السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

نكشف بوابات تسفير "طلاب الإخوان" إلى تركيا

بعد فصل عدد كبير منهم لتورطهم فى أعمال عنف

الرئيس التركى رجب
الرئيس التركى رجب طيب أردوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مركز «يونس أمره» في الجيزة والإسكندرية الستار الخفى لـ«التهريب».. ودار نشر «سوزلر» تستقطب عناصر «الإرهابية»
المراكز الثقافية التركية تقدم منحًا دراسية لـ«المفصولين».. وحكومة «طيب أردوغان» تتولى الإنفاق على «المهاجرين»

بعد عزل جماعة الإخوان المسلمين عن حكم مصر في 3 يوليو 2013، سعى الرئيس التركى (كان وقتها رئيسًا للوزراء) رجب طيب أردوغان إلى تقويض أي شرعية للنظام الجديد، فهاجم الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي أكثر من مرة في المحافل الدولية، واصفًا الخروج الشعبى الكبير في «30 يونيو» بـ«الانقلاب العسكري».
لم تتوقف تركيا عند حد تسخير كل الإمكانيات ضد الدولة المصرية، وتمويل التنظيمات الإرهابية داخل البلاد، وتقديم دعم غير محدود لجماعة «الإخوان»، وتوفير الملاذ الآمن للقيادات الهاربة، بل امتد إلى لعب دور استخباراتى خطير في البلاد. هذه ليست كلمات إنشائية نكتبها انفعالًا بالموقف التركى ضد مصر، بل هي ترجمة لواقع تزاوجت فيه كل الأدوات واجتمعت للتآمر على بلد بالكاد يتعافى.
بحسب ما جمعناه من معلومات في هذا التحقيق، فإن هناك عدة مراكز ثقافية تركية في الجيزة والإسكندرية، تمارس أنشطة «مشبوهة»، منها استقطاب الطلاب وخاصة المنتمين إلى «الإخوان» الراغبين في الهجرة إلى تركيا للدراسة بجامعاتها.
بعد عزل «الإخوان» وتورط طلابها في إشعال الأوضاع داخل الجامعات، جرى فصل عدد كبير منهم، فتقدموا بطلبات للهجرة إلى تركيا، والدراسة في جامعاتها، ولعبت المراكز الثقافية التركية الدور الأكبر في تسهيل عملية الهجرة.
أبرز هذه المراكز يحمل اسم «مركز يونس أمره للثقافة التركية»، وسمى باسم الشاعر التركى المتصوف يونس أمْرَه، الذي ترك أثرًا كبيرًا في الأدب التركي، وله مقران في القاهرة الإسكندرية، وافتتحه رجب طيب أردوغان في سبتمبر ٢٠١١، وكان الهدف الرئيسى نشر اللغة التركية، وتنظيم برامج تعليمية وتدريبية، بما يسهل التعاون بين البلدين، فيما تلعب دار نشر «سوزلر»، دورًا كبيرًا في استقطاب آلاف الشباب المصريين بدعوى تعليمهم اللغة التركية، حيث تنظم دورات تدريبية للطلاب، وتحت هذا الستار يخرج شباب من «الإخوان» إلى تركيا.
هذه المراكز لم تكن نبتًا شيطانيًا ظهر على السطح بصورة مفاجئة، لكنها نشأت عقب تنامى نفوذ جماعة «الإخوان» في مصر عقب «٢٥ يناير»، وانشغال مؤسسات الدولة بمواجهة الانهيار الذي اعتراها، حيث دخلت تركيا بكل ثقلها لـ«اقتناص البلاد».
كانت البداية مع مقر مركز «يونس أمره» بحى الدقى في الجيزة - يعمل عدد كبير من المصريين وشباب أتراك - حيث قدم محرر «البوابة» نفسه باعتباره طالبًا يريد الالتحاق بامتحان المنحة التي تقدمها جامعة إسطنبول للطلاب المصريين، ومنها يتأهل الطالب للدراسة بالجامعات التركية، وتبلغ رسوم دخول امتحان القبول في جامعة إسطنبول ٤٥ ليرة تركية، أي ما يعادل ١٣٥ جنيهًا مصريًا.
