الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الخروج الثاني "8".. يوسف درويش: السلطة المصرية هجرت اليهود لإيطاليا لتتسلمهم إسرائيل.. وأجرت مفاوضات لتسليم سيناء للصهاينة

يوسف درويش
يوسف درويش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"تاريخ يهود النيل".. هذا الاسم الذي أطلقة جاك حاسون ليؤرخ فيه تاريخ طائفة كان واحدا منها.. "جاك حسون" شخص محوري له قصة غريبة أغرب من قصة خروجه من مصر، فهو طبيب نفسي مصرى الأصل عاش في فرنسا بعد أن تم طرده من البلاد مع من طردوا، تقابل مع الراحل يوسف درويش وأهدى له كتابه الذي جاء بعنوان "تاريخ يهود النيل" والذي تحدث فيه عن حقيقة يهود مصر وحبهم لها، لم يكترث درويش بذلك الأمر وعلى حسب ما أكدته "ابنته نولة" أثناء لقائها مع "البوابة نيوز" أنه لم يكن يهتم كثيرا بتاريخ اليهود ولكن بعد عام 2001 تقريبًّا قرأ الكتاب وبدأ يشعر بأهمية ما يحتوية، خصوصًا وأن الذي كتبه كان مصريًّا.
في هذا الصدد تقول "نولة درويش": "بعد أن قرأ الكتاب عجبه جدًّا وبدأ يترجمه ليجهزه للنشر ويكون سهلا على المصريين في قراءته وليتعرفوا على جزء من تاريخ بلدهم وبعدها بفترة الدار اتصلت بي لتعديل بعض الأمور التحريرية الصغيرة وتم نشره مرة أخرى".
ما سمعناه من "نولة درويش" عن الكتاب جعلنا نبحث عنه مرارا وتكرارا لقراءته وتوجهنا للدار الأم ولكن لم نعثر عليه وعلمنا أن الدار توقفت عن إصداره حاولنا البحث عنه وعن كتب أخرى تتحدث عن اليهود في مصر ولكن دون جدوى.
ما استوقفنا خلال رحلة البحث عن الكتاب هو ما قاله أحد أصحاب المكاتب بوسط البلد لنا، حين سألناه عن هذا الكتاب فأجاب: "أنا هنا ببيع كتب شبابية بس غريبة أول مرة أشوف شاب يسأل عن الكتب دي، أصل الكتب دي مالهاش سوق مافيش شاب هاييجى يطلبها غير لو مضطر وعنده بحث وعشان كده أنا ببيع الكتب إللى بيهتم بها الشباب"، لم نرغب في التعليق على ما قال ولا فتح أي نوع من أنواع النقاش معه.

