رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فلسفة استيراد "الليتشى"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم نعرف الاستيراد الذى يطلق عليه السفيه إلا مع بداية سياسات الانفتاح الاقتصادى، وكان حدثا مستفزا أن تتداول الصحف وقتها أخبارا عن استيراد طعام القطط والكلاب، وكان هذا الحدث يمثل صدمة طبقية توالت بعدها صدمات طبقية حادة فى عصر حسنى مبارك لم تقتصر على استيراد طعام القطط والكلاب فحسب، ولكنها شهدت ظواهر أخرى تؤكد عمق الفجوة الطبقية فى مصر، خلقت شعبين.. شعب هو فى الحقيقة حفنة ممن استولوا على البلد وثرواته، وشعب يعيش أكثر من نصفه تحت خط الفقر.
وانقضى عهد السادات وعهد مبارك، وقامت فى البلاد ثورتان وما زلنا نستورد سلعا تافهة ومستفزة لتلبية احتياجات السفهاء بالمليارات من الجنيهات العزيزة والتى يشكل كل جنيه منها رحلة عذاب يومى سعيا وراءه وللحصول عليه بعرق الجبين الشريف لسد جوع البطون الخاوية التى لها حق فى هذا البلد وفى ثرواته، مليارات تساوى إن ترجمناها إلى معنى العدالة الاجتماعية، فهى تعنى إنفاقا على الصحة والتعليم والإسكان الإنسانى، ولكنها هنا تنفق على سبيل «الفشخرة» ممن لا يخجلون ولا يجدون قانونا يمنعهم ويردعهم، ويوقفهم عند حدود الأدب بمنع استيراد الاستفزاز المجسد والعبث الواضح بثرواتنا فى استيراد «الخس» من كوريا و«الحلبة» من كوالالامبور، ولن نتحدث عن استيراد الفول والترمس من الصين فهذا العار غطى رؤوس من يضعون سياسات هذا البلد منذ سنوات.
ولم يقف السفه عند استيراد الفول، ولكننا نستورد أيضا من مدغشقر فاكهة تسمى «الليتشى»، والحقيقة أن هذا الاسم لهذا الشىء كان عصيا على استيعابى فقررت أن أبحث عنه على الإنترنت علنى أجيب عن سؤال فلاح من بلدنا لو سأل كبيرا من كبراء البلد «إيه الليتشى ده يا أبا الحاج» ولن يعرف أبوه الحاج أن «الليتشى» هو فاكهة سعر الثمرة الواحدة منها يتعدى الخمسة وعشرين جنيها، ومن البجاحة فى تسويقها أنها غنية بفيتامين سى، لو سمع فلاح بلدنا هذه الإجابة المتعلقة بفيتامين سى قد يشعل النار فى محصول البرتقال الذى رواه بعرق جبينه أو ربما حرق نفسه غيظا ويأسا ولن نذكر لفلاحى بلدنا أننا نستورد أيضا «الأفوكا» من بنما لأنه لن يهتم بعد كل هذا القهر بمعرفة أين تقع بنما، وسنخاف عليه أيضا من الصدمة الطبقية إن عرف أننا نستورد الموز من كوستاريكا حتى لا يسأل «إلا فين كوستاريكا دى يا أبا الحاج».
ذكرنى سفه الاستيراد بأمى رحمها الله التى كانت تنتظر عودتنا فى العطلات لبلدتنا فى الشرقية مشتاقة للمة نساء العائلة وبناتها، كانت تشتاق لتلك «اللمة» واللقمة الحلوة قطعة جبن فى طبق مش تغلق عليه جدتى الجرة من العام للعام وفطيرة طرية وخبز ساخن أيام كان فى البيوت أفران تخبز، ومع اللمة والطعام أعواد الجرجير والفجل والسريس والخس البلدى وليس الكورى والملانة والخيار الذى تنتشر رائحته بمجرد قضم الواحدة منه والفول الحراتى الطرى اللذيذ.
ليس العيب على من يستورد وعلى من يبدد ملياراتنا على سفه وملء بطون لا تشبع، و«الفشخرة» التى ندفع ثمنها من لحمنا الحى، العيب والمسئولية تقع على من بيده قرار وإرادة وقف هذا العبث والسفه والإهدار، وكل هذا يستحق المحاسبة عليه، من سمح ومن عرف ولم يتخذ موقفا يمنع ارتكاب جرائم باسم الاستيراد.