الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هيبة وطن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"أتعرف ما معنى الكلمة؟.. مفتاح الجنة فى كلمة.. ودخول النار على كلمة.. وقضاء الله هوالكلمة، الكلمة فرقان بين نبى وبغى.. بالكلمة تنكشف الغمة.. ودليل تتبعه الأمة.. الكلمة زلزلت الظالم.. الكلمة حصن الحرية.. إن الرجل هو كلمة.. شرف الله هو الكلمة.
كلمات ماسية لعبد الرحمن الشرقاوى، توجت الكلمة بمداد من نور كما أثقلت كاهلها بحمولة الكون من الخطايا.
فى واقع الأمر، إن وسائل الإعلام بثوبها التقليدى والجديد تعد من أعظم الكلمات التى عرفتها الأمم، ويعد الإعلام هو ذلك المارد الأوحد الذى يحطم رأسه ورؤوس المصريين بأقصى قوة من أجل الوصول إلى كبد الحقيقة، ثم يعيد اجترارها على مدار اليوم مرات ومرات بمذاقات مختلفة، وذلك وفقا للمزاج السياسى للقناة، وللقناعات المهنية والسياسية لفريق العمل، ثم يعاد تذوقها تارة أخرى عبر شبكات التواصل الاجتماعى ولكن بمفرز شعبى يحمل طعما للمرار أو آخر للسخرية، ولكن إذا ما تساءلنا ماذا بعد الولوج إلى الحقيقة؟ أعتقد أننا لن نجد إلا إجابة واحدة، وهى مواصلة المواجهة مع الحقيقة مرة أخرى، ولكن إلى متى سنظل هكذا لنترك فى العراء مع الحقيقة المجردة.. هل سنطعم أولادنا من فم الحقيقة؟ هل ستثلج تلك الابتسامة الباردة على ثغر الحقيقة حرقة فى قلب الوطن، فتبا للحقيقة إن كان نتاجها أن تبتلع الأرض زهراتها! وتبا لتلك الكلمة إن أفقدتنا دفقا للأمل الفسيح فى خاطرنا! وتبا لها إن زلزلت مؤشرات البورصة وإن أغرقتنا حكاما ومحكومين فى ثقافة العجز..
إن المشهد الإعلامى بكافة مشاربه يعيش حالة مأزومة كحال المصريين، فحين طلبت من تلامذتى بكلية الإعلام أن يغمضوا أعينهم قليلا، ويحاول كل منهم ببساطة أن يتخيل الصورة الذهنية للوطن من خلال تعرضهم الناقد لوسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعى، قال أحدهم: «أشعر بأننا نستقل قاطرة سترتطم عما قريب بحائط فولاذي»، وقال آخر: «أشعر أننا فى سفينة كسفينة نوح وقد تشربت بزرقة لمياه محيط هادر»، ثم توالت التعليقات الرمادية.
عايشت مع تلاميذى فكرة تصدير الأزمة على ساحات الإعلام التقليدى، ومن ثم الافتراضى أو العكس فى دورته المعلوماتية المرتدة، وذّلك بوصفهم يملكون حسا مرهفا للمشاهدة الناقدة بحكم الدراسة، واستمر النقاش إلى أن استقرت قناعتنا أنه على الإعلامى التحرر قليلا من الطبيعة المهنية، وأن يتخلى جزئيا، وبحكم الضرورة المجتمعية عن وظيفة الناقل المفسر، تلك الوظيفة الغارقة فى التقليدية، والتى تتشكل فى دروبها معارف الناس واتجاهاتهم وسلوكهم إيذاء قضايا بعينها، على الإعلاميين أن يتبنوا رؤية واقعية بدلا من حالة الإفلاس الإعلامى والتخدير المعرفى التى نتنفسها، عليهم أن يكفوا عن تصدير الأكلاشيهات عبر الفضاء التقليدى والافتراضى «كالفشل الحكومى» و«الانهيار الاقتصادى»، وتصيد السقطات الكلامية للمسئولين.
أعزائى إن الموقف الراهن يقتضى إعلاما مستنيرا ليس فقط بالحقائق ولكن باستيعاب خارطة الحروب الهجينة كحروب الجيل الرابع والخامس، هذا فضلا على الخارطة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للمصريين.
فلقد آن الأوان ليقظة إعلامية رشيدة تستوعب الحقيقة فى إطارها الوطني، آن الأوان للتحرر من عبث الحيادية السالبة، ووهم احتكار الحقيقة، أتمنى أن تستقر القناعات المهنية بسلامة الله على أرض الواقع لترعى الملفات الحيوية الضاغطة للوطن، هذا فضلا على تدشين الجهود لوضع الأطر الرشيدة للخروج من مستنقع الأزمة دون اجتراح مهابة الوطن.