الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يوم فى الكونجرس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم أُصدق أن هؤلاء الواقفين أمامى يُمكن لهم أن يتخذوا قرارات تؤثر على العالم كُله.. فى تراس عُلوى جلست أطل على قاعة الكونجرس لأشاهد مناقشات أعضاء لجنة الأمن القومى حول خطة الدفاع الجديدة للولايات المتحدة.
كانت المرة الثانية التى أزور فيها مبنى الكابيتول بالعاصمة الأمريكية، لكنها الأولى التى أدخل إلى قاعة الكونجرس أثناء المناقشات لأتابعها مُباشرة.. لم تبهرنى القاعة التى تقل فى الاتساع عن قاعة مجلس النواب المصرى، لكن لفت نظرى ميداليات حجرية كست سقف القاعة لكل ولاية من الولايات الـ50 مع تاريخ استقلال كل منها.. «ما زال الناس هُنا يُعظمون تاريخهم» قال لى مُحدثى الأمريكى وأنا أرنو للرسومات التاريخية حول الثورة والحرب الأهلية على الجدران.. قُلت فى سرى: أى تاريخ لدولة تحولت من مجموعة شركات إلى دولة عام 1789!
تأملت فى صمت ذلك المكان الذى يعتبرونه أهم مكان على وجه العالم.. كانت قاعة الكونجرس تضم صفين متقابلين من المقاعد المائلة فى اتجاهين عكسيين تخص فريقين فقط، هما أعضاء الحزبين الديمقراطى والجمهورى، ولا تبدو أى مقاعد لأى أحزاب أخرى، إذ غالبا لا يصل إلى الكونجرس إلا أعضاء الحزبيون فقط.. ويخصص رئيس الكونجرس وقتا مُحددا لكل حزب للحديث يساوى الوقت المخصص للحزب الآخر تماما.. وفى مناقشات اللجان يتناقش الأعضاء بالتبادل بين الحزبين، وكأن الحياة السياسية الأمريكية لا تتسع لغيرهما.
قال لى رجل العلاقات العامة شارحا إن الكونجرس له صلاحيات واسعة تبدأ بمناقشة الموازنة وحتى وقف قرارات رئيس الجمهورية، وأن أعضاء الكونجرس يفعلون ما يشاءون.. وأخذ الرجل يُرشدنى حول أسس الديمقراطية النيابية وكيفية ترسيخ الحرية السياسية فى تاريخ بلاده، وكأنى قادم من كوكب آخر.. قُلت له أننى قادم من بلد امتد تاريخه سبعة آلاف سنة، وعرف البرلمان قبل مائة وخمسين عاما وعاش تجارب تعدد الأحزاب والحزب الواحد والنظام الملكى والجمهورى وعرف جبابرة ونبلاء ومر به مُنافقون وعظماء وقتلة وأنتج ثورات وانتفاضات.
لسنا دولة من جمهوريات الموز، لكننا فقراء جدا فى الإعلان عن أنفسنا والترويج لتاريخنا وتحضرنا.
وقلت للرجل «إن مناقشات الجلسات فى بلادى شبيهة بتلك التى أراها غير أن لدينا عشرات الأحزاب والتوجهات داخل مجلس النواب».
قال لى الرجل: هذا عظيم.. أنتم على طريق الديمقراطية، وابتسم مُعتبرا ردى نتاج غيرة.
وخرجت دون انبهار أو دهشة توقعها مسئول العلاقات العامة بالكونجرس، لكننى فكرت أن الفارق الحقيقى بيننا وبينهم ليس فى مستوى الديمقراطية، وإنما فى العلم والتكنولوجيا.
إن لديهم ــ مثلنا شركات توجه السياسة وتحرك الأحزاب وتصنع جماعات الضغط، لكن ما يبهرنى عندهم ذلك العشق الجنونى للعلم والبحث والتطور.. أموال وعقول ونفوس ومؤسسات تتجه إلى العلم وحده، والذى يُمكنهم من جنى عشرات المليارات من الدولارات نتاج ابتكار حبة دواء واحدة..
والله أعلم.