التقت «البوابة»، محمد فتحي، ٣٠ عامًا، أحد العاملين بالمركز، حيث ذكر أن موعد تلقى طلبات الالتحاق انتهى الأسبوع الماضى (أثناء إعداد التحقيق)، مشيرًا إلى أن المركز يلتقى - منذ افتتاح المركز عام ٢٠١١ - طلبات للالتحاق بالجامعات التركية، لكن هذه الطلبات ازدادت بعد عزل «مرسي»، إذ حضر عدد كبير من طلاب الجامعات إلى المقر، لبحث الالتحاق بجامعات تركية.
ومنذ عزل «مرسي» في ٣ يوليو من عام ٢٠١٣، وهناك مظاهرات وأعمال شغب يقوم بها طلاب «الإخوان» في الجامعات المصرية، حيث أسفرت تلك الأعمال حتى العام الدراسى الماضي، عن القبض على ١٨١٢ طالبا و٣٢ طالبة، كما فصل ما يقرب من ٥٠٠ طالب، بينما تقول إحصائية لـ «ويكى ثورة»، وهى جهة حقوقية متخصصة في حصر ما تسميه الانتهاكات السياسية، إن حالات الفصل بين مؤقت ودائم شملت ١٢٨٦ طالبا حتى العام الماضي، منهم ١٩٣ حالة فصل نهائى في جامعة الأزهر و٩٤ حالة فصل نهائى في جامعة القاهرة.
كل هذه الإجراءات جعلت عددا كبيرا من الطلاب المفصولين يلجئون للهجرة خارج البلاد والذهاب للدراسة في الجامعات التركية، عبر المراكز الثقافية التركية في مصر، وأصبح الشعار الشائع بين عدد من طلاب الإخوان.
لاحظنا استمرار الأنشطة الاجتماعية والثقافية في المركز، ومنها نادي الكتاب، ونادي السينما، ونادي المحادثة، الذي يناقش من خلاله موضوعات سياسية واقتصادية، بحضور شخصيات سياسية تركية مثل الصحفى التركى الشهير نور باطور، فيما يقول «فتحى»: «إن دورات تعليم اللغة التركية مستمرة، والنشاط الثقافى والاجتماعى لم يتوقف»، مضيفًا أنه ليست هناك تعليمات بإغلاق المركز الثقافى، استنادًا إلى استمرار العلاقة بين تركيا ومصر على حد زعمه.
اتصلت «البوابة» بمقر المركز في الإسكندرية، حيث سألنا أحد العاملين ـ رفض ذكر اسمه ـ عن صدور تعليمات من القنصلية التركية بالإسكندرية بوقف نشاط المركز أم لا، وكانت الإجابة أن المركز مستمر في أنشطته، ومنها الدورات الخاصة بتعليم اللغة التركية لبعض شباب الجامعات المصرية الراغبين في السفر والإقامة بأنقرة.
وحول شروط «كورسات» تعليم اللغة التركية، أوضح أن هناك ٦ مستويات يتبعها المركز لتعليم اللغة التركية، تصل تكلفة كل مستوى إلى ٣٠٠ جنيه، مشيرًا إلى وجود أنشطة سينمائية، حيث يعرض نادي السينما أفلامًا تركية، كل أسبوع على رواده.
وبحسب المعلومات فإن دار نشر «سوزلر» لا تزال هي الأخرى تنشر عددا من الكتب التركية في الأسواق المصرية.
ويشير الدكتور حسام الدين مصطفى، مستشار وزير التعليم العالى لشئون الطلاب، إلى عدم وجود إحصائية دقيقة لعدد الطلاب الذين ذهبوا للدراسة في تركيا، لأن الوزارة ليست معنية بالأمر، لافتًا إلى أن معظم من ذهبوا إلى تركيا خرجوا بطريقة غير شرعية وبالمخالفة لقوانين الجامعات المصرية.