حصلنا على نسخة من الكتاب موجودة على شبكة الإنترنت، بقراءة مقدمة الكتاب التي كتبها الراحل يوسف درويش بحدة صارمة، تجد أنها دفاعا عن ما عاناه في فترة بحياته وكأنه وجد ملاذه الأخير في منبر يقف عليه يتحدث بمفرده ويوضح أمورا كثيرة باتت غائبة عن الأذهان.
في البداية تحدث درويش عن "كيف أهداه جاك حسون هذا الكتاب وما الذي دفعه لترجمته بعد فترة ليست بقليلة توسطت ما بين تسلمه الكتاب وترجمته"، وأرجع ذلك باختصار إلى أنه لاحظ في تلك الفترة اهتمامًا خاصًا من المثقفين والكتاب على ما كان عليه اليهود في مصر وقصة هجرتهم وأكد أنه قرأ وتعلم أمور عديدة من هذا الكتاب كان يجهلها.
ثم يعود للتوضيح في الفرق بين اليهود والصهاينة قائلّا: "بادئ ذي بدء، يجب التأكيد في هذا المقام على أن الصهيونية ليست اليهودية وليست اليهودية هي الصهيونية فاليهودية ديانة والصهيونية سياسة، ليس اليهودى من الصهاينة وليس كل يهودى يؤمن بالصهيونية، بل أغلب اليهود لا يؤمنون بها ولهم اتجاهات سياسية مختلفة ومتنوعة فيما بين الرأسمالية والليبرالية ومنهم من اعتنق صراحة الفكر الاشتراكي والفكر الشيوعى، أقول ذلك وأؤكد عليه لأن هناك في هذا الشأن لبس خطير بل مفتعل إن لم يكن مقصودًا، وهذا ما يؤدى إلى العديد من التعامل الخاطئ بل أدى بالفعل في بلادنا وفى غيرها من البلاد العربية إلى العديد من صور الأحداث السيئة والمضايقات والمعاملات المشينة.
وذكر أن العديد من اليهود وحاخامتهم على مستوى العالم وقفوا تجاه إسرائيل موقف المعاداة ورفضوا فكرة الوطن الواحد، وأكدوا أن التوراة لم تأت بأى شيء من هذا القبيل، وذكر العديد من اليهود المعروفين عالميًّا والذي كان لهم موقف عدائى واضح وصريح ضد إسرائيل مثل "تونى كليف" أحد مؤسسي الحركة الشيوعية ذات الاتجاه التروتسكى والذي كان يعيش في فلسطين قبل إقامة دولة إسرائيل وفى عام 1944 هاجر منها وعاد إلى موطنه الأصلى إنجلترا ولم يرغب في البقاء في إسرائيل، وناعوم تشومسكى الذي ملأت تصريحاته كل الصحف معاداته للصهيونية وعدم رضائه على إقامة دولة إسرائيل.
وذكر أيضا جؤيل بنين واصفا إياه بأنه شخصية معروفة تماما في مصر بين أوساط المثقفين والكتاب وهو أستاذ تاريخ بجامعة ستانفورد بأمريكا وكان له العديد من المؤلفات ضد إسرائيل مثل معاداة الصهيونية ومعاداة السامية والطائفة اليهودية في مصر عام 1935 وكتاب الهوية اليهودية المصرية وأخيرًا وليس آخرا كتاب العلم الأحمر بين مصر وإسرائيل، كما ذكر أيضا أن جوئيل بنين أعلن أكثر من مرة أنه يعادى الصهيونية ويرفضها رفضًا قاطعًا وغير مرتاح لما يحدث على أرض فلسطين.
وبلهجة استنكارية اعتراضًا على ما قيل عن اليهود المصريين بأنهم منتمون للصهيونية قال: "ولنقل أولا حقيقة لا بد من ذكرها على الملأ، ذلك أن أول من هاجم الصهيونية في مصر هم اليهود، بل أنهم من أكثر من هاجم الصهيونية علنا وجهارًا.

وأضاف أنه هو وريمون دويك كانا يقومان بتوزيع منشورات باللغة الفرنسية والعربية في شوارع القاهرة ولا سيما في آخر شارع عماد الدين أمام محال " الأمريكين " وعند نهاية ترام مترو مصر الجديدة وكان ذلك تحديدا في الأعوام 1935 وحتى قيام الحرب العالمية الثانية ثم قال: " كافحت ضدها - إسرائيل - منذ ذلك الوقت ولقد تربينا نحن اليهود وغيرنا في أحضان تلك العصبة - عصبة أنصار السلام - في غطار مبادئها الشامخة.
كما ذكر مقاله الذي كتبه بتاريخ 17 أكتوبر 1945 في مجلة الضمير العمالية في العدد 274 والذي كان بعنوان " لن تمروا " موجها إلى الصهاينة كمقارنة بينهم وبين الفاشية، مؤكدا أنهم سيفشلون في التمدد في الشرق العربي كما كان الشأن للفاشية في إسبانيا.
وما قام به أحمد صادق سعد صاحب كتاب " فلسطين بين مخالب الاستعمار والصهيونية " وأكد أنه حين قام بكتابة هذا الكتاب كان لا زال يهوديًّا وهو أول كتاب من هذا النوع في مصر وأشاد الفلسطينيون به.
جدير بالذكر أن يوسف درويش وأحمد صادق سعد وريمون دويك ثلاثتهما كانوا يهودا وأسلموا فيما عدا الأخير رفض تغيير دينه ولكنه ظل باقيًّا في مصر حتى النهاية، وظلو جميعهم رفقاء في الكفاح ولم يتخل أي منهم عن الآخرين.
وذكر أيضا مشاركات الحاخام الأكبر في الثورات المصرية مثل ثورتى عرابى وثورة 1919 كما شارك أيضا مع كل من شيخ الأزهر وأنبا الأقباط في المسيرة الكبرى أكتوبر 1951 بالقاهرة، كما أشار إلى مقاله الذي كتبه باللغة الفرنسية في مجلة " الشبان القرائيين" والتي كانت تصدر في القاهرة باللغة العربية والذي جاء بعنوان "التسامح في الإسلام".

