوان في ألمانيا:

التجمع الإسلامى في ألمانيا

إن التجمع الإسلامى في ألمانيا، هو نموذج كاشف للطريقة التي أحرز الإخوان المسلمون بها قوتهم، والتجمع يتعاون مع عدد كبير من التنظيمات الإسلامية في ألمانيا، واندرجت تحت مظلته مراكز إسلامية من أكثر من ثلاثين مدينة ألمانية، وتكمن القوة الحقيقية للتجمع اليوم في تنسيقه وإشرافه على عدد من المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية في ألمانيا.

و«التجمع» يعد من أقدم المنظمات الإخوانية في ألمانيا، أسسه سعيد رمضان 1958 ويرأسه الآن «سمير الفالح» خلفًا لإبراهيم الزيات. يقع مقره في المركز الإسلامى في ميونيخ منذ افتتاحه عام1973، والذي كان مديره مهدى عاكف المرشد العام السابق للإخوان، ويعتبر المركز مقر الفرع المصرى للإخوان، أما الفرع السورى للإخوان، فقاعدته في المركز الإسلامى في آخن، وانفصل عام 1981 عن التجمع ليحتفظ ببعض الاستقلالية، والتجمع عضو في المجلس المركزى للمسلمين في ألمانيا، وكذلك اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا، فضلًا عن أنه مرتبط بشبكة من المراكز الإسلامية في برلين، ونورينبرج، وماربورج، وفرانكفورت، وشتوتجارت، وكولن ومونستر، كما يدير التجمع العديد من المساجد والمدارس وينظم لقاء سنويًا للمسلمين الألمان، وينشر التجمع مجلة «الإسلام» بصفة دورية، والتجمع يقع تحت مراقبة هيئة حماية الدستور الألمانية، وهى هيئة شرطية منوطة بمكافحة الجريمة السياسية في ألمانيا.


«الوحدة» إستراتيجية الإخوان في ألمانيا

في عام 1994، أدرك الإخوان في ألمانيا أن الاندماج في كيان موحد، سيؤدى إلى تأثير سياسي أكبر، فاتحدت تسع عشرة منظمة، بما فيها التجمع الإسلامى والمركز الإسلامى في «ميونيخ»، والمركز الإسلامى في «آخن»، لتكون تحت مظلة واحدة وهو «المجلس الإسلامى في ألمانيا»، تسع منظمات على الأقل من هذه المنظمات التسع عشرة تخص جماعة الإخوان.

وسعى الإخوان أيضًا إلى توحيد ممثليهم المتعددين في أوربا، فأنشأوا خلال الأعوام العشرين السابقة سلسلة من المنظمات في كل أوربا، مثل «اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا»، حيث يمكن لممثلين من المنظمات القومية أن يلتقوا ويخططوا لمبادراتهم، وربما كان أكبر ارتباط لتنظيم الإخوان عبر أوربا كلها هو ارتباطهم مع منظمتهم الشبابية، كما حدث مع التجمع الإسلامى في ألمانيا، ففى يونيو 1996 ضمّت منظمات شبابية من السويد وفرنسا وإنجلترا نشاطاتها إلى «اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا»، الذي قاده في مرحلة من المراحل أحمد عبد العاطى مدير مكتب الرئيس المخلوع مرسي العياط، ورفيقه في قضية التخابر الشهيرة، و«الندوة العالمية للشباب المسلم»؛ لإنشاء منظمة شبابية أوربية إسلامية، وقد اجتمع، من أجل ذلك الغرض، خمسة وثلاثون ممثلًا من أحد عشر بلدًا في «لستر»، وأطلقوا رسميًا عليها «اتحاد المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية في أوربا»، ومقره الآن في "بروكسل"ز


ازدواجية الخطاب

لتنظيم الإخوان في ألمانيا وجهان، وجه يطل به من خلال خطابه الوسطى والمنطوق جيدًا بلغة ألمانية سليمة، لذلك لاقى قبولًا عند الحكومة الألمانية ووسائل الإعلام على حد سواء.

والوجه الآخر، عندما يتحدث بالعربية أو التركية إلى أتباعه من المسلمين، فينزع أقنعته ويُظهر التطرف، وبينما يتحدث ممثلوه على شاشة التلفاز عن الحوار المبنى على الثقة المتبادلة والاندماج في المجتمعات الغربية؛ تحض مساجده على الكراهية، ويحذر المُصلين من شرور المجتمع الغربي، وفى الوقت الذي يندد فيه بقتل أطفال المدارس في روسيا، والمدنيين في لندن ومدريد، يستمر في جمع الأموال للتنظيمات الإرهابية المختلفة.

وبينما يتشدق الإخوان الألمان بقيم الاندماج في المجتمع، يؤكدون في أدبياتهم التي تنشر عبر مجلة «الإسلام» بوضوح كيف أن الإخوان في ألمانيا يرفضون مفهوم الدولة العلمانية، مؤكدين أنهم لا يمكن أن يرتضوا، على المدى الطويل، قوانين الأسرة وقانون الملكية العقارية وقانون المحاكمات الألمانية..ويجب أن يتوجه المسلمون إلى إجراء اتفاق بينهم وبين الدولة الألمانية من أجل محاكم منفصلة للمسلمين، وهذا فعليًا ضد سياسة الاندماج التي يتشدق بها التنظيم


لماذا نجح الإخوان في ألمانيا؟

إن الكثيرين من السياسيين الألمان، غير مطّلعين على الإسلام، ولا يدركون أن وجهة نظر الإسلام وتأويله اللذين يعبر عنهما «المجلس الإسلامى في ألمانيا»، و«التجمع الإسلامي»، إنما هما وجهة نظر وتأويل الإخوان المسلمين، وليس الإسلام الوسطي.

والسياسيون في أوربا من كل الأطياف السياسية يندفعون إلى خطب ود هذه التنظيمات، كلما ظهرت قضية تمس المسلمين، خاصة عندما يسعون إلى كسب الأصوات المتزايدة في المجتمعات المسلمة المنغلقة.

والسبب الأهم هو أن جماعات المسلمين الألمان المعتدلة تفتقد إلى التمويل والتنظيم اللذين تتمتع بهما الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين، وبلغة الأرقام، فإن «المجلس الإسلامى في ألمانيا» ومكوناته الأكثر أهمية، كالتجمع الإسلامي، يتسيدون مشهد التأثير على المجتمع المسلم في ألمانيا، ويحتكرون المصداقية السياسية، فمع التمويل الوافر نجح الإخوان ـ للأسف ـ في أن يصبحوا صوت المسلمين في ألمانيا.

لقد أسهم التمويل الوافر والمنظمات الكثيرة، في نجاح الإخوان المسلمين في ألمانيا، إلا أن قبولهم في التيار العام من المجتمع وصعود نفوذهم دون صعوبات ما كان ليكون ممكنًا، لو أن النخب الأوربية كانت أكثر يقظة، وأعطت للأمور الجوهرية قيمة أكبر من الخطابة والكلام الأجوف، وفهمت دوافع أولئك الذين يمولون ويبنون هذه المنظمات الإسلامية، ويرجع ذلك إلى خشية الألمان من أن يُتهموا بالعنصرية، فالمتطرفون ارتدوا ثوب الحملان، وتعلموا أن بإمكانهم إسكات الجميع في ألمانيا عبر اتهامهم بكراهية الأجانب، فأى نقد يوجه إلى المنظمات المرتبطة بتنظيم الإخوان يردون بالصراخ بالعنصرية والتحامل على المسلمين، وفى بعض الحالات يفوِّت السياسيون ببساطة، التحقق من خلفيات أولئك الذين يدّعون أنهم ممثلون شرعيون للمجتمع المسلم، حيث يكون مَنْ يصفون أنفسهم بممثلى المجتمع المسلم أكثر تطرفًا من الذين يمثلونهم من المسلمين العاديين، وفى حالات أخرى يدرك السياسيون أن هذه المنظمات ليست النظير المثالى في حوار بنّاء، إلا أنهم لا ينفقون وقتًا في البحث عن منظمات أقل حضورًا، ولكن أكثر اعتدالًا، على الرغم من وجود العديد منها، ولكن ينقصها التمويل.

والخلاصة أن المنظمات المرتبطة بالإخوان في ألمانيا، استطاعت أن تحقق مواقع بارزة لسنوات طويلة وتوطد من نفوذها في المجتمع المسلم هناك، مستغلين التمويل السخى والتنظيم الجيد، الأمر الذي جعل من ألمانيا قاعدة لانطلاقهم في أوربا.