ويقول «مصطفى»، لـ«البوابة»، إن منح الجامعات الخارجية لها شروط ولوائح معينة من الصعب أن يخوضها الطالب المصرى إلا بموافقة الجامعة، ولذلك يلجأ الطلاب الراغبون في الدراسة بتركيا إلى طرق غير شرعية، خصوصا أن القانون التركى الجديد سهل لهم ذلك، وفقًا لقوله.
وبالعودة لخطوات وإجراءات الهجرة والدراسة إلى تركيا وفقًا للقانون الموجود على الموقع الرسمى لمجلس التعليم التركي، فإنها تبدأ بتقديم الطالب المصرى إلى الجامعة التركية التي يرغب في استكمال دراسته بها، وذلك من خلال موقعها على الإنترنت أو بالمراسلة من خلال الفاكس.
بعد القبول المبدئى من الجامعة ترسل خطاب القبول إلى الطالب، وقد تطلب الجامعات الخاصة تحويل جزء بسيط من المبلغ الذي سيتم دفعه كمقدم لضمان الجدية قبل إرسال الخطاب، ويتراوح بين ١٠٠ و٢٥٠ دولارا، وبعدها يتوجه الطالب إلى سفارة تركيا مصطحبًا خطاب القبول الجامعى للدراسة بتركيا.
المثير في الأمر أن هذه الإجراءات شكلية لإضفاء مشروعية على أسلوب الالتحاق بالجامعات التركية، في معظم الحالات ـ اطلعنا على تفاصيل سفر عدد كبير من الطلاب ـ تتولى جماعة «الإخوان» تدبير نفقات السفر، فيما تتولى الحكومة التركية الإنفاق على هؤلاء الطلاب.
بعد الحصول على التأشيرة يستطيع الطالب السفر إلى تركيا، حيث يكون وقتها مؤهلا للحصول على إقامة طالب، ثم يتوجه للجامعة لتقديم بقية أوراقه الأصلية والمترجمة، وهناك بعض الجامعات تشترط أن يتوجه إلى جهة تسمى مكتب معادلة الشهادات والوثائق، لتتم ترجمة الشهادات، ومعادلتها على مستوى درجات تركيا.
وبعد انتهاء الطالب من تقديم أوراقه يحصل على إفادة من الجامعة، ومن خلال هذه الورقة يمكنه أن يقدم على الإقامة طويلة الأجل عبر الموقع الإلكترونى لمديرية الأمن بتركيا.
وأصدرت الحكومة التركية في وقت سابق قرارًا يمكن الطلبة المصريين والسوريين (فيما عدا تخصص الطب وطب الأسنان)، بالتحويل للجامعات التركية في أي مرحلة من المراحل أو أي فصل (دون التقيد بمواعيد، حتى السنة الأولى أو الأخيرة، وبشرط وجود المستندات اللازمة للتحويل، وبالنسبة للطلبة الذين لا توجد لديهم المستندات اللازمة للتحويل، فالقانون التركى أعطاهم أحقية تلقى الدروس في عدة جامعات تركية دون الحصول على شهادة جامعية، ومن هذه الجامعات: غازى عنتاب، وكيليس ٧ ديسمبر، وحران «سانليورفا»، ومصطفى كمال «هاتاي»، وعثمانية كوركوت عطا، وكوكوروفا «أضنة»، ومرسين.
وحصلت «البوابة» على مستندات من وزارة التعليم العالي، توضح أن المنح الدراسية التي أعلنت عنها الوزارة في مارس الماضى لا تدرج منح للجامعات التركية، برغم وجود امتحانات للطلاب عبر المراكز الثقافية التركية التي ذهبنا إليها من بينها امتحان لمنحة تتبع جامعة إسطنبول.
المنح المتاحة هذا العام، ٤٤ منحة، منها ١٠ للملكة العربية السعودية، في كل التخصصات ماعدا الطب وعلومه، ومنحتان في الأردن في كل التخصصات، ومنحتان لروسيا، و٨ للمغرب و٤ لتونس ومنحة لبولندا و٢ للجامعات السودانية و٤ لباكستان. وبرغم عدم اعتراف وزارة التعليم العالى بمنح الجامعات التركية، ومن ثم عدم اعترافها بالدراسة في جامعاتها، إلا أن عددا كبيرا من طلاب «الإخوان» خاصة المفصولين والراغبين في الهروب إلى إسطنبول، ما زالوا يتقدمون للالتحاق بتلك المنح.