وكان من الصعب أن ينسى الرئيس الراحل عبدالناصر والذي لا تزال تدور حوله الكثير من التأكيدات أنه وراء طرد اليهود من مصر وذكر أن عبدالناصر حين كان شابّا ويخشى من ملاحقة البوليس لنشاطه السياسي كان يأوى إلى إحدى العائلات القرائية في السكاكينى، وهى نفسها العائلة التي قامت بزيارته وهو في قمة السلطة تطلب منه عدم تنفيذ حكم الإعدام في "الدكتور مرزوق" الذي كان متهمًا في قضية لافون وهو لم يمتثل لذلك إطلاقًا.
وبلهجة شديدة أكد أن الحكومة المصرية هي التي كانت تحمى وتتهاون مع الصهاينة في مصر وكانت تحمى لهم "النادي الصهيونى" الذي كان متواجدًا في شارع مراد بمصر الجديدة، وكد أنه كانت هناك مفاوضات تتم بين السلطات الإنجليزية والمصرية على أن يكون وطن اليهود القومى في سيناء ولكن الحمد لله أنه لم يتم.
وقبل النهاية يذكر واحدة تعد من أهم الشهادات التي ذكرها متسائلا " ماذا نقول إذا عرفنا أن السلطات المصرية هي التي حظرت في العام 1947 إقامة ونشاط "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية" والتي كان من مؤسسيها المرحوم شحاته هارون صاحب كتاب "يهودى في القاهرة" وكذلك الرفيق ألبير إريية، المقيم الآن في القاهرة، ثم ماذا كان تصرف السلطات المصرية نحو اليهود الصهيونيين حين اعتقلتهم في العام 1948 في الهايكستب الذي كان به أيضا الشيوعيين والإخوان المسلمين، لقد كانوا يعاملون معاملة خاصة وكان العنبر الخاص بهم مزودا بوسائل الترف، بل كان يسمح لرؤسائهم بالتوجه يوم في الأسبوع إلى منازلهم للالتقاء بزوجاتهم وأولادهم، وأخيرًا.. ألم يكن في علم السلطات المصرية معرفتها أن اليهود بدون – أي الذين لا جنسية لهم وبالتالى ليس لديهم جوازات سفر – عمدت الحكومة المصرية إلى تزويدهم بـ"ورقة طريق" للتوجه إلى روما في إيطاليا، حيث كان ينتظرهم "بعلم السلطات المصرية" رجال الموساد لتوصليهم للعيش في إسرائيل.
وأخيرا قال "لماذا نسيان كل هذا؟.. أليس ذلك مقصودا؟.. أليس الجهل المتعدد يعد في هذا الشأن من الجرائم السياسية؟

في النهاية كان غريبا علينا ما علمناه أن "درويش" وافته المنية بعد شهر واحد من كتابة هذه الكلمات، في عام 2006 وكأنه كان يشعر بما سيحدث له لذا رغب في أن يسجل جزءا مهما جدا من شهادته التي لم يرغب في الإفصاح عن جميعها لتسجل داخل كتاب جاك حسون ذاك المصرى المطرود الذي حين قابل وفدا من مصر كان في فرنسا ظل يصرخ ويقول "أنا مصرى" تلك الجملة التي أكدها الكاتب إبراهيم أصلان داخل كتابه "خلوة الغلبان" تلك القرية الصغيرة التي ولد وعاش فيها جاك حسون في مصر والذي ظل يتذكرها حتى نهايته.
"خلوة الغلبان" ذلك هو اسم قصة من قصص السير الذاتية التي دونها إبراهيم أصلان عن ما عاشه في حياته في كتاب حمل نفس الاسم ويقول أنه كان مسافرا في باريس وهناك التقى مع الوفد المرافق له شخصى يدعى جاك حسون علم أنه يهودى وعلم أن معظم المتواجدين يهود لذا وبطبيعة الحال لأى مصرى بدأ إبراهيم أصلان يشعر بشيء يرغمه على الرحيل فلا يجوز له أن يجالس يهود، يذكر أصلان أن حسون ظل يصرخ بأنه مصرى وكأنه شعر بالحنين لموطنه الذي فقده منذ سنوات عديدة وحكى له أمنية والده بأن ينثر على قبره حين يموت حفنة من تراب مصر ولكنه للأسف لم يلحق ولكن عوض ذلك على قبر أمه ونثر بالفعل على قبرها حفنة من تراب مصر أخذها من هنا مخصوص لذلك، لكن رغم كل ذلك لم يرق قلب أصلان ولم يتفهم الأمور ورحل وطالبهم هو أن يكون لهم زيارة أخرى قبل الرحيل ولكن أصلان أخلف وعده وحين عاد لمصر وسمع عنه وعلم الحقيقة وعد نفسه بأن الزيارة القادمة لباريس سوف يهاتفه ويزوره ولكن للأسف ذات يوم رأى في الصحف "وفاة جاك حسون طبيب النفس المشهور المصرى الأصل" وبدأ أصلان يعيد ترتيب أوراقه بشأن معاملته لليهود المصريين وما يعرفه عنهم.

تلك القصة لم تكن خيالية بل حدثت بالفعل، ويبقى لنا ما قاله يوسف درويش في رثاء صديقه قائلا: "كان شحاتة هارون شريفًا مع نفسه، ومع رفاقه، ومع كل الناس، ومع المبادئ التي اعتنقها وناضل من أجل تحقيق أهدافها"، بتلك الكلمات رثى ودافع درويش عن صديقه شحاتة هارون رفيق الدرب كما قال أيضا في رسالة رثائه المكونة من ثلاث صفحات أرسلها إلى أهل هارون يوم وفاته لصعوبة الحضور "أبدا لم يكن شحاتة انتهازيا أو وصوليا بل كان وطنيًّا من الأعماق يدافع عن وطنه وعن الطبقات الشعبية الفقيرة، أقول لمارسيل وماجدة ونادية: إن منازلنا جميعها مفتوحة لكم على الدوام وأن شحاته لا يزال حيًّا يشرق في قلوبنا وخمائرنا".
وحتى في رثائه لصديقه لم ينس دفاعهما ضد الصهيونية، قائلا: في نهاية الرسالة "فلنعمل جميعا بيد واحدة ضد الصهيونية وضد كل أشكال التمييز العنصرى وغير العنصرى ومن أجل حماية مصرنا العزيزة من كل عدوان واعتداء ولنناضل من أجل تحقيق حياة كريمة للطبقات الشعبية ولنساند الطبقة العاملة في مطالبها وأهدافها.. أقول إليك يا شحاتة منى ومن كل من عرفك كل التقدير والحب والإعتزاز.. ذكراك سوف تكون على الدوام في قلوبنا وخمائرنا"، كان ذلك في 31 مارس 2001.
في النهاية كان يجب أن نتواصل مع من عاشوا فعليًّا مع اليهود لذا كان لنا حديث خاص مع أهل حارة اليهود وخصوصًا البيت الذي لا تزال نجمة داود على بابه حتى الآن وهو ما سنعرضه في الحلقة القادمة.

الخروج الثاني (1)

الخروج الثاني (2)

الخروج الثاني (3)

الخروج الثاني (4)

الخروج الثاني (5)

الخروج الثاني (6)

الخروج الثاني (7)

الخروج الثاني (8)

الخروج الثاني "9"