من جانبه، يقول أحمد البقري، نائب رئيس اتحاد طلاب مصر السابق المنتمى لجماعة «الإخوان»، الموجود في قطر الآن، إنه بالنسبة للطلاب الراغبين في دراسة الطب والصيدلة وطب الأسنان فإن القانون التركى لا يعطيهم حق الدراسة إلا باللغة التركية. ونشر «البقرى»، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» بعض المصروفات التي يدفعها الطالب في حالة دراسته في الجامعات الخاصة التركية، ومنها جامعة «باهشاشير» التركية، حيث يستطيع طالب الطب الالتحاق بها بعدما يدفع ٢٥ ألف دولار سنويا كشرط للدراسة باللغة الإنجليزية، وفى جامعة «يدى تابي» تبلغ مصروفات كلية الطب ٢٢ ألف دولار سنويا، وطب جامعة ميديبول بـ ١٨ ألف دولار، ودراسة الصيدلة بـ ١٤ ألف دولار سنويا وباللغة التركية.
ويرى الخبير التربوى الدكتور كمال مغيث، أنه لا توجد فروق شاسعة بين التعليم المصرى والتركي، لأن عدد الجامعات التركية المصنفة عالميا قليل جدا، مؤكدا أن وجود طلبة «إخوان» في تركيا سيكون مؤثرًا بعد عودتهم، لأنه ربما يكون هؤلاء هاربين من مصر ومدرجين على قوائم ترقب الوصول أو صادرا بشأنهم قرارات ضبط وإحضار.
بدوره أقام المحامى بالنقض سمير صبري، دعوى قضائية مستعجلة في محكمة القضاء الإدارى يطلب فيها سرعة إلزام رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، بإصدار قرار بغلق المراكز الثقافية التركية الموجودة في القاهرة والإسكندرية وعلى رأسها «يونس أمره» بالدقي، ودار نشر «سوزلر» التركية في القاهرة، ولا تزال هذه الدعوى القضائية منظورة في محكمة القضاء الإدارى ولم يتم البت فيها حتى كتابة هذا التحقيق.
ويقول «صبري»، إن المراكز الثقافية التركية في مصر تستقطب آلاف الشباب المصريين بدعوى تعليمهم اللغة التركية لاستكمال الدراسة في تركيا، مشيرًا إلى أنها تهدد الأمن القومى المصرى لما تمارسه الدولة التركية من تطاول على الدولة المصرية، وخاصة في خطابات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ووصفه ثورة «٣٠ يونيو» بـ«الانقلاب العسكري»، ودعمه للتنظيمات الإرهابية.
ويؤكد الدكتور محمد عبد القادر، الخبير في الشئون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا في حالة تدهور مستمر، بسبب استمرار «أردوغان» في مهاجمة مصر وشعبها، معتبرًا أن تخفيض العلاقات الدبلوماسية كان نتيجة متوقعة بسبب أفعال الرئيس التركى غير المسئولة، وخطاباته المعادية لمصر وخاصة أمام الأمم المتحدة.
ويؤكد مساعد وزير الداخلية الأسبق، اللواء مجدى بسيوني، أن استمرار وجود المراكز الثقافية التركية في مصر، يهدد الأمن القومى للبلاد، لأنه مهما كانت الرقابة على تلك المراكز ستظل هناك أفعال مشبوهة تمارسها الدولة التركية ضد مصر من خلال هذه المراكز، لأن تركيا تعتبر عدوا لمصر الآن، متوقعا أن يتم تجنيد عدد من العاملين بالمراكز التركية وسفارتها للتجسس على البلاد.
ويقول «بسيونى»: «مصر فتحت ذراعيها وأنشأت مكاتب لحركة (حماس) وكانت النتيجة أن هذه المكاتب أصبحت نواة لانقلاب حماس وتآمرها على مصر، ولاشك أن المراكز التركية تضر بمصر»، متسائلا: «لماذا تستمر هذه المؤسسات والمنظمات التركية في مصر حتى الآن»